الحبّ الممنوع بين “إسرائيل” والصين

التصنيفات : |
مارس 29, 2023 8:22 ص

*سنان حسن

بعد ثلاثة عقود من تطبيع العلاقات بين الصين و”إسرائيل” وارتفاع مستوى التبادل التجاري بين الطرفين ووصوله إلى أرقام قياسية غير مسبوقة هدّدت عرش الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر شريك تجاري لـ”تل أبيب”، بدت العلاقات بين بكين و”تل أبيب” وكأنّها وصلت إلى طريق مسدود هذه المرة، ليس بسبب الضغط الأمريكي المباشر، وإنّما بسبب اقتراب “تل أبيب” من خطوط بكين الحمراء في تايوان ونسج علاقاتٍ مع قياداتها الانفصالية، فهل بدأت العلاقة بينهما تنحدر في منحى تنازلي لا يمكن إيقافه رغم كل الزخم الذي رافقه على مدى السنوات الماضية، وكيف ستتعامل “تل أبيب” مع الدور المستجدّ لبكين في المنطقة، ولا سيما بعد إنجازها مصالحة تاريخية بين السعودية وإيران؟، وهل ستستطيع أن تجد لها طريقاً من جديد إلى قلب التنين دون أن تزعج العم سام؟.

مصالح متبادلة وواشنطن منزعجة

مثّلت عقيدة بن غوريون الأمنية الحجر الأساس في تطوير “إسرائيل” علاقاتها مع دول العالم وبناء جسور معها لمواجهة المحيط العربي الرافض لوجودها، وعلى الرغم من أنّ التقارب الصيني – الإسرائيلي لم يحصل إلا في بداية عقد التسعينيات لكنّه تطوّر بسرعة كبيرة جداً وأدّى في نهاية المطاف إلى أن تصبح بكين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لـ”إسرائيل”، “أكبر شريك تجاري لـ”إسرائيل” في قارة آسيا، وثالث أكبر شريك تجاري في العالم”، حيث مثّلت قطاعات التكنولوجيا وتطوير البنى التحتية والتعاون العسكري الركيزة الأساس في هذا التطوّر، فكل طرف استفاد من الميزات المتوفرة لدى الآخر، فـ”تل أبيب” تسعى إلى أن تكون مركزاً عالمياً للتكنولوجيا الحديثة مستفيدة من التقنيات الصينية التي بالفعل استثمرت بشكل كبير جداً في هذا القطاع، ويكفي أن نعلم أنّه خلال العقدين الماضيين عقدت الصين و”إسرائيل” 507 صفقة إقتصادية، منها 492 في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، في المقابل استفادت بكين من التطوّر التقني الإسرائيلي في المجال العسكري ولا سيما في الطائرات المسيّرة والتجسّس، “مسيرات هارپي وطائرات الإنذار المبكر من طراز فالكون” مثال، كل ذلك أزعج واشنطن ودفعها إلى التدخّل مباشرة من خلال طلب وزير الخارجية حينها مايك بومبيو من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إيقاف التغلغل الصيني في مشاريع البنى التحتية، وخاصة المتعلق منها بمشاريع الـ(G5) التي اعتبرها تهديداً للأمن القومي الأمريكي. وبالفعل تجاوبت “إسرائيل” مع الضغوط الأمريكية ومنعت حصول شركة صينية على عقد لتحلية المياه وعقد آخر لتطوير ميناء حيفا على البحر المتوسط، ولكن هل كل ذلك مبرّر كافٍ لتوقف “إسرائيل” علاقتها مع الصين؟، بالتأكيد لا.

