“إسرائيل”.. حرب أهلية أم مزيد من الفوضى والعنصرية؟

التصنيفات : |
مارس 4, 2023 9:44 ص

*سنان حسن

“قد تصل “إسرائيل” إلى حرب أهلية في غضون أسابيع”.. والحكومة الحالية “ليست حكومة يمين كاملة بل حكومة إرهاب كاملة”.. هذا ما اعترف به رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، ولم يقُله محلل سياسي عربي ولا غربي.. ما يعني أنّ خطر التدمير الذاتي لكيان الاحتلال يمضي مسرعاً في ظل حالة الانقسام العامودي الكبير الذي يشهده الكيان على خلفية مشروع الإصلاح القضائي الذي طرحه وزير العدل ياريف ليفين ويدعمه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وائتلافه الصهيوني النازي منذ وصولهم إلى الحكم، فهل تستمر حكومة نتنياهو في تنفيذ مخططها الانقلابي من بوابة الإصلاح القضائي، وتصل “إسرائيل” إلى الحرب الأهلية كما توقّع ديسكين؟، أم ستنهار حكومة نتنياهو التي لم يمضِ سوى شهرين على وجودها في السلطة، والتي يبدو أنّ بوادرها بدأت تلوح في الأفق بعد استقالة آفي معوز، رئيس حزب نوعام من الائتلاف الحكومي؟، وكيف ستتعامل واشنطن مع خسارة أهم قاعدة متقدّمة لها في المنطقة، وهل ستسمح بانهيارها في سبيل وصول “بيبي” وفريقه الصهيوني إلى أهدافهم؟.

الصهيونية الدرع الواقي لنتنياهو

لم يكن مستهجناً أن نرى الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي، فمنذ ما يسمّى إعلان الدولة عام الـ1948 والتمييز والتقسيم موجودان ضمن المجتمع الصهيوني، تارة بين اليهود والعرب، وتارة أخرى بين يهود شرقيين وغربيين، أو السفارديم  والأشكناز والفلاشا والمزراحيين، واليوم بين اليهود العلمانيين والحريديم، وبالتالي ما يحصل من صدامات في الشارع لا يُعدّ حدثاً طارئاً كما يحاول بعضهم تسويقه، بل هو حالة طبيعة جداً لسياسة التمييز التي انتهجها متزعمو الاحتلال على مدى خمسة وسبعين عاماً من وجودهم على أرض فلسطين المحتلة، وبالتالي فإنّ محاولات الصهيونية الجديدة بقيادة مجموعات المستوطنين الحريديم هي جولة من جولات النزاع بين المجموعات الصهيونية لتسيّد المشهد والسيطرة على كل مقاليد الحكم، ولا سيما أنّ الصهيونية الإسرائيلية التي يمثّلها اليوم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وآفي معوز ترى أنّ الفرصة لن تتكرّر بعد اليوم لقيام الدولة اليهودية المزعومة، وعليه لن تفرّط هذه المجموعة بهذه اللحظة التي ساهمت في وصولهم إلى سدّة الحكم، وهم كانوا واضحين جداً في أنّ أي قرار من المحكمة العليا لعزل أو سجن نتنياهو سيُعدّ انقلاباً وستتمّ مواجهته بكل قوة ممكنة، وقد رأينا رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، يتهم ما سمّاها “ميليشيات سموتريتش” بالشروع في حرق بلدة حوارة لنسف “قمة العقبة” الأمنية، التي خُصّصت لوقف التصعيد، كما أنّ بن غفير كان أكثر وضوحاً عندما أكّد أنّ خطته هي البقاء فترة قصيرة في الحكومة قد تصل إلى ثمانية أشهر يستطيع من خلالها فرض القوانين التي تضمن له ولحلفائه السلطة في أي انتخابات قادمة. أما نتنياهو الذي يريد تدمير الدولة كعقاب على محاكمته الجنائية، فقد دفعه خروج المتظاهرين في شوارع “تل أبيب” وغيرها من المستوطنات الإسرائيلية إلى الخروج عن المألوف في التعامل مع خصومه السياسيين حيث اتهمهم بتلقّي أموال من الخارج لإثارة الفوضى في “إسرائيل”، بالقول: “هناك قلة من المتظاهرين يتمّ تمويلهم من جهات معينة، وهذا يؤثر علينا جميعا، والمعارضة تتصرف بانعدام مسؤولية وتحرّض على التظاهرات”.

