“نتنياهو” يراهن على جرائم الاحتلال لترميم الردع وصورته.. والمقاومة تسقط الرهان

التصنيفات : |
مايو 9, 2023 10:39 ص
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشهيد طارق عز الدين (صمود)

*سنان حسن

 لم يكن العدوان الهمجي الجديد على قطاع غزة، فجر اليوم الثلاثاء، الذي قام به جيش الاحتلال الصهيوني تحت ذريعة استعادة “الردع” وارتقى جرّاءه العديد من الشهداء، إلا محاولة من حكومة نتنياهو للهروب إلى الأمام من مصاعبها الداخلية. ففي الوقت الذي ما تزال مسألة الإصلاحات القضائية التي يسعى بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي تمريرها، تراوح مكانها. فقد تصدّر موضوع استعادة الردع من بوابة شن عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسائل الإعلام المحسوبة على طرفي النزاع الداخلي كلاً على طريقته، فالمعارضة تحذّر من تنامي قوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي واضعة اللوم على نتنياهو في الوصول إلى ذلك، في حين يضغط حلفاء هذا الأخير في الائتلاف للبدء بعملية عسكرية وإلا فالاستقالة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد تكون الأخيرة له.

وبالمحصلة، دخلت العملية العسكرية في الضفة الغربية أو (السامرة) -وفق المسمى الصهيوني- في البازار الإسرائيلي الداخلي المرشح للكثير من التداعيات الكبيرة، ولكن السؤال: هل حكومة نتنياهو قادرة بالفعل على شنّ عملية عسكرية شاملة في الضفة؟، وهل العمليات الجبانة التي تقوم بها بين الحين والآخر تفي باستعادة الردع المزعوم؟، أم أنّ التصعيد الإعلامي مجرد عرض عضلات لتخفيف الضغط على حكومته والخروج من مأزق الفشل حتى الآن في إقرار الإصلاحات القضائية، وهل ستستخدم المعارضة ذريعة “الردع” لتكون العنوان لبرنامجها الانتخابي؟، والأهم من كل ذلك، هل فكّر المسؤولون الإسرائيليون في الطرف الآخر الذي سيواجه آلة القتل الصهيونية المتمثّل بالمقاومة الفلسطينية وعلى امتداد ساحات المواجهات المتعددة؟.

تصدّرت في الإعلام الإسرائيلي، وبكثرة، التحليلات والآراء والتقديرات الأمنية والاستخباراتية التي توصي بشن عملية عسكرية هدفها الرئيس استعادة الردع الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية

في “إسرائيل”، وعلى الرغم من كل الخلاف الكبير بين القوى والأحزاب الصهيونية على القضايا الداخلية والتي فجّرتها أخيراً مسألة الإصلاحات القضائية، إلا أنّ قتل وإرهاب الفلسطينيين يبقى القاسم المشترك بين كل المكونات، بل في الكثير من الأحيان ولا سيما مع وجود أي انتخابات مبكرة نرى القوى والأحزاب تزايد في مغالاتها وحقدها على الفلسطينيين أمام الشارع الصهيوني، لكسب وده وأصواته لصالح مرشحيها، وإقرار الكنيست قانون سحب الجنسية من منفّذي العمليات ضد قوات الاحتلال في شهر شباط/فبراير بدعم من غالبية أحزاب المعارضة إلى جانب أحزاب الائتلاف الحكومي الفائت بـ94 صوتاً من أصل 120، يؤكد ذلك. وبالتالي ومع وصول القوى الصهيونية إلى مفترق طرق بعد فشل إقرار الإصلاحات القضائية في الكنيست على أثر المعارضة الكبيرة التي لقيَها من الشارع الإسرائيلي والقوى الرافضة له، وعدم تمكن هذه القوى من الوصول إلى حل وسطي ينهي الأزمة المستفحلة حتى الآن والتي قد تقود إلى انتخابات مبكرة، بدأ كل فريق في البحث عن مسألة يزايد فيها على جمهوره لنيل أصواته، حيث تصدرت في الإعلام الإسرائيلي، وبكثرة، التحليلات والآراء والتقديرات الأمنية والاستخباراتية التي توصي بشن عملية عسكرية هدفها الرئيس استعادة الردع الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية.. حيث استغلّت المعارضة موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الرافض حتى الأمس شن عملية عسكرية، بتوجيه الاتهامات له بأنّه عاجز عن المواجهة وأنّ المعارضة لو كانت في السلطة لاتخذت قرار المواجهة فورا، وهذا ما مثّله كلام زعيم المعارضة بني غانتس خلال زيارته مستوطنات غلاف غزة بعيد اغتيال الشيخ خضر عدنان: “مستوطنات غلاف غزة تواجه تحديات أمنية، ما يستدعي انتهاج سياسة عدوانية وهجومية ضد أي انتهاك قادم من غزة”. في حين سعت أحزاب في الائتلاف الحكومي إلى ابتزاز نتنياهو بعدما أخلّ بالاتفاق معها والذي كان يقضي بإقرار مجموعة من التشريعات ومنها الإصلاح القضائي والخدمة العسكرية، وبدأت بالتصعيد لعلمها أنّ نتنياهو غير قادر على فك التحالف، في ظل استطلاعات رأي تؤكد أنّ “بيبي” سيتكبد خسارة فادحة في أي انتخابات قادمة “عشرة مقاعد وفق آخر استطلاعات للرأي”، وشروط إيتمار بن غفير الأربعة للعودة إلى اجتماعات الحكومة (شن عملية عسكرية في الضفة) مثال على ذلك. ولكن ماذا عن نتنياهو نفسه كيف سيخرج من الضغط الذي يمارس عليه؟.

