السلطة” و”إسرائيل” في عالم متغيّر

التصنيفات : |
أبريل 7, 2023 7:15 ص

*أحمد حسن

العالم يتغيّر بتسارع مذهل، والمنطقة بأكملها تتغيّر على وقعه، فما كان صعباً أو شبه مستحيلاً قبل أشهر فقط أصبح أمراً واقعاً اليوم.

برتران بادي عالم السياسة الفرنسي يقول، وفقاً للكاتب وليد شرارة، “هناك تحوّل بنيوي في طبيعة العلاقات الدولية سِمته الأساسية الانتقال من التحالفات الثابتة إلى التقاطعات المتقلّبة”، وهذا التحوّل يرتبط، كما يضيف شرارة محقّاً بتراجع الهيمنة الأمريكية، وما يصاحبه من اتّساع لهامش المناورة لدى قسم كبير من دول الجنوب، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الدول الكبرى، روسيا مثلاً حدّثت سياستها الخارجية والتي تعكس “التطوّرات الثورية التي يعيشها العالم اليوم”، وحدّدت واشنطن بوصفها “أكبر تهديد يواجه العالم وتطوّر البشرية”، وبكلمة أخرى لا تراجع روسيا، وصينياً أيضا، عن هذه المواجهة الحاسمة.

إيران والسعودية اقتنصتا الفرصة، أو لنقل لعبتا اللعبة وتجاوزتا واشنطن وأبرمتا اتفاقاً بينهما برعاية صينية في لحظة توتر غير مسبوق بين واشنطن وبكين، وهذا أمر كان خارج المفكَّر به منذ أشهر قليلة فقط.

“أوبك” أيضا، وهي من هي في المنظومة الأمريكية لإدارة العالم، تتفلّت اليوم من قبضة واشنطن وتكاد أن تنقلب ضدها.

الكيان الصهيوني الذي يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة يبحث أيضا، وعلى صعوبة ذلك، عن تنويع خياراته التحالفية حتى وصل الأمر بمسؤول كبير مثل “بن غفير” مثلاً كي يقول: “إسرائيل ليست نجمة في العلم الأمريكي”، وهو الذي يعرف جيداً أنّ ما يحمي “إسرائيل” من الزوال هو كونها نجمة فعلية في هذا العلم.

“اتفاقات أبراهام” تترنح بصمت رغم كل المحاولات الحثيثة لإبقائها على قيد الفعل

“اتفاقات أبراهام” تترنح بصمت رغم كل المحاولات الحثيثة لإبقائها على قيد الفعل، أو على الأقل تصبح بنودها أقل مردوداً من الضجة التي أُثيرت حولها حين انعقادها في ما يبدو الطرف الخليجي الآخر والذي كان من المتوقع أن يرفع انضمامه علناً إليها من فوائدها وانعكاساتها قد اكتفى بحد الانضمام الصامت لا المعلن وتلك قراءة جديدة للمشهد الجديد.

أمام كل هذا لا بد للجميع من طرح سؤال ضروري عن سبب تمهل “السلطة” كي لا نقول “امتناعها” عن الإمساك بهذه اللحظة التاريخية والمبادرة، كغيرها، إلى خطوة وطنية كبرى تقرأ هذا التحول العالمي المترافق مع هذا الوهن الإسرائيلي الذي بلغ الشقاق الداخلي فيه مستوى “الصراع العميق حول الهوية والخيارات الاستراتيجية ومستقبل الأزمة الوجودية”، الأمر الذي يهدّد بانفجار كبير مع الفلسطينيين وفي المنطقة، تحاول “إسرائيل” عبره الهروب من أزمتها الداخلية نحو إشعال المنطقة بحدث كبير يدفع إلى عودة اللحمة الداخلية إليها في مواجهة خطر الخارج عبر الوصفة التاريخية المجربة.

لكنّ السلطة تبدو، حتى الآن، سائرة عكس الواقع والوقائع المتتالية، وأكثر من ذلك هي تثبّت موقفها المضاد لغالبية الشعب الفلسطيني، وهو أمر لا يمكن تفسيره بنقص المنظّرين والمفكرين لديها والذين يرون، ويتابعون، بلا شك هذا العالم المتغيّر وانعكاساته على فلسطين وقضيتها، بقدر ما يمكن ويجب تفسيره بنهائية ارتباط “سلطة أوسلو” بأسباب وجودها الدائرة، قياماً بداية واستمرارية نهاية، بـ”إسرائيل” وقوّتها واستمرارها، بل وهذا الأخطر بواشنطن الزعيمة الأوحد للعالم كما كانت عام أوسلو (1993)، وهو ارتباط لا تحكمه السياسة وحدها فقط، بل “يربطه” الاقتصاد أيضاً وتحديداً جانبه المصلحي الشخصي المباشر. لكنّ ذلك يؤثر سلباً على شعب كامل وعلى قضية حقّها هو الأكثر وضوحاً ونصاعة في هذا العصر.

الآن، وفي ظل هذه المتغيّرات المتسارعة فإنّ الأمر لا يحتاج إلا إلى لحظة براغماتية -كي لا نقول انتهازية- واعية، وإذا كانت صعبة الآن نتيجة ارتباطات السلطة المعروفة، فلنبدأ بمقدماتها على الأقل

مرة أخرى يبدو أنّ التراجيديا الشكسبيرية هي التي تحكم أداء الجميع، فـ”إسرائيل” لا تستطيع الفكاك من ارتباطها العضوي والمصيري بالغرب، والسلطة الفلسطينية التي ترى هذا العالم المتغّير لا تملك، أو لا تريد وهذا الأخطر، أن تستفيد من تغيّراته كما سواها، ما يعني، مرة جديدة أن لا مراهنة جدية إلا على الشعب ومقاومته التي يقول أحدث استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أنّ “نسبة متزايدة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بلغت 58% تؤيد العودة إلى المواجهات المسلحة والانتفاضة ضد إسرائيل”.

خلاصة القول، قبل هذه التغيّرات العالمية كان أمر انتقال “السلطة” من مربع “أوسلو” أو سجنه إلى آخر، يحتاج إلى لحظة استيقاظ ثورية هائلة بكل المقاييس، لكن الآن وفي ظل هذه المتغيّرات المتسارعة فإنّ الأمر لا يحتاج إلا إلى لحظة براغماتية -كي لا نقول انتهازية- واعية، وإذا كانت صعبة الآن نتيجة ارتباطات السلطة المعروفة، فلنبدأ بمقدماتها على الأقل، خاصة وأنّ سلطة الفاشيين في الكيان الصهيوني تشجّع هذه الأيام مستوطنيها على التصعيد واقتحام الأقصى تزامناً مع عيد الفصح، وبالتالي يبدو “الأقصى” برمزيته الهائلة ساحة اختبار حقيقي للرهانات والقدرات وساحة مناسبة للتحولات أيضا. 

إذا، لنغتنم هذه اللحظة ولنقل، والقول لـ”السلطة”، نحن لسنا نجمة تابعة للعلم الأمريكي بل حركة تحرّر وطنية، لذلك سنغادر “أوسلو” إذا لم يتحقّق وقف الاستيطان بالكامل وقتل الفلسطينيين وفورا، وهذا أضعف الإيمان فهل تفعلها؟!.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,