كيف يقرأ الاحتلال حالات “الرفض العربي” في مونديال قطر؟

التصنيفات : |
نوفمبر 30, 2022 11:55 ص

*وسام عبد الله

تُعتبر مشاهد الرفض العربية للتواصل مع إعلام الاحتلال المتواجد في قطر، دليلاً على معارضة معظم الشعوب لمسار التطبيع، وهو ما انعكس على رسائل المراسلين الصهاينة متحدثين عن ردود الفعل تجاههم، فإن لم يتحمل شاب وفتاة التلاقي مع الإسرئيلي لبضع دقائق، فكيف هي الحال لشعب يحتله منذ عقود؟، وهل نملك القدرة على التأسيس على هذا الحالات وتحويلها إلى مساحة أوسع لإعلاء الصوت المناصر للقضية والمعارض للاحتلال؟!.

المواجهة الأولى

شكّل كأس العالم لمعظم الجماهير العربية المتواجدة في قطر، الاحتكاك المباشر الأول مع الإسرائيليين، وخاصة للدول التي لم تدخل في اتفاقيات التطبيع وتفتح حدودها أمام دخولهم إلى بلادها، والانطباع الأول له دلالة مهمة خاصة وأنّه يأتي من فئة عمرية شابة، افترض البعض أنّ طرق التواصل معبدة مع الاحتلال وتقبّل وجوده. لكن علينا أن لا نتعامل مع الأمر وكأنّه يحدث للمرة الأولى وننسى مواقف الكثير من الرياضيين العرب في رفض مواجهة اللاعبين الإسرائيليين.

يبتعد العربي عن المراسل تاركاً مسافة أمان بينهما، لا يريد المصافحة ولا الكلام معه، ليحميَ نفسه من “وصمة العار” إن عاد إلى عائلته وقال لهم بأنّه تحدث مع “إسرئيلي”، فهو ليس موقفاً سياسياً بين بلدين في حالة عداء مثل إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصية  الموضوع الفلسطيني والصراع العربي – الإسرئيلي لا تقف عند حدود شعار “تبقى الانسانية تجمعنا” أو “الخلافات السياسية لا تفرق الشعوب”. هنا، يخسر العدو إحدى معاركه.

الواضح أنّهم كانوا يتوقعون استقبالاً مختلفاً من الشعوب العربية أو أخف حدة، فهنا يمكن القول إنّ وهم السيطرة وتفريغ الذاكرة من القضية الفلسطينية ليس يسيراً

ندرك قدرة الإعلام على التأثير والتغطية على الأحداث، فلا يمكن نسيان أنّ الإعلام الصهيوني موجود على أرض عربية واستطاع السفر إليها ماراً فوق الأجواء العربية، وإن سجّلنا مشاهد الرفض، ربما بعيداً عن الضوء كان هناك لقاءات سريعة أو مطولة، بناءً على تقارير المراسلين الإسرائيليين الواضح أنّهم كانوا يتوقعون استقبالاً مختلفاً من الشعوب العربية أو أخف حدة، فهنا يمكن القول إنّ وهم السيطرة وتفريغ الذاكرة من القضية الفلسطينية ليس يسيرا.

حسابات التطبيع والبيدر العربي

لا نملك أداة قياس وأرقام عن مدى قدرة التطبيع على اختراق الوجدان العربي، وهو ما يفسر حاجتنا لتلك اللحظات لنعيدَ تأكيد المؤكد، أو ما نحن بحاجة لتثبيته، بأنّ اتفاقات “أبراهام” وما سبقها لم تحقّق أهدافها على المستوى الاجتماعي بشكل كامل، ومع الوقت ربما ستتوضح من الناحية الاقتصادية مدى جدواها، وهي إحدى الركائز الأساسية لترويج التطبيع. يقول محرر جريدة هآرتس الأسبق ديفيد لانداو: “من أجل أرض “إسرائيل” يجوز الكذب”، كتفسير لسياسة الكيان بالمراوغة والخداع للوصول إلى النتيجة التي يريدونها، ومسارات التطبيع هي جزء من عملية الكذب على الشعوب، بأنّ همها الأول هو الرفاه والراحة الاقتصادية ونشر فكرة أنّ المقاومة تجلب الفقر والفساد. وبالعودة إلى ما حصل مع الشباب العربي في قطر، فهو لم يكن في مواجهة عسكرية مع المراسل الإسرائيلي، بل في بلد يحتاج التواجد فيه إلى نسبة عالية من الراحة المادية والرخاء الاقتصادي (تكاليف السفر والسياحة مرتفعة جدا)، وعليه أظهر مشهد الجماهير الرافضة للتطبيع بأنّ الحالة النفسية والاقتصادية الجيدة لم تمنع الشباب المنتمي للقضية من صدّ محاولات الإسرائيليين بالتواصل، بمعنى آخر العداء للصهاينة يتجاوز المبررات والجغرافيا والظروف المؤاتية.

الكرة في الملاعب العربية

سينتهي المونديال على أرض قطر، أما فلسطين ستبقى كرتها في “الملعب العربي”، فكيف يمكن البناء على ما حدث؟، هل نكتفي ببعض المشاهد والاحتفال بها ثم ننسى الأمر؟ أم نحوّل ما حدث إلى “تريند” ينتهي مع صافرة الحكم؟. أول عملية للتأثير على الشباب العربي كانت بشعار “ليس باليد حيلة” وبدأ تحويله إلى حراك على الأرض لتوجيههم نحو مسائل مختلفة بعيداً عن القضايا الأساسية، لتنتشر حالة الإحباط، المرتبط أيضاً بسوء الإدارة والفساد لدى حكومات عربية مختلفة، فالفساد مهّد الأرضية لدخول الإسرائيلي عبر بوابة الاقتصاد.

للمقاومة مسارات متنوعة ولكلّ منّا طريقه إليها

إعادة تأكيد أنّ الانسان العربي، كفرد، لديه القوة على التأثير، وتحويل الحالات الفردية إلى إمكانيات جماعية، فالإسرائيلي لن يقف متفرجاً بعد ما حدث، سيتعمق بفهم الأسباب ويتعلم من الدرس، “لماذا لم نستطع التأثير على العرب بشكل كامل؟”، بينما السؤال من الجهة العربية يُفترض أن يكون: كيف نعزز ما سمعه العدو من جواب؟، والأهم، تصدير الموقف العربي إلى العالمية، لأنّ الاحتلال لن يغلق مسار التطبيع بل سيمضي قدما.

تابعنا لقاءات تجمع عرباً بـ”إسرائيليين” في دول عربية، ليظهّرها الإعلام بأنّها اجتماعات سلام وأخوة، إضافة لعقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الكيان، فهل يكفي مشهد واحد في حدث رياضي كل أربع سنوات لكي يوازي الضخ الإعلامي المقابل؟، من المفيد متابعة العِبر التي سيخرج منها الاحتلال وكيف سيستثمر المقاطع المصورة لصالحه من زاوية “المظلومية”، ويكون المطلوب عربيا، وخاصة من المنظمات الشبابية والرياضية، إعادة تجديد الخطاب والمحتوى المقدّم للفئات العمرية، فليس المطلوب من الجميع حمل السلاح لأنّ للمقاومة مسارات متنوعة ولكلّ منّا طريقه إليها.

*كاتب لبناني 


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,