إزدواجية المعايير الأمريكية والإمتحان الصعب مع حكومة الاحتلال الفاشية

التصنيفات : |
يناير 24, 2023 8:20 ص

*أحمد الطناني – غزة:

في الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي رسمي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ تنصيب الحكومة اليمينية في الكيان الصهيوني، عقد مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” سلسلة من اللقاءات مع قادة ووزراء الاحتلال، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”.

زيارة “سوليفان” حملت أهدافاً مُعلنة تلخصت في الحرب في أوكرانيا، والشراكة الدفاعية المتنامية بين روسيا وإيران وتداعياتها على الأمن في منطقة الشرق الأوسط، والبرنامج النووي الإيراني، وسبل توسيع اتفاقيات التطبيع وبشكل خاص فرصة التطبيع مع المملكة العربية السعودية، إضافة لـ”التوترات على الأرض” بين الفلسطينيين والاحتلال بما يشمل خطوات التأجيج “الأحادية” بحسب التعبير الأمريكي الذي استخدمه مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في بيانه حول الزيارة.

التقى “سوليفان” أيضاً برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي حمّله مناشدات السلطة الفلسطينية للرئيس الأمريكي بمنع حكومة الاحتلال من المضي قدماً في الإجراءات التصعيدية بحقّ الفلسطينيين.

“نتنياهو” والعلاقة المتوترة مع الإدارات الديمقراطية

لا يجمع رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” علاقة إيجابية مع الديمقراطيين الأمريكيين، وهي علاقة وصلت ذروتها في الخلاف أبّان حكم الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” حيث كان التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية العنوان الأكثر تفجّراً في العلاقة في حينه.

ومنذ تولّيه الرئاسة، لم يكن الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” مندفعاً جداً في التواصل مع “نتيناهو” في حكومته السابقة، ومتثاقلاً أيضاً في تهنئته على فوزه بالانتخابات الأخيرة، بالرغم من موقف “بايدن” الداعم بلا حدود للكيان الصهيوني.

“نتنياهو” من جانبه أيضاً كان يتمنى أن يكتمل فوز ائتلافه بانتخابات الكنيست، بفوز آخر ساحق للجمهوريين في الولايات المتحدة في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، مما سيعطيه هامش أوسع للمناورة وتطبيق برامجه العدائية بدون كوابح أمريكية وبعمق داعم داخل مجلس الكونغرس الأمريكي.

صحيح أنّ إدارة “بايدن” متمسكة بدعمها المُطلق للكيان، إلا أنّ الحسابات ليست مفتوحة، فداخل الحزب الديمقراطي هناك صوت واضح ومسموع للتيار التقدمي الذي يشكّل موقفاً متقدماً في الانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني

صحيح أنّ إدارة “بايدن” متمسكة بدعمها المُطلق للكيان، إلا أنّ الحسابات ليست مفتوحة، فداخل الحزب الديمقراطي هناك صوت واضح ومسموع للتيار التقدمي الذي يشكّل موقفاً متقدماً في الانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض الإجراءات العدائية الصهيونية، ويدعو لتغيير نوعي في السياسة الأمريكية المنحازة للاحتلال.

من جانب آخر، فإدارة بايدن التي همّشت الشرق الأوسط وقضاياه من أولوياتها، لم تتراجع عن دعم “حل الدولتين” على الأقل شعاراتيا، وإن لم تأخذ أي خطوات لدعمه فعليا، فإنّها أيضاً تعارض أي خطوات صارخة تقوّضه، وتحاول الحفاظ على الهدوء وتجنُّب أي انفجارات هي في غنىً عنها في ملفات المنطقة، وفي مقدمة هذه الملفات يقع الملف الفلسطيني.

تجنُّب الصدام

يسعى كل من إدارة البيت الأبيض التي تتمسك بالتحالف التاريخي للولايات المتحدة مع كيان الاحتلال، والاحتلال الذي يشكّل هذا التحالف له أهم شرايين الحياة، إلى تجنُّب الصدام والاختلاف، وبالتالي تهدف هذه الزيارة في جوهرها إلى البحث عن المساحات المشتركة، وتلافي عناوين المواجهة، في إطار تثبيت شكل العلاقة.

لا ترى إدارة البيت الأبيض في الحكومة اليمينية خياراً مفضّلا، لكنّها غير مستعدة للمواجهة معها، وبالتالي تبحث عن “تجميد” أو الوصول لصيغ معقولة للتعامل مع القضايا الخلافية بخصوص الإجراءات التي تنوي هذه الحكومة تطبيقها

لا ترى إدارة البيت الأبيض في الحكومة اليمينية خياراً مفضّلا، لكنّها غير مستعدة للمواجهة معها، وبالتالي تبحث عن “تجميد” أو الوصول لصيغ معقولة للتعامل مع القضايا الخلافية بخصوص الإجراءات التي تنوي هذه الحكومة تطبيقها، سواءً على صعيد الاعتداءات على الأرض والحقّ والشعب الفلسطيني، أو على صعيد التغييرات الداخلية في الكيان.

تريد الإدارة الأمريكية الحفاظ على الحد الأدنى من القيم الليبرالية والديمقراطية في الكيان، وبالتالي فإنّ التغييرات التي تنوي حكومة “نتنياهو” إدخالها على النظام القضائي وتغوّل السلطة التنفيذية على السلطات القضائية، وتعزيز نفوذ جماعات الصهيونية الدينية في المجتمع، تشكّل مادة إضافية لتصاعد الصوت الناقد من بعض مشرّعي الحزب الديمقراطي الأمريكي للسلوك الإسرائيلي وسياسات حكومته.

