في الذكرى الـ35 على التأسيس: “حماس” بين البندقية والبراغماتية السياسية

التصنيفات : |
ديسمبر 14, 2022 7:59 ص

*خاص – صمود:

تحل اليوم الذكرى الـ35 على تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي حركة مقاومة شعبية وطنية وجهادية، وزّعت بيانها التأسيسي في 14 كانون الأول/ديسمبر1987، إلا أنّ نشأة الحركة تعود في جذورها إلى أربعينيات القرن الماضي، وهي امتداد طبيعي لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين.

فقبل الإعلان عن الحركة، استخدم الإخوان المسلمون أسماءً أخرى للتعبير عن مواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية منها: “المرابطون على أرض الإسراء” و”حركة الكفاح الإسلامي” وغيرها.

ورثت “حماس” تنظيماً كاملاً كان قد تبلور خلال سنوات طويلة تحت لافتة الإخوان المسلمين في قطاع غزة والضفة الغربية، وإن لم تكن اللافتة مُعلنة بالكامل لتجنّب إثارة الاحتلال.

وكان الشهيد الشيخ أحمد ياسين قد بدأ المسيرة مُبكرا، ومعه بعض الأسماء البارزة التي لعبت دوراً لاحقاً في صعود حركة “حماس” وتألقها.

في مطلع الثمانينيات، ومع الإرهاصات الداخلية في إطار ومؤسسات الحركة الإخوانية في قطاع غزة، اقتنع الشيخ أحمد ياسين أنّ شجرة المقاومة الإسلامية قد نضجت وأينعت، وآن الآوان لانطلاقتها نحو برنامج مقاومة الاحتلال، فكانت نُواة التنظيم المُسلّح عام 1982 كما تُجمع العديد من المصادر المحايدة.

النشأة

وبالفعل، تمّ وضع الخطوط العريضة لنشأة حركة “حماس” وتجسيد ما يطمح إليه مشروع العمل الإسلامي الجهادي. وما لبثت نُواة المجموعات الأولى أن وقعت في قبضة الاحتلال، وصولاً إلى اعتقال الشيخ أحمد ياسين والحكم عليه بالسجن 13 عاما، قبل أن يخرج بعد ذلك بثلاث سنوات في عملية تبادل الأسرى التي تمّت بين العدو الصهيوني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة عام 1985.

“حماس” لم تنشأ من فراغ، وإنّما نشأت ومنذ اللحظة الأولى برصيد شعبي عالٍ لم تشهده الحركات الأخرى في البدايات، ولم تبدأ من الصفر، فكانت “حماس” إمتداداً لرصيد غني من المدّ الشعبي الإسلامي الفلسطيني، وتجديداً لروح المقاومة في فلسطين، منذ الإنتداب البريطاني، وليس إنتهاءً بالانتفاضة الأولى والثانية.

وبعد الإفراج عن الشيخ ياسين، نشأ تطور لدى الحركة الإسلامية دفعها إلى الإحتكاك بالاحتلال. فأصبح للحركة الإسلامية حضور مميّز بين طلاب الجامعة، وتحديداً في الجامعة الإسلامية بغزة التي أنشأت أجيالاً تابعة للحركة، وفي جامعة بيرزيت التي تنوّعت داخلها التيارات، فضمّت “فتح” والجبهة الشعبية وتيارات إسلامية، وكذلك الأمر في جامعة النجاح بنابلس. في ما تصاعدت الحالة الوطنية في الداخل، وعزّزت المناخات المُسيطرة آنذاك ضرورة المسارعة في تحريك الوضع في الداخل، فاتُّخذ قرار الإنخراط في مواجهات شعبية مع الاحتلال، وانطلقت هذه المواجهات من الجامعات الفلسطينية.

الإنطلاقة العملية

وكان حادث الاعتداء الذي نفّذه سائق شاحنة صهيوني في 6 كانون الأول/ديسمبر1987، ضد سيارة صغيرة يستقلها عمال عرب، وأدى إلى استشهاد 4 من أبناء مخيّم جباليا للاجئين الفلسطينيين، بمثابة إعلان بدخول مرحلة جديدة، فعقدت النُّواة المؤسِّسة لـ”حماس” اجتماعها التاريخي الأول في 8/12/1987 في غزة الذي ضمّ كل من: الشيخ الصيدلي إبراهيم اليازوري، عبد الفتاح دخان، محمد شمعة، أحمد بحر، صلاح شحادة، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. وكان عبد الفتاح دخان الرجل الثاني بعد الشيخ أحمد ياسين في موقعه من بين المجتمعين والمؤسسين لـ”حماس”. وساهم آخرون من الضفة الغربية كالشيخ جميل حمامي، حسن يوسف، فضل صالح، حسين أبو كويك والداعية بسّام جرّار في الحركة.