انقلاب الصورة

خلال الفترة الماضية، مرّ نتنياهو بضغوط كبيرة جداً بداية من حزبه الليكود والخلاف مع وزير الدفاع يوآف غالانت مروراً بائتلافه الحكومي والقطيعة مع حليفه “بن غفير” ومنعه من حضور جلسات الكابينت والمعارضة والسجال الكبير بينهما حول التعديلات القضائية وقيادة “إسرائيل” والحفاظ على قوة الردع وانتهاءً بعلاقته بالولايات المتحدة الأمريكية التي ترفض حتى الآن استقباله رسميا في البيت الأبيض.

استطاع نتنياهو بمكره السياسي تحويل الانتقاد ضده إلى ثناء على عمله. ولعل ما جرى فجر اليوم، من عملية عسكرية خاطفة في قطاع غزة اغتيال ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي دليل على ذلك.. حيث تحولت وسائل الإعلام الصهيونية إلى الحديث عن حنكته السياسية والعسكرية

ورغم كل ذلك استطاع بمكره السياسي تحويل الانتقاد ضده إلى ثناء على عمله. ولعل ما جرى فجر اليوم، من عملية عسكرية خاطفة في قطاع غزة اغتيال ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي دليل على ذلك.. حيث تحولت وسائل الإعلام الصهيونية إلى الحديث عن حنكته السياسية والعسكرية وما قاله جدعون ليفي في مقال له بصحيفة هآرتس أول من أمس، بعنوان: “هل هناك مكان لقول كلمة طيبة عن نتنياهو؟” يأتي في هذا السياق: “ليست المرة الأولى التي يتميز فيها نتنياهو بالحذر وبرودة الأعصاب، ولكن في هذه المرة هو فعل ذلك في ظروف صعبة بشكل خاص. هو في حضيض شعبيته ولا يوجد له الكثير مما يخسره، وربما يمكن أن يكسب من حرف الانتباه عن إخفاقاته عن طريق عمليات بطولية في غزة؛ هو يقف على رأس الحكومة الأكثر يمينية التي حكمت هنا، وهو يعتمد بشكل كامل على عدد من السياسيين المتطرفين عديمي المسؤولية. مع ذلك، هو لم يستمع إليهم ولم ينجر. لذلك، هو يستحق في هذه المرة المديح الخاص على وقوفه ضد كل الاحتمالات، لا سيما ضد قاعدته السياسية”. ولكن هل ما جرى، فجر اليوم الثلاثاء، هو الردع الذي يبحث ويطالب به قادة الاحتلال؟، بالتأكيد لا.

لقد رسّخت معركة سيف القدس الاستراتيجية معادلة جديدة للمقاومة الفلسطينية تحت عنوان “وحدة الساحات”، حيث وجد الكيان نفسه فيها تحت وطأة ضربات المقاومة وتكتيكاتها التي أعلنت جهوزيتها للتدخل فوراً دفاعاً عن القدس والضفة وكل فلسطيني مقاوم، تماماً كما حدث في اغتيال الشهيد خضر عدنان في معتقله حيث قامت المقاومة بدك مستوطنات الجنوب الصهيوني بوابل من الصواريخ والقذائف. وهي حذّرت أيضاً من رد عنيف غير مسبوق إذا مضت مسيرة الأعلام كما هو مقرر لها في باب العامود بالقدس المحتلة في الثامن عشر من الشهر الحالي، واليوم وبعد اغتيال القادة الثلاثة في حركة الجهاد الإسلامي يبدو أنّنا مع جولة جديدة من التصعيد ستثبت قواعد جديدة للاشتباك مع العدو، الذي وإن استطاع غيلةً استهداف المقاومين مع عائلاتهم وأطفالهم لكنّه لن يستطيع كسر عزيمتهم وإصراهم على دحر المحتل وفلسطين بأكملها ستشهد على ذلك.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,