الأونروا.. ضامنة لحقوق اللاجئين أم متواطئة عليهم؟

التصنيفات : |
مايو 10, 2023 7:32 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

منذ نحو عشرين عاماً نفّذ مكتب الخدمات الصحافية في بيروت مشروعاً حمل إسم “سفيتاس” وهو يهدف إلى تسليط الضوء عمّا يريده اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، من خلال تنظيم حلقات نقاش في المخيّمات الفلسطينية، ومن الأسئلة التي طرحت على المشاركين والمشاركات: ماذا تطلب من مسؤول “الأونروا” في حال اجتمعت به؟.

كان مشروعاً ناجحاً في تحديد احتياجات اللاجئين آنذاك.

والآن، لفت النظر ما نشرته وسائل الإعلام يوم الخامس من أيار/ مايو 2023 عن اجتماع تشاوري عُقد في مخيّم البرج الشمالي، ووُصف أنّه الاجتماع الأول وهذا يؤشّر إلى النية في عقد اجتماعات لاحقة.

يقول الخبر: “عقدت مديرة شؤون “الأونروا” في لبنان الدكتورة دوروثي كلاوس بحضور نوابها ورؤساء البرامج ورئيس المنطقة، الاجتماع الأول ضمن سلسلة من اللقاءات التشاورية مع مجتمع لاجئي فلسطين في مخيّم برج الشمالي”.

ويضيف :”أعرب الحاضرون من المجتمع المحلي عن آرائهم حول خدمات “الأونروا” وبرامجها وطالبوا بأن تجري الوكالة إصلاحات على برنامج شبكة الأمان الاجتماعي وزيادة تغطية الاستشفاء، وشمل لاجئي فلسطين من حاملي الجنسية اللبنانية ضمن هذه التغطية، وبناء مدرسة ثانوية في المخيّم وتوفير المزيد من فرص العمل. وأشاروا إلى هواجسهم بشأن معايير الاختيار ضمن مشروع “المال مقابل العمل”، والحاجة إلى تقديم مساعدة نقدية لجميع عائلات لاجئي فلسطين”.

تهدف “الأونروا” إلى مواصلة دفع المساعدات النقدية الدورية حتى نهاية العام إلى نحو 160،000 لاجئ فلسطيني في لبنان بما في ذلك الفئات المحتاجة، مثل الأطفال وكبار السن والمرضى المصابين بأمراض مزمنة والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة

من جهتها، أكدت الدكتورة كلاوس أنّها على علم بالحاجات الملحة للاجئي فلسطين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية في لبنان. وأشارت إلى أولويات برامج “الأونروا”، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المجتمع، وأكدت أنّ الوكالة تهدف إلى مواصلة دفع المساعدات النقدية الدورية حتى نهاية العام إلى نحو 160،000 لاجئ فلسطيني في لبنان بما في ذلك الفئات المحتاجة، مثل الأطفال وكبار السن والمرضى المصابين بأمراض مزمنة والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. وتحدّثت عن عدم قدرة “الأونروا” على العمل بشكل فعّال في مخيّم برج الشمالي بسبب الإغلاق المستمر لبعض مكاتبها والتهديدات التي يتعرّض لها موظّفوها. وقالت: “إنّ هذا أمر مؤسف للغاية لأنّه يعيق عمل الأونروا وحصول اللاجئين على الخدمات التي يحتاجونها. هذه الأعمال تتعرّض لها الوكالة في حين أنّها موجودة هنا لتقديم المساعدة لكم. نحن بحاجة إلى أن نفهم بشكل أفضل ما يدفع إلى مثل هذه الأعمال التي تأتي على أثر شكاوى مختلفة ضد الوكالة”.

وأضافت المديرة: “إنّ الأونروا نظّمت اجتماعاً شارك فيه جميع مديري مدارس الوكالة وموظفو دعم التعليم تمّ خلاله تحليل الأسباب الداخلية والخارجية لمستويات التحصيل التعليمي المتدني ونتج عنه عدد من التوصيات التي تضمنت تدخلات فورية وطويلة الأمد”.

وأكدت الدكتورة كلاوس أنّ فريقها يقوم الآن بمراجعة عدد من الطرق لتحسين برامج “الأونروا” بما في ذلك برنامج شبكة الأمان الاجتماعي والاستشفاء. وقالت “نحن ملتزمون بإجراء بعض التغييرات الضرورية المطلوبة لضمان حصول أطفالنا على التعليم والاستشفاء الذي يستحقّونه من أجل مستقبل أفضل. سنكمل في تواصلنا مع المجتمع المحلي من خلال هذه الاجتماعات التشاورية وسنفعل كل ما هو ضروري في حال توفرت الموارد لإجراء تعديلات في الخدمات بحيث تكون أكثر إفادة لكم بناءً على ملاحظاتكم”.

يكتسب هذا الاجتماع أهمية كبرى إذا استُكمل بلقاءات مماثلة في المخيّمات الفلسطينية الأخرى، لما تتمتع به الوكالة من أهمية في حياة اللاجئين على الرغم من الثغرات والصعوبات التي تواجه عملها وأثر ذلك على الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

هي شاهد سياسي أممي على المأساة التي حلّت بالشعب الفلسطيني على يد الحركة الصهيونية، وبدعم سافر من الاستعمار القديم والحديث. من هنا تبرز أهمية استمرارها في مسؤولياتها، وحيوية ما تحويه سجلاتها من وقائع وقيود تكرّس ليس الحقّ الجمعي للاجئين فحسب، بل الحقوق الفردية لكل منهم

وإذا كانت عودة اللاجئين إلى ديارهم هي في صميم القضية الفلسطينية، فإنّ قيام “الأونروا” وتقديم خدماتها إلى حين عودتهم إلى ديارهم يؤشر إلى أهمية هذا الدور المؤقت والذي يختلف عمّا تقوم به المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تقدّم الدعم إلى حين توطين اللاجئين في بلد آخر، وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته ويصر على أنّ اللجوء هو مؤقت ولا بد من العودة إلى الوطن.

وإنّ هذه الوكالة الدولية معنية بمصير اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات وفي المخيّمات الموجودة داخل فلسطين المحتلة، وبالتالي هي شاهد سياسي أممي على المأساة التي حلّت بالشعب الفلسطيني على يد الحركة الصهيونية، وبدعم سافر من الاستعمار القديم والحديث. من هنا تبرز أهمية استمرارها في مسؤولياتها، وحيوية ما تحويه سجلاتها من وقائع وقيود تكرّس ليس الحقّ الجمعي للاجئين فحسب، بل الحقوق الفردية لكل واحد منهم.

خلال السنوات الماضية، صار مصير وكالة الأونروا على المحك، إذ تماهت السياسة الأمريكية مع السياسة الإسرائيلية بالنظر إلى “الأونروا” كهدف ينبغي التصويب عليه حتى محوه وإزالته من الوجود، أو إعادة النظر بالمهام التي تتولاها، لتفريغها من دورها الأصلي ما يفتح الباب للتخلص منها عبر تصفيتها وتصفية تعريفها اللجوء الفلسطيني، الذي تعتمده أساساً لخدماتها ومساندتها له، بما يتضمن التعريف من توريث