إنّ الأطراف جميعها متمترسة خلف لاءاتها وترفض الجلوس إلى طاولة الحوار التي كان آخرها إسقاط مبادرة رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ لإيجاد حل، فهل يكون الحل بإسقاط الحكومة؟

ما يجري طبعاً لا يُعفي المعارضة الإسرائيلية بقيادة “لابيد وغانتس” من مسؤولياتهما، وترى الأوساط السياسية أنّها تريد استغلال ما يجري لتحقيق مكاسب جديدة تُعيدها إلى السلطة مرة أخرى من بوابة الانتخابات العامة التي ستكون السادسة في ظرف خمس سنوات، وهذا ما أشار إليه الكاتب أفرايم غانور في مقال بصحيفة “معاريف” بتاريخ 1/3/2023 تحت عنوان: “كتلة مشتركة لإنقاذ الدولة” عندما دعا لابيد وغانتس إلى تنحية أحقادهما جانباً والتفكير بالدولة وإنقاذها، قائلا: “لابيد وغانتس ملزمان بأن يضعا الأنا ورواسب الماضي جانبا، ويوحّدا القوى ويشكّلا كتلة مشتركة لإنقاذ الدولة. كتلة تخلق هنا واقعاً جديداً من الوحدة بالذات من مقاعد المعارضة تبادر أولاً وقبل كل شيء إلى حوار وتعمل على أن تعرض على الشعب والرئيس إصلاحاً قضائياً جديراً يكون مقبولاً من أغلبية الشعب”. ولكن يبدو أنّ الأطراف جميعها متمترسة خلف لاءاتها وترفض الجلوس إلى طاولة الحوار التي كان آخرها إسقاط مبادرة رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ لإيجاد حل، فهل يكون الحل بإسقاط الحكومة؟.

أعطت استقالة آفي معوز، رئيس حزب نوعام من الائتلاف الحكومي -وهو من الصقور المتطرّفين- بارقة أمل بأنّ ائتلاف نتيناهو في طريقه إلى الانهيار بعد شهرين فقط من وصوله إلى السلطة، فالاحتجاجات الشعبية المتواصلة استطاعت حتى الآن ضرب القاعدة الشعبية للأحزاب المشاركة في الائتلاف، حيث بدأ الشك يتغلغل إلى صفوف جمهورها حول الغايات والأهداف التي يرمي إليها متزعمو أحزابها، هل بالفعل تحقيق مصالحهم وإحقاق حقوقهم المسلوبة كما روّج المتزعمون، أم الانتقام من قيادات الطبقة السياسية الذين كانوا لفترات طويلة مهيمنين على المشهد السياسي الإسرائيلي، وهذا ما ذهب إليه ألوف بن في صحيفة “هآرتس” في مقال بتاريخ 1/3/2023 تحت عنوان: “استقالة معوز هي اللبنة الأولى التي سقطت في ائتلاف أحلام نتنياهو” ، “إن استقالة معوز، إذا دخلت وبحقّ إلى حيّز التنفيذ، ستثير أملاً أكبر بكثير. ها هي اللبنة الأولى الأكثر تطرّفا، تسقط في ائتلاف الأحلام اليميني لنتنياهو. وهي تسقط بالضبط عندما تمّ كشف نتنياهو في حالة ضعفه كزعيم معزول في المجتمع الدولي يقف بعجز أمام موجة احتجاج ضد خطته لتحويل “إسرائيل” إلى ديكتاتورية”.

وفي مقال في “هآرتس” بتاريخ 1/3/2023 للكاتب رفيت هيخت تحت عنوان: “وضع كتلة نتنياهو متهالك جداً وفي الائتلاف نفسه بدأوا يراهنون متى ستسقط الحكومة”، قال: “ينوجد نتنياهو في أحد الأوضاع الأصعب التي كان فيها رئيس حكومة إسرائيلية. ومن غير الواضح من أين سيأتي الحل لجميع الجبهات المفتوحة”.

