خضر عدنان شهيدا.. الأبعاد واستحقاقات الرد

التصنيفات : |
مايو 2, 2023 8:48 ص

*أحمد الطناني – غزة:

“أما وقد اقتربت النفس من الشهادة فحقّ علينا أن نكتب وصيتنا”. من هذه الكلمات انطلق شيخ الكرامة الشهيد خضر عدنان في كتابة وصيته في مستهل إضرابه الأخير عن الطعام، مضيفا: “أبعث لكم بكلماتي هذه وقد ذاب شحمي ولحمي ونخر عظمي وضعفت قواي من سجني في الرملة الحبيبة الفلسطينية الأصيلة، وصيتي هذه لأهلي وأبنائي وزوجي وشعبي”.

عرف الشيخ خضر عدنان دربه جيدا، وكانت بوصلته واضحة، لا حياد في المواجهة ولا أنصاف حلول في المحاكات الوطنية الكبرى، ولا مكان للمهادنة مع الاحتلال، والواجب الوطني في مقدمة كل الأولويات، هكذا عرفت فلسطين خضر عدنان، وهكذا عرف خضر عدنان فلسطين.

تُشكّل حادثة استشهاد الأسير خضر عدنان في سجون الاحتلال مُضرباً عن الطعام بعد 86 يوم من مقارعة السجان بأمعائه الخاوية، حدثاً مفصلياً يضع المشهد الفلسطيني كله أمام استحقاقات مهمة، حيث ارتقى الشهيد في وقت دقيق تمر به الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي ضوء حالة من الترقب لاحتمالات عدوانية غادرة يُعدّ لها الاحتلال، مترافقة مع موجات متتالية من المواجهة والاشتباك لم تتوقف منذ أكثر من عام ونصف في الضفة المحتلة، شهدت خلالها نمواً وصعوداً للعمل المسلح والاشتباك.

حدثُ استشهاد أسيرٍ خلال الاضراب عن الطعام ليس حدثاً عادياً ولا معتادا، وفي حالة الشيخ خضر عدنان كان هناك تعمّد واضح بالإهمال الطبي للشهيد، حيث من غير المنطقي أن يمضيَ 86 يوم من الإضراب والأسير موجود داخل زنزانته، وهو ما يعكس نية واضحة لدى مصلحة السجون لكسر الشيخ خضر عدنان وإجباره على فك الإضراب بدون أي إنجاز يُذكر، حيث أنّ رمزية الشيخ خضر عدنان كبيرة في معارك الإضراب عن الطعام التي فجّرها في العام 2011.

بالرغم من أنّ الظروف الأمنية والعملياتية ليست مواتية لفتح جولة قتال تقليدية مع الاحتلال يكون عمادها القصف الصاروخي من قطاع غزة، إلا أنّ استحقاق الرد يجب أن يكون أساسياً وحاضرا، حتى لا يتحوّل حدث استشهاد الأسرى أو المضربين عن الطعام لحدث معتاد وعابر

يضع حدث شهادة الشيخ خضر عدنان برمزتيه ووزنه، وظروف استشهاده داخل الأسر ومضرباً عن الطعام، فصائل المقاومة أمام استحقاق مهم في التعامل مع حدث من نوع جديد، يتطلب تثبيت قواعد ومحددات في التعامل مع جريمة بهذا الحجم، وبالرغم من أنّ الظروف الأمنية والعملياتية ليست مواتية لفتح جولة قتال تقليدية مع الاحتلال يكون عمادها القصف الصاروخي من قطاع غزة، إلا أنّ استحقاق الرد يجب أن يكون أساسياً وحاضرا، حتى لا يتحوّل حدث استشهاد الأسرى أو المضربين عن الطعام لحدث معتاد وعابر، مما قد يفتح الطريق للجوء الاحتلال إلى عمليات تصفية صامتة مستقبلاً لقادة الحركة الأسيرة، أو يفتح شهية الاحتلال على إمكانية تمرير قانون مثل قانون إعدام الأسرى بسلاسة ودون توقّع ردود أفعال كبرى تُفجّر المشهد برمّته خصوصاً مع وجود مجرم مثل “إيتمار بن غفير” على رأس وزارة الأمن القومي الصهيونية.

