هل تتكامل قوى المجتمع المدني وترسم خطاً للتغيير في المخيّمات؟

التصنيفات : |
أبريل 13, 2023 7:54 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

تتباين الآراء وتتفاوت حول مفهومي قوى المجتمع الأهلي وقوى المجتمع المدني، ودور كل منهما في البيئة المحلية وعلاقتهما بالسلطات، وخصوصاً أنّ المجتمعات الفلسطينية المحلية لم تعرف جمعيات مستقلة في مخيّمات لبنان قبل عام 1982.

يقول الكاتب الفلسطيني ظافر الخطيب: “فلسطينيا، لا يوجد تعريف لقوى المجتمع المدني، وواقع الجمعيات والهيئات الموجودة بحاجة إلى تدقيق حول الأهداف والتأثيرات التي تتركها في المجتمع. وفي الثقافة السائدة يربط الناس مفهوم قوى المجتمع المدني بالمؤسسات الموجودة، ويعود ذلك إلى أنّه في العقد الأخير كانت المؤسسات تقدم نفسها تعبيراً عن قوى المجتمع المدني”.

الكاتب الفلسطيني ظافر الخطيب (صمود)

وحول استقلالية المؤسسات المدنية الفلسطينية، يجيب الخطيب: “أجد صعوبة في الحديث عن استقلالية المؤسسات، بعضها مرتبط بقوى سياسية وبالتالي يشكّل الذراع الاجتماعي لتلك القوى. وبعضها يحصل على تمويل من منظمات دولية قد تسعى لربط المشاريع بخطتها العامة. ولا ننكر وجود جمعيات تحدد أهدافها واحتياجات الناس ومن ثم تسعى للحصول على التمويل اللازم”.

ويُشير الخطيب إلى طبيعة العلاقات بين الجمعيات ويصف بعضها بالخصومة وبعضها بالتنافسية، وأحياناً بالتطبيع بفعل الأمر الواقع.

ويرى أنّ دور قوى المجتمع المدني يكون مؤثراً إذا عمل على قضايا الناس، لا أن يشكّل حلاً لحالة طوارىء. “وأعتقد إذا نشطت قوى المجتمع المدني على القضايا سيكون لها تأثير كبير على المدى البعيد، وخصوصاً إذا عملت بشكل مستمر وفق خطة تنموية مستدامة”.

وحول أهداف معظم الجمعيات، يوضح الخطيب: “معظمها يعمل باتجاه تقديم الخدمات، أما العمل على التغيير فإنّ الجمعيات تسير باتجاهه بشكل غير متعمد، وخصوصاً أنّها تحاول تجاوز التحديات والمخاطر التي تواجهها وهنا يفرض مفهوم التغيير نفسه عليها. والمشكلة أن لا إطار جمعي للجمعيات، فلكل منها مساحتها الحرة، وتتصرف كل جمعية بشكل يناسبها وتُرسّخ وقائع جديدة في المجتمع المحلي، لكنّ ذلك ليس بالتغيير المطلوب”.

إنّ المستوى السياسي في المخيّمات لا يتعاطى معها كقوى مستقلة إنّما البعض منه يوجّه إليها تهماً مختلفة ومنها التكفير أحياناً

وعن الصعوبات التي تواجه الجمعيات، يتحدّث الخطيب: “هناك الكثير من العقبات التي تعترض عمل المؤسسات، التي هي بحاجة إلى رؤى واضحة وخطط استراتيجية تلبّي الاحتياجات، كما أنّه لم يتمّ تكريس اعتراف شرعي وقانوني بها، وأشير هنا إلى أنّ المستوى السياسي في المخيّمات لا يتعاطى معها كقوى مستقلة إنّما البعض منه يوجّه إليها تهماً مختلفة ومنها التكفير أحيانا، وهذا يشكّل حالة ضغط كبير على قوى المجتمع المدني. كما أنّ هذه القوى لم تقدّم نفسها كطرف لها رؤيتها للمجتمع الفلسطيني في جميع الميادين مثل الحقوق الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتشاركية. بل إنّ كل مؤسسة تقوم بمبادرة ما ثم تُحفظ في الأرشيف، لتقوم بغيرها. إنّ قوى المجتمع المدني لم تقدّم نفسها كوحدة وهذا حرمها من فرصة المساهمة في تنظيم العمل المشترك.