يُضاف لهذه المخاوف، التعهدات التي يضمنها الاتفاق الحكومي في إطار التوسع الاستيطاني وفرض السيادة الاحتلالية على مناطق جديدة من الأراضي الفلسطينية، ومنح المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” المسؤولية على الإدارة المدنية، وخطوات تقويض السلطة الفلسطينية والإجراءات العقابية بحقّها.

كل هذه العناوين هي مخاوف وضعتها الإدارة الأمريكية على طاولة البحث والتساؤل للوصول لأجوبة عليها، بغرض الوصول لصيغ تمنع الصدام بين الحليفين المهمين.

شكّلت خطوة تفكيك البؤرة الإستيطانية العشوائية قرب نابلس، بادرة حسن نية يقدمها “نتنياهو” لضيفه الأمريكي، ليؤكد فيها حرصه على تجنُّب الصدام مع المطالب الأمريكية

من جانبه، لم يكن رئيس وزراء الاحتلال “نتنياهو” أقل جدية في التعامل مع المخاوف الأمريكية، مع وعيه الكامل لأهمية العلاقة واستراتيجية حيويتها، وبالتالي سعى إلى تجنُّب الصدام معها، بل ومنحها تطمينات شملت إجراءات على الأرض سبقت وصول “سوليفان”، عبر تفكيك بؤرة استيطانية جديدة كانت قد أُقيمت على أراضي قرية جوريش جنوب شرق مدينة نابلس، بقرار من وزير الجيش “يؤآف جالانت” المقرّب من “نتنياهو”.

شكّلت خطوة تفكيك البؤرة الإستيطانية العشوائية قرب نابلس، بادرة حسن نية يقدمها “نتنياهو” لضيفه الأمريكي، ليؤكد فيها حرصه على تجنُّب الصدام مع المطالب الأمريكية، وحرصه على إنجاح الزيارة والوصول لصيغ تطمينية قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي ” أنتوني بلينكن” للأراضي المحتلة المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة.

الأولويات للطرفين

في واقع الأمر، لا يبحث “نتنياهو” عن خطب ود الإدارة الأمريكية فقط، بل يسعى لتوجيه جهدها لزيادة الضغط في الملف الإيراني، وتعزيز الجهود في إطار منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وزيادة وتيرة العقوبات عليها.

يستثمر “نتنياهو” الحاجة الأمريكية لزيادة الضغط على إيران بسبب تعاونها العسكري مع روسيا في الحرب بأوكرانيا، ويتلاقى مع الإدارة الأمريكية في تشخيص مخاطر هذا التعاون وأثره الاستراتيجي على موازين القوى، خصوصاً في تقدير الخدمات التي ستقدّمها روسيا لإيران مقابل تعاونها الإيجابي.

تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على التنسيق واستمرار التعاون مع الاحتلال في عدد من الملفات أهمها الملف الإيراني، وإيلائها أهمية في ضوء التحديات الكبرى التي تشكّل أولويات لها وفي مقدّمتها مواجهة الصين وروسيا وتصاعد التهديد لنظام القطب الواحد الذي تربّعت عليه لعقود منذ انهيار الاتحاد السوفياتي

إلى جانب الملف الإيراني، يحتاج “نتنياهو” للضغط الأمريكي في إطار دفع المزيد من الدول العربية للالتحاق بقطار التطبيع، خصوصاً المملكة العربية السعودية، التي تتطلع إلى علاقة سوية مع الإدارة الأمريكية الحالية ويمكن أن يشكّل ملف التطبيع مدخلاً لتسوية وترطيب هذه العلاقة التي بدأت متشنّجة مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض.

بالمقابل، تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على التنسيق واستمرار التعاون مع الاحتلال في عدد من الملفات أهمها الملف الإيراني، إضافة للحاجة الأمريكية لبقاء منطقة الشرق الأوسط مستقرة بلا انفجارات فهي غير مستعدة للالتفات لها وإيلائها أهمية في ضوء التحديات الكبرى التي تشكّل أولويات لها وفي مقدّمتها مواجهة الصين وروسيا وتصاعد التهديد لنظام القطب الواحد الذي تربّعت عليه لعقود منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

خلاصة

تتوقع الولايات المتحدة من الاحتلال الالتزام النسبي بمطالبها والانسجام مع احتياجاتها ومصالحها، والحفاظ على العلاقة بزخمها الإيجابي وتجنُّب المضي في خيارات الصدام بين حليفين استراتيجييْن، وتسهيل الوصول لصيغ تفاهم ما بين الحكومة الحالية وإدارة البيت الأبيض.

يتمسك كلا الحليفين بأهمية التحالف، ويعي كيان الاحتلال أنّ علاقته مع الولايات المُتحدة لا يجب أن تصل لمراحل الصدام، وبالتالي سيعمل “نتنياهو” جاهداً على الموازنة ما بين الحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي وتحقيقه برنامج حكومته الفاشي، وما بين الحاجة الأمريكية لاستقرار الوضع ومعارضة أي إجراءات “صارخة” قد تُحدث تغييراً جذرياً بالوضع على الأرض في الملف الفلسطيني خصوصاً.

سيعمل “نتيناهو” على إنضاج رؤية للعمل الأمريكي – “الإسرائيلي” المشترك يحملها معه في زيارته المستقبلية إلى واشنطن، تضمن الانسجام الأمريكي مع أولويات الكيان، وتحقّق للولايات المتحدة “الاستقرار الشكلي” الذي تسعى للحفاظ عليه في المنطقة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,