البطل الرمز

للشيخ خضر عدنان حضور قوي ورمزية نوعية في وجدان جموع الشعب الفلسطيني، وقد عانى الشيخ من محاولات تصفية معنوية وجسدية عديدة سابقا، وعانت قضية إضرابه الأخير من تهميش وعدم تفاعل كبيرين، وهو ما يستوجب إعادة الاعتبار لقيمة الالتفاف الجماهيري لمناضل لطالما عرفته ساحات النضال والفعل، ولم يترك مسيرة أو محفل إلا وكان حاضراً فيها، وبالتالي فإنّ تحريك الشارع وتحويل حدث استشهاد الأسير عدنان إلى حدث مؤسس لتحريك الشارع الشعبي الفلسطيني هو استحقاق مهم له ما بعده.

تجهّز الاحتلال للتعامل مع الردود المحتملة مع قطاع غزة، بحشد آليات وجنوده على حدود القطاع “تحت مبرر المناورة”

إنّ إعلان الاحتلال عن مناورة عسكرية على حدود قطاع غزة بشكل مفاجئ مساء أمس، والإعلان عن إلغائها اليوم، يعطي إشارات حول أنّ الشهيد خضر عدنان قد يكون ارتقى منذ الأمس، وتجهّز الاحتلال للتعامل مع الردود المحتملة مع قطاع غزة، بحشد آليات وجنوده على حدود القطاع “تحت مبرر المناورة”.

سبق وأن تفاعلت أذرع الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية مع احتمالية ارتقاء شهيد مضرب عن الطعام، في إضراب سابق للشهيد خضر عدنان، وقد توافقت في حينه بالتعامل مع حدث استشهاد أي أسير مضرب على أنّه حدث يستوجب الرد عسكريا، وهو ما يضع الغرفة المشتركة أمام استحقاقات مهمة بالرغم من كل الظروف العملياتية المحيطة، وليس بالضرورة أن يكون الرد آنياً أو من جبهة محددة، فجبهات الفعل المقاوم واسعة وخياراتها متعددة.

أعلنت الحركة الأسيرة أنّ الحداد على الشهيد الشيخ خضر عدنان “سيبقى مستمراً إلى أن يتمّ الرد رداً يوازي حجم الجريمة”، وهو ما يستوجب وضع قضية “تحرير الأسرى” كأولوية،

يزيد حدث الاستشهاد للشيخ خضر عدنان، واشتداد المرض على الأسير وليد دقة من حجم ضغط الحركة الأسيرة على القوى والفصائل من أجل تحريك ملفهم بشكل فاعل، خصوصاً وأنّ الحركة الأسيرة قد أعلنت أنّ الحداد على الشهيد الشيخ خضر عدنان “سيبقى مستمراً إلى أن يتمّ الرد رداً يوازي حجم الجريمة”، وهو ما يستوجب وضع قضية “تحرير الأسرى” كأولوية، ويمكن أن يُشكّل حدث استشهاد الأسير خضر عدنان مدخلاً لتبنّي موقف مقاوم من أذرع المقاومة باعتبار أنّ الرد الأجدى على حدث استشهاد الأسير خضر عدنان هو فعل مقاوم كبير يهدف لانتزاع حرية الأسرى في سجون الاحتلال، واعتبار استشهاد الأسير خضر عدنان بمثابة إطلاق لشعلة الحرية.

“الجهاد” لن تمرّر الجريمة بدون رد عظيم

يعكس تصريح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، أنّ الحركة لم تحسم شكل وطبيعة الرد على هذه الجريمة الكبيرة، وأنّها تترك الباب مفتوحاً للتفاعل والتوافق بين قوى المقاومة حول شكل وطبيعة الرد على تصفية واغتيال الشهيد الأسير خضر عدنان، إلا أنّ تجربة الجهاد الإسلامي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام، وأنّ استحقاق الوفاء للشهداء غير قابل للمهادنة.

يؤسس حدث استشهاد الشيخ خضر عدنان لما بعده، وسيُشكّل حتماً محفّزاً جديداً للمزيد من تصعيد الفعل المقاوم، وبشكل خاص في الضفة الغربية، وإنّ تعويل الاحتلال على أنّ موجات الفعل المقاوم قد تراجع زخمها بعد انتهاء شهر رمضان، فإنّ المشهد الآن أصبح مختلفا، والأيام القادمة ستحمل في جعبتها فعلاً مقاوماً أكثر نوعية وتركيزا، كان باكورته عملية إطلاق النار على سيارة مستوطنين في طولكرم بعد ساعات معدودة من خبر ارتقاء شهيد فلسطين الصامد خضر عدنان.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,