يمكن، بحكم العلاقة بين الطرفين، أن تحصل  طهران على أسرار “إسرائيل”

على طول العلاقة بين الطرفين كانت “إسرائيل” تتحايل على العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على بكين، حيث استطاعت بما يُسمّى “دبلوماسية السلاح” مدّ جسور التواصل معها لعقود قبل التطبيع الرسمي في بداية التسعينيات، ولكنّ الصدام الأمريكي – الصيني المباشر الذي وصل في العقد الأخير إلى كباش دائم أدّى إلى “قلقلة” في الموقف الإسرائيلي تجاه الصين، فمن جهة أولى لا تستطيع أن تغضب واشنطن، ومن جهة ثانية لا تستطيع أيضاً أن تجاريها في المسار نفسه، حيث تروّج أمريكا بأنّ الصين التي تربطها علاقات وطيدة مع إيران، عدوّة “إسرائيل” الأولى، والتي وقّعت معها اتفاق شراكة استراتيجي لمدة 25 عاماً تقوم في الوقت عينه بتطوير مشاريع الجيل الخامس في الكيان، ويمكن، بحكم العلاقة بين الطرفين، أن تحصل طهران على أسرار “إسرائيل” وهذا خرق أمني كبير لا يمكن السكوت عنه، ومن جهة ثالثة يرى القادة الإسرائيليون أنّ الصين بما تمتلكه من مقوّمات يمكن أن تكون لاعباً كبيراً في السياسة الدولية، وبالتالي لا يمكن التفريط بالعلاقة معها مهما كان الثمن.

كان لبكين مواقف داعمة على الدوام للقضية الفلسطينية سياسياً واقتصادياً

ومع ذلك، وصلت العلاقة الدبلوماسية بين الطرفين إلى منعطف خطير في أعقاب التقارب الإسرائيلي مع تايوان، الأمر الذي دفع القيادة الصينية إلى توجيه تحذير شديد اللهجة لـ”تل أبيب” من مغبّة دعم تايوان وتوطيد العلاقات معها، والأمر الثاني الذي كان له وقع في “إسرائيل” هو العلاقة الصينية مع قضايا المنطقة، وفي مقدّمتها فلسطين حيث كان لبكين مواقف داعمة على الدوام للقضية الفلسطينية سياسياً واقتصاديا، كان أبرزها في 2022 عندما حثّ “مندوب الصين بالأمم المتحدة قنج شوانج “إسرائيل” على وقف جميع الأنشطة الاستيطانية، والإيفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، دون أن ننسى طرحها مبادرة لحل القضية في عام 2017 تقوم على أساس حل الدولتين. وفي السياق أيضاً تقوم الصين بتقديم الدعم لسوريا في مجالات شتى ومنها الاتصالات وهذا أيضاً عامل إضافي للقلق.

خلاصة القول، إنّ علاقة “إسرائيل” هذه أشبه بحقل من الألغام، فبينما تسعى “تل أبيب” إلى استثمار الصعود الصيني المتسارع عالمياً وأن يكون لها الحظوة الكبيرة في القرار السياسي لبكين، لا يمكنها أن تتغافل عن الضغوط الأمريكية التي لا تنقطع لفك الشراكة مع بكين، هذا فضلاً عن اللعب الإسرائيلي بالنار من بوابة علاقتها مع تايوان، في المقابل تواصل الصين بدبلوماسية طريق الحرير فك شيفرات المنطقة الواحدة تلو الأخرى، من خلال علاقاتها المتميّزة مع دولها: السعودية وإيران وتركيا وسوريا، التي توّجتها بإنجاز اتفاق تاريخي بين الرياض وطهران دون أن يكون فيه للأمريكي أي نصيب، وهذا يعني أنّ “تل أبيب” تقف اليوم أمام خيار صعب، فأيّ طريق ستسلكه لاحقاً سيكون مردوده صعباً عليها، لكن اشتداد الصراع العالمي يفرض عليها أن تسارع في الخيار، وهنا المعضلة، فهل ستنجح في إنقاذ الحب الممنوع مع بكين، أم أنّها ستخضع لارتباطاتها وطبيعتها وعلاقاتها العضوية مع الغرب؟!.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,