زلزال المنطقة و”مؤتمر القدس

التصنيفات : |
فبراير 15, 2023 8:14 ص

*أحمد حسن

ليس هناك أكثر من الفلسطينيين من يشعر بالوجع السوري، فالطرفان شركاء فيه منذ النكبة الأولى وحتى الزلزال الأخير، لذلك لم يكن هناك أبلغ من تلك السيدة الفلسطينية التي تبرعت بمصاغها الذي كانت تحتفظ به لبناتها لأنّ “المصابين في سوريا أحقّ” كما قالت.

وبالتأكيد ليس هناك عدواً أكثر كرهاً لهما من الصهيونية المتطرفة التي قال أحد حاخاماتها العنصريّون، شموئيل إلياهو، وهو عضو مجلس الحاخامية الكبرى في “إسرائيل”: “إنّ الهزّة الأرضية عدلاً إلهياً لكلّ شعبٍ يُحاول المسّ باليهود”.

والأمر، فإنّ هذا الرجل العنصري كاذب بامتياز، لأنّ أحداً في سوريا وفلسطين لا يكره اليهود كيهود بل يعادي الصهيونية التي تستخدم اليهود، وما وقع بهم من جرائم على أيدي الأوروبيين، في مشروعها العنصري الاحتلالي الإلغائي لشعب كامل.

لزوم ما لا يلزم

وبالطبع لن نخوض في جدال مع هذا العنصري الذي وصف الفلسطينيين بالوحوش وأكّد، في العام 2016 أنّ قتلهم والانتقام منهم هو “فريضة دينيّة تدعو إليها التوراة”، واعترف أنّ اليهود وفي جميع صلواتهم يؤكّدون دعواتهم ضد الآخرين، فذلك أمر ليس مستغرباً منه ومن أمثاله، لكنّ اللافت أنّه وأمام هذه العنصرية المستشرية في الكيان الإسرائيلي والتي لا يبدو الرجل سوى أحد تجلياتها البسيطة قياساً بمجتمع كامل أنتج حكومة متطرفة كحكومة “نتنياهو” الجديدة، أن يوازن المشاركون في “مؤتمر القدس”، الذي اختتم أعماله يوم الأحد الماضي وعُقد برعاية الجامعة العربية وحضور ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيسين المصري والفلسطيني، بين الضحية والقاتل، وهي موازنة لم يستطع عنوان المؤتمر وبيانه الختامي ببنوده الـ”19” أن يخفيها رغم كل المحسنات اللغوية التي استُخدمت فيه، ليبدوَ هذا المؤتمر مجرد لزوم ما لا يلزم، ومحاولة جديدة من المشاركين فيه للقول إنّنا فعلنا ما علينا، خاصة وأنّ كل ما ورد فيه ليس إلا نسخة مكررة عن مؤتمرات ومطالب سابقة لم يتعدّ الاهتمام بها أو مفعولها زمن ومكان إصدارها، وبالتالي لم تكن في حقيقتها إلا حقنة مخدّرة لمقاومة الشعب الذي يعرف بالتجربة أنّ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأنّ الاستعمار لم يخرج يوماً نتيجة مطالبات دبلوماسية أو نداءات إنسانية.

لم يُعقد هذا المؤتمر إلا في سياق خطوات حثيثة متلاحقة بدأتها إدارة “بايدن” لحماية “إسرائيل” من نفسها وحماية أصدقائها من رعونة حكومتها اليمنية العنصرية الحالية، لأنّ هؤلاء “الأصدقاء” يعرفون، كل بطريقته، أنّ مصيرهم مرتبط، وجوداً وعدمه، بمصير “إسرائيل” النهائي.

بيد أنّ ما سبق لا يعني غض النظر عن الأجندات المتضاربة للمشاركين بهذا المؤتمر، ففي ما يسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي حذّر “إسرائيل” من تجاوز الخطوط الحمر دون أن يوضح ما هي عقبات ذلك، إلى الاستمرار في “نضاله” الدبلوماسي كخيار أوحد، يركّز ملك الأردن على الاحتفاظ بـ”حقّه” الهاشمي في الإشراف على الأماكن المقدّسة، ليس خشية من مزاحمة “إسرائيل” له، بل، وهذا أولا، خشية من الطامعين في “المكانة الدينية” من بعض الأسر “الشريفة” المالكة الأخرى في المنطقة، في ما لا يعني الرئيس المصري سوى الاستمرار بدور الوسيط الذي يؤمّن له بعض المزايا المادية والمعنوية من جهة أولى، ويظهره، من جهة ثانية، أمام المعنيين في واشنطن كحامٍ لموجة التطبيع العربية مع “تل أبيب”، لذلك لم يخرج خطابه في المؤتمر عن مطالبة “”إسرائيل” حكومة وشعباً بـتكريس ثقافة السلام والتعايش، بل والاندماج بين شعوب المنطقة”!، دون أن يفصح عن أي شعوب يتحدث، ومن هو المسؤول الرئيس عن وضع “الشرق الأوسط بأكمله أمام خيارات صعبة وخطيرة”.

بالمحصلة، لم يُعقد هذا المؤتمر إلا في سياق خطوات حثيثة متلاحقة بدأتها إدارة “بايدن” لحماية “إسرائيل” من نفسها وحماية أصدقائها من رعونة حكومتها اليمنية العنصرية الحالية، لأنّ هؤلاء “الأصدقاء” يعرفون، كل بطريقته، أنّ مصيرهم مرتبط، وجوداً وعدمه، بمصير “إسرائيل” النهائي.

بيد أنّ الحقائق على الأرض تبدو مختلفة عما قيل في قاعات “المؤتمر”، فـ”إسرائيل” ذاتها لم تعِر أذناً لنداءات “الأصدقاء” وتحذيراتهم، فتجاوزت كل الخطّوط الحمراء في كل مكان على الأرض الفلسطينية وآخرها في غزة الجريحة، ولم ولن تباليَ بمصائب شعوب المنطقة إلا إذا ساعدتها في “كسب معركة العلاقات العامة من خلال مهمة الإنقاذ الوهمية في تركيا” كما قال موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، وهذا أيضاً دور إشاعاتها الدنيئة عن طلب سوري للمساعدة، في ما كان المقدسيون، وهم من أُقيم المؤتمر باسمهم، يتجمعون في ساحات بلدتهم لمساعدة المتضررين من الزلزال في سوريا، وكانت أرض فلسطين تنجب في اللحظة ذاتها “كتيبة أريحا”، ليؤكدوا مرة أخرى، المقدسيون وأريحا، أنّهم ليسوا كبعض “القادة” فهم لم ولن يضيّعوا البوصلة يوماً ما، وليقول التاريخ إنّ “مؤتمر القدس” كان أحد ضحايا زلزال سوريا أيضاً

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,