وصدر البيان الأول عن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يوم 15 كانون الأول/ديسمبر1987. ليؤكد أنّ “حماس” باتت تُمثّل التيار الرئيس لحركة الإسلام السياسي المقاوم في فلسطين.

ومع تطوّر أساليب المقاومة لدى الحركة، التي شملت أسر الجنود الصهاينة في شتاء عام 1989 وابتكار حرب السكاكين والزجاجات الحارقة من قنابل “المولوتوف” ضد جنود الإحتلال عام 1990 جرت حملة اعتقالات كبيرة ضد الحركة في كانون الأول/ديسمبر 1990، وقامت سلطات الاحتلال بإبعاد 4 من رموز الحركة وقيادييها، واعتبرت أنّ مجرد الإنتساب إلى الحركة جناية يُقاضى فاعلها بأحكام عالية.

خلاصة القول، إنّ حركة حماس لم تنشأ من فراغ، وإنّما نشأت ومنذ اللحظة الأولى برصيد شعبي عالٍ لم تشهده الحركات الأخرى في البدايات، ولم تبدأ من الصفر، فكانت “حماس” إمتداداً لرصيد غني من المدّ الشعبي الإسلامي الفلسطيني، وتجديداً لروح المقاومة في فلسطين، منذ الإنتداب البريطاني، وليس إنتهاءً بالانتفاضة الأولى والثانية.

إتفاق القاهرة

بدأت “حماس” في بداياتها تتجنّب الدخول في متاهات العمل السياسي مع معارضتها ومناهضتها لـ”إتفاقية أوسلو” واشتقاقاتها، فأبدت مقاطعتها للإنتخابات البرلمانية الأولى للمجلس التشريعي الفلسطيني التي جرت عام 1996 بعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية بعامين تقريبا، وبرّرت مقاطعتها آنذاك للإنتخابات بقولها: “إنّ “اتفاق أوسلو” وكل ما سيتمخّض عنه هو بمثابة العبث السياسي الذي لا يُحقّق طموح الشعب الفلسطيني في إقامة دولته واستعادة حقوقه، ولا يتناسب مع ما قدّم من تضحيات على مدى 100 عام”.

وبعد مرور 10 سنوات، وجدت “حماس” نفسها أمام خيارين: إما الإستمرار في البقاء خارج السلطة وعدم المشاركة في أيّ من مؤسساتها، ومقاطعة الإنتخابات التشريعية القادمة التي كانت مقررة عام 2006، كما فعلت من قبل في انتخابات 1996، وإما العدول عن هذا الخيار والدخول في معترك العملية السياسية.

وأخذت طريق القول بأنّ “إتفاق أوسلو” أصبح من الماضي، واستدلّت على ذلك بما فعلته “إنتفاضة الأقصى” التي اندلعت عام 2000 من تراكمات سياسية وتغييرات ميدانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنخراط العديد من الأذرع المسلحة لبعض الفصائل الفلسطينية بما فيها “كتائب شهداء الأقصى” الجناح المُسلح لـ”فتح” الفصيل الأساسي في منظمة التحرير، التي أبرمت “إتفاق أوسلو”. والتأسيس للمشاركة في العملية الإنتخابية وما قد يستتبعها في حالة الفوز من تشكيل حكومة وفقاً لعقد جديد بعيد عن “أوسلو”، جرى إبرامه وحمل إسم “إتفاق القاهرة”.

إنّ هذا التمهيد في الإشتقاقات السياسية لـ”حماس” في المواقف وفي لغة الخطاب كان ضرورياً لها قبل إعلانها عن المشاركة في انتخابات 2006، وقد فسّرها البعض بالمُرونة والبراغماتية السياسية والعقلانية والواقعية المطلوب التحلّي بها قُبيل وأثناء الخوض في غمار السياسة ودهاليزها. في حين فسّرها بعض المتحاملين على “حماس” وبعض خصومها السياسيين بأنّها إنتهازية وتغيير في ثوابتها الفكرية، لكنّ أياً كانت زاوية الرؤية فقد اشتركت “حماس” في الإنتخابات وفازت بأغلبية كبيرة.


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,