“حقّ العودة” ليس للفلسطينيين حصراً

التصنيفات : |
أبريل 26, 2023 6:43 ص

*وسام عبد الله

مشهدية احتفالات عيد الفطر في المسجد الأقصى، وما سبقها في كنيسة القيامة بمناسبة عيد الفصح، وما بعدهما وقبلهما من صور الأحياء القديمة والنشاطات الفلسطينية في مختلف المدن والقرى، تدفع الكثير من العرب للتساؤل، ومن أعطاهم حقّ حرماننا من زيارتها؟.

قصص فلسطين لا تنحصر فقط بأصحاب الأرض، فما قبل النكبة والاحتلال وإغلاق الحدود في وجه العرب، كانت زيارة القدس كأي مدينة في بلاد الشام، إذ لم يكن في ذهن من يزورها في أربعينيات القرن الماضي، أنّ أحفاده لن يحظوا بفرصة زيارتها، وسيكتفون بما يُروى لهم عنها. وفي سنة 1948 أصدرت الأمم المتحدة القرار 194، الذي تقرّر فيه وجوب السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلدهم والتعويض عليهم، وأصبح من جوهر الصراع مع الاحتلال، لكن كيف نشترك مع الفلسطينيين في “حقّ العودة “؟.

التوق لزيارة فلسطين

لو كنتَ مواطناً أوروبياً ربما تختلف لديك أسباب الرغبة في زيارة فلسطين، فهو قد يتعامل معها مثل أي مكان سياحي في العالم، بينما الأمر يختلف لدى رغبتك في الوصول إلى مكان لا تستطيع التقدّم فيه خطوة نحو الداخل. فلما يكون لدينا الدافع؟.

أسباب عديدة تدفع الشباب العرب إلى التمني والأمل بالذهاب إلى القدس

أسباب عديدة تدفع الشباب العرب إلى التمني والأمل بالذهاب إلى القدس، فمنهم من يأتي من خلفية سياسية وعقائدية، مثل المنتمين إلى الأحزاب التي تتعامل معها كقضية عربية، من الواجب والحقّ أن تبقى ماثلة أمامنا وفي عملنا وغايتنا. قسم ثان، له رغبة دينية، كونها تشكّل جزءاً من “الجغرافيا اللاهوتية ” في الإنجيل لدى المسيحيين، وأرض الإسراء والمعراج وقبة الصخرة لدى المسلمين، إضافة للمعابد والأماكن الأثرية المرتبطة روحياً بأتباع الديانات السماوية. بينما يعتبر قسم كبير أنّ فلسطين، هي المدينة القديمة في القدس، وبحر يافا وعكا، والمفكرين الفلسطينيين والأدباء، وهي تأخذ بعداً مختلفا، حتى أصحابها قد لا يتعاملون معها مثل مناصري الأحزاب، فيهتمون بها بعيداً عن التجاذبات السياسية، التي قد “تشوّه” نقاء وصدقية القضية، بحسب رأيهم.

دور التربية

لا يمكن إنكار العوامل التي ساهمت في ابتعاد الشباب عن الإهتمام بالقضية الفلسطينية، وليس من الحكمة التعامل معهم دائماً بمنطق تعميم “الخيانة “، وللتربية، خاصة في البيت والمدرسة، تأثيرها على الأطفال ونتائجها في المستقبل مع تقدّمهم في الوعي، دون أن يعني ذلك، حتمية النتائج، فنموذج العائلات التي لفظت فلسطين من قناعاتها بقيت ثابتة في فكر أبنائها وهمومهم الإنسانية، والعكس صحيح.

التربية هي عملية معرفية تراكمية، وأحد أبرز أسباب الابتعاد عن القضية، هو الجهل بنواحٍ كثيرة. وإذا كانت الذريعة في السابق أنّ المعلومات غير متوفرة، فالمصادر الآن مفتوحة وحتى التواصل مع الداخل له وسائله الناجحة

لكن بالمبدأ، ما تزرعه تحصده، لذا نحن بحاجة إلى تأسيس صلة وصل بين الشباب وفلسطين، دون تقييد وتحديد الطريقة، وكأنّ هناك كتاب واحد لا غيره. فالتربية هي عملية معرفية تراكمية، وأحد أبرز أسباب الابتعاد عن القضية، هو الجهل بنواحٍ كثيرة، ولعل أهم ما ساهمت مواقع التواصل الإجتماعي في توفيره، هو التعرف على المناطق الفلسطينية والعادات والتقاليد، إذ لم يعد هناك محطة إعلامية خاصة، حزبية أو سياسية معينة هي التي تمثّل صورة الأراضي المحتلة، فالخيارات متاحة للوصول، وهو ما يحمّل الشباب مسؤولية التوجه نحو الخيار الصحيح، وإذا كانت الذريعة في السابق أنّ المعلومات غير متوفرة، فالمصادر الآن مفتوحة وحتى التواصل مع الداخل له وسائله الناجحة.

يساهم تأمين الصور عن فلسطين في تكوين “هوية بصرية”، تتكامل بين المقاومة والصمود والاحتلال، والحياة اليومية والطقوس والطبيعة، فلا نتجاوز مشهدية الصراع الجوهري مع العدو الصهيوني، ولا نحصره بها فقط، لأنّ الفلسطيني ابن بيئته ومجتمعه، والتعرف عليه عن قرب، يمنحنا القدرة على كسر الصور النمطية والأحكام المسبقة، ويؤسس للرغبة بالتعرف على الآخر ومعاينة القواسم المشتركة بيننا.

ما الفائدة والحدود مغلقة؟

من المهم الإستفادة من تجارب العدو في كيفية جذبه لليهود في العالم وإقناعهم بأنّها “أرض الميعاد”، فكيف من لا يملك حقّاً ولا وجودا، يعمل على نشر الوهم المتمثّل بـ”أصحاب الأرض”، ونحن من نملك كل الإثباتات والشواهد على الحضور والوجود؟.

قبل النكبة، ربما هناك بين اليهود في المجتمعات الغربية من ردّد مقولة “ما الفائدة من الحديث عن عودتنا ونحن ليس لنا وجود هناك؟”، في المقابل، جزء منهم قرر أن يُكمل مشروعه الاستيطاني مع الدول الاستعمارية. ومنّا الذي يعتقد أنّه لا فائدة من الحديث عن حقّنا في زيارة فلسطين والمستقبل غير واضح المعالم، وبالتوازي ثمة رأي مختلف، يؤمن بحتمية العودة وضرورة الاستمرار في الدعوة لها وتثبيتها، وعدم التعامل معها على أنّها زيارة “سياحية”، وحقّ الأجيال القادمة علينا أن نمنحها فرصة الاختيار في إكمال الطريق، ودعوتهم للإيمان بحقّهم في زيارة فلسطين.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,