من جهة أخرى، أحمّل القوى السياسية مسؤولية كبيرة لأنّها لم تحاول ترسيخ وعي جديد تجتمع حوله مكونات المجتمع الفلسطيني. هذه القوى السياسية لم ترافق التطور الذي حصل على صعيد البنية الاجتماعية والأطر الشعبية التي لجأ إليها الناس لحل بعض مشاكلهم، وأُعطي هنا أمثلة متقدّمة مثل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وروابط القرى والبلدات، وهذا يعني غياب الديمقراطية الحقيقية في مخيّماتنا. وإلى جانب القوى السياسية الفلسطينية فإنّ السلطات اللبنانية تتحمل مسؤولية بسبب عدم اعترافها بحقوق اللاجئين وغياب النظرة الايجابية للوجود الفلسطيني وغياب تحليل للتطور الاجتماعي في المخيّمات”.

على العقل الفلسطيني أن يعترف بوجود فئات لها ممثّلون يختلفون عن الآخرين، وأن تعترف القوى على المستوى السياسي أنّها لا تستطيع العمل لوحدها، وعلى الآخرين العمل لتكامل الخطط والممارسة

وحول الجمعيات التي على علاقة بقوى سياسية، يوضح الخطيب رأيه بها بالقول: “هناك مؤسسات استطاعت أن تبني هامشاً بينها وبين التنظيم الذي تنتمي إليه من خلال متابعاتها لقضايا تهم كل فئات المجتمع وتقدّم نموذجاً يمكن البناء عليه لاستقلالية المؤسسات، وأعني الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي يهتم بقضايا المرأة والأطفال، وهناك الهلال الأحمر الفلسطيني الذي يهتم بالجميع. وهناك جمعيات ذات بنية أيديولوجية تشكّل ذراعاً اجتماعياً لأطراف سياسية”.

وحول ما يقترحه لتطوير وضع قوى المجتمع المدني، يوضح الأمر بالقول: “منذ زمن ونحن نقترح عقد مؤتمر تشاوري يرسم خطاً لرؤية واحدة، أو الذهاب إلى طاولة مستديرة لنقاش الأوضاع، وصولاً إلى اقتراح ندوة وطنية حوارية، لكنّ كل هذه الاقتراحات لم تجد طريقاً تسلكه، وأرى في حال حدث واحد من هذه الاقتراحات، أن لا نتائج مطبّقة بدون تطوير الرؤية الاجتماعية للقوى السياسية والثقافية والاجتماعية، وأن يصل العقل الفلسطيني إلى الاعتراف بوجود فئات لها ممثّلون يختلفون عن الآخرين، وأن تعترف القوى على المستوى السياسي أنّها لا تستطيع العمل لوحدها، وعلى الآخرين العمل لتكامل الخطط والممارسة”.

كل جمعية ترى أنّ ما تقوم به هو سر من أسرار الآلهة وأنّ لها خصوصياتها وهذا حتماً لن يؤدي إلى تغيير في الثقافة السائدة في المجتمع وينقلنا إلى ثقافة الـ”نحن” بديلاً من الـ”أنا”

من جهة أخرى، تعرض مسؤولة وحدة الدعم القانوني ومركز العمل الاجتماعي آمال الشهابي لواقع المؤسسات الموجودة وتقول: “في الواقع الفلسطيني مؤسسات مختلفة التوجه، مؤسسات تربوية تهتم برياض الأطفال، ودروس التقوية والتعليم المهني، ومؤسسات صحية هي عبارة عن مستوصفات واستشفاء، ومؤسسات اجتماعية تتولى التوعية على الحقوق وخصوصاً النساء والأطفال. وهناك تنسيق بيننا وبين الأونروا التي تقدّم مساعدات قانونية وخصوصاً بما يتعلق بحماية المرأة والأطفال، وحملات ضد الإدمان على المخدرات، كما يلاحظ وجود عدد من الجمعيات التي تُعنى بالإغاثة. ويمكن الإشارة إلى غياب أي خطط مشتركة تنظر إلى المستقبل لمواجهة الكوارث، بل نكتفي بردة فعل عما نواجه”.

مسؤولة وحدة الدعم القانوني ومركز العمل الاجتماعي آمال الشهابي (صمود)

وحول توحيد الجهد للجمعيات والمؤسسات، تجيب الشهابي: “عقدنا العام الماضي اجتماعاً عاماً طالبنا بتوحيد قاعدة المعلومات والاتفاق على توجه واحد، لكنّ كل جمعية ترى أنّ ما تقوم به هو سر من أسرار الآلهة وأنّ لها خصوصياتها وهذا حتماً لن يؤدي إلى تغيير في الثقافة السائدة في المجتمع وينقلنا إلى ثقافة الـ”نحن” بديلاً من الـ”أنا”.

يبدو أنّ قوى المجتمع المدني تراوح مكانها ولن تستطيع إجراء أي تغيير اجتماعي في المخيّمات طالما لم تتجه لإنتاج رؤية واحدة وتحديد أهداف تسعى للتنمية في مختلف الميادين وخصوصا التشاركي منها.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,