زيارة بلينكن..ضرب على طبل فارغ”

التصنيفات : |
فبراير 2, 2023 8:09 ص

*أحمد حسن

كالعادة، كررت السلطة الفلسطينية -على لسان رئيسها- مطالبها، فكررت الإدارة الأمريكية -وهذه المرة على لسان بلينكن- تأييدها الكلامي لبعضها، على تواضعها أصلا، ورفضها الفعلي لأصلها وفصلها بالمطلق، مكررة أيضاً الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل” وبقائها وديمومتها وحمايتها حتى من نفسها وبعض ساستها المتطرفين.

وتلك هي القصة المعتادة، أي أولوية حماية “إسرائيل” ولو من نفسها، وذلك هو سبب الزيارة الرئيس، فقبل بلينكن حطّ كل من مدير المخابرات المركزية، ومستشار الأمن القومي، للسبب عينه، حماية “إسرائيل”، وتحت العنوان المخادع ذاته: “السعي للتهدئة في فلسطين المحتلة”.

بهذا الإطار نفهم خلفيات ما يجري، فالإدارة الأمريكية المشغولة اليوم بقضايا وجودية لإمبراطورية كبرى تمتد مشاغلها، ومصاعبها، من موسكو إلى بكين، تريد تهدئة “الملف الفلسطيني” لحماية ربيبتها المفضّلة، وإن كان هذه المرة من حكومة متطرفة رعناء، وتريد في الآن ذاته إشراك الجميع في الحماية، سواء فريق “اتفاقيات أبراهام” العربي الذي سارع للقيام بدوره حين وضع “إسرائيل” في خانة “الضحية التي اعتُدي على مدنيّيها”، أو السلطة الفلسطينية التي لا يحمل لها بلينكن بالمقابل سوى بعض الوعود المالية مقابل إعادة التنسيق الأمني مع الكيان، سواء لأهمية ذلك في وأد حركات المقاومة، وأفرادها، في مهدها، أو لإيهام العالم أنّ الشعب المحتل، و”سلطته”، راضون عن الاحتلال.

هنا تنفضح الأمور كلها فيصبح اشتراط عباس على بلينكن تراجع “إسرائيل” عن ممارساتها الأحادية الجانب قبل عودة التنسيق الأمني مهيناً من جانبين: الأولى، أنّ التنسيق الأمني بحد ذاته وصمة عار على جبين سلطة مسؤولة عن شعب تحت الاحتلال، والثانية، أنّه، وعلى كل حال، الورقة الوحيدة التي بقيت في يد السلطة بعد أن رمت كل أوراقها على مذبح وهم “دولة أوسلو”.

في كل مرة كان التأييد الأمريكي لـ”إسرائيل” يقودها إلى مزيد من التصعيد ضد الفلسطينيين

وهنا أيضاً يصبح تأكيد بلينكن أنّ “الولايات المتحدة تعارض أي إجراء من أي جانب من شأنه أن يعقّد تحقيق حل الدولتين، بما في ذلك التوسع الاستيطاني، وعمليات الهدم والطرد من المنازل، وزعزعة الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة”، أمر في السياق ذاته، فهو لا يقوله من أجل فلسطين وقضيتها -تجاهل مجزرة جنين بالكامل- بل لحماية “إسرائيل” من تبعات ذلك في لحظة دولية وداخلية حرجة، وكان بالتالي، وكالعادة، يتحرك في المربع الإسرائيلي ذاته.

بيد أنّ كل خطوات بلينكن وجهوده تبدو كـ”الضرب على طبل فارغ”، ففي كل مرة كان التأييد الأمريكي لـ”إسرائيل” يقودها إلى مزيد من التصعيد ضد الفلسطينيين، فكيف الآن في ظل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً وعنصرية وفاشية في تاريخ الكيان، والتي بدأت سريعاً في تنفيذ مخططها الحقيقي عبر إجراءات عدة: أولها، الاستمرار في ارتكاب المجازر بحقّ الفلسطينيين، وثانيها، توسيع الاستيطان، وثالثها، التعجيل في منح تراخيص حمل السلاح للإسرائيليين، ورابعها، قرار الكنيست وبأغلبية ساحقة، سحب الإقامة من أسرى يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، في حال تلقيهم راتباً من السلطة الفلسطينية وتهجيرهم إلى الخارج.

بلينكن جاء لإنقاذ “إسرائيل” من نفسها، ورمى، في سبيل ذلك، بعض الفتات للسلطة

بيد أنّ الأمر في خطأ، بل خطيئة، الحسابات الأمريكية لا يقتصر على ما سبق، كما لا يقتصر على إهمالها واقع المحتل الإسرائيلي المجتمعي، حيث وصل الانقسام والكراهية بين مكوناته إلى ذروته، لأنّها أيضاً تسقط من حساباتها شعباً يتوق للحرية ومستعداً لبذل الغالي والنفيس في سبيلها، فبينما كان بلينكن يحاول استمالة عباس وسلطته، كانت الحركة الأسيرة تغلي على وقع الاعتداء الكبير الذي نفّذته قوات القمع الإسرائيلية ضد الأسيرات في سجن الدامون، واللواتي أَحرقن بدورهنّ غرفهنّ ردّاً على ذلك الاعتداء، في ما كانت الفصائل المقاوِمة تعلن أنّ “المعركة لن تبقى داخل المعتقَلات”.

محصلة القول، بلينكن جاء لإنقاذ “إسرائيل” من نفسها، ورمى، في سبيل ذلك، بعض الفتات للسلطة، لكن ما تجاهله أنّ ديناميات الشارع المقاوم لا ترتبط بالحسابات والتحركات السياسية، وذلك ما قالته عملية القدس الأخيرة، وستقوله العمليات القادمة حكماً خاصة بعد اكتشاف الفلسطينيين أنّهم، كأفراد أيضا، يمكن لهم تغيير المعادلة، وأنّ السيف أصدق إنباءً من الوعود المبتذلة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,