إنّ الأحزاب المشكّلة للائتلاف الحكومي إذا وجدت أنّ بقاءهم في الحكومة سيضعف موقعهم، سيتركون نتنياهو وحيداً ويبدأون بالبحث عن خطة جديدة تحافظ على مكاسبهم السياسية

وعلى الرغم من هذه الاستقالة إلا أنّ الائتلاف الحكومي ما زال يملك أغلبية تمكّنه من  تمرير القوانين داخل الكنيست، ولكن هذه الاستقالة بدأت بدقّ إسفين في ائتلاف الصهيونية النازي، وهو إن لم يسقطه فإنّه زعزع الثقة لدى جمهوره حتى الآن، فالأحزاب المشكّلة له ترى أيضاً أنّ ضعف نتنياهو وعدم قدرته على المواجهة هما أيضاً خسارة لهم ولجمهورهم، وبالتالي إذا وجدوا أنّ بقاءهم في الحكومة سيضعف موقعهم سيتركون نتنياهو وحيداً ويبدأون بالبحث عن خطة جديدة تحافظ على مكاسبهم السياسية. ولكن ماذا عن أمريكا حليف “إسرائيل” الأول في العالم.. كيف تنظر إلى ما يجري من أحداث متلاحقة؟.

مصلحة واشنطن فوق كل اعتبار

لقد شكّلت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لاجتماع العقبة الأمني تأكيداً أنّ واشنطن تدرك حجم توجّسها من أفعال وتصرفات نتنياهو سواءً في الداخل الإسرائيلي أم مع الفلسطينيين، لذا دفعت وبقوة إلى عقد الاجتماع والخروج بقرارات تدفع نحو التهدئة، ولكنّ المعارضة الإسرائيلية من داخل الائتلاف الحكومي لهذا الاجتماع كانت واضحة جداً عندما قال بن غفير: “ما تمّ الاتفاق عليه في الأردن يبقى في الأردن”، وما قاله سموتريتش أيضاً في السياق نفسه: “أنا الحاكم بأمر الضفة ولن أسمح لأحد أن يتدخل بإيقاف الاستيطان أو منعه”.

إنّ الإدارة الأمريكية لن توافق على قبول وضع يقرّ فيه الإصلاح القضائي كما ينص عليه. والمعنى سيكون ضرراً جسيماً بحميمية العلاقات بين رئيس الوزراء والرئيس بايدن والمؤسسة الديمقراطية،

هذا التصعيد من المسؤولين الإسرائيليين تجاه واشنطن واجهته الأخيرة بالتأكيد أنّها لن تتعامل معهم في أيّ لقاء أو اجتماع وسيكونون على قائمتها السوداء، وقد بيّن معهد السياسة والاستراتيجي (IPS) في مقال بتاريخ 15/2/2023 تحت عنوان: “الفوضى الداخلية تشوّش على الأمن القومي؟” بقلم طاقم المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد حول كيف تتعامل واشنطن مع “تل أبيب” بالقول: “من المنشورات عن زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى “إسرائيل” يتبيّن أنّ الإدارة الأمريكية تطلب من “إسرائيل” إبداء لجم مهم في السلوك تجاه الفلسطينيين بهدف منع الاشتعال وترك فتحة ضيّقة على الأقل لمسيرة سياسية. إلى جانب ذلك، تُعرب الإدارة بشكل لا يقبل التأويل عن موقفها في أنّها تتوقّع من الحكومة الحفاظ على القيم الديمقراطية المشتركة للدولتين. من هنا يتبيّن أنّ الإدارة لن توافق على قبول وضع يقرّ فيه الإصلاح القضائي كما ينص عليه. والمعنى سيكون ضرراً جسيماً بحميمية العلاقات بين رئيس الوزراء والرئيس بايدن والمؤسسة الديمقراطية، فضلاً عن ذلك فحقيقة أنّ الإدارة امتنعت حتى الآن، بشكل استثنائي، عن أن تبعث إلى رئيس الوزراء دعوة علنية لزيارة الولايات المتحدة تعكس على ما يبدو الترقّب بتغيير جوهري في سياسة “إسرائيل” بالنسبة للفلسطينيين وعلى المستوى الداخلي”.

أمام كل ذلك يبدو أنّ وضع حكومة نتنياهو إلى مزيد من التعقيد، والكيان إلى مزيد من الاشتعال والفوضى، فهل تكون الأيام القادمة حبلى بمفاجآت كبيرة لم تكن في الحسبان؟ لننتظرْ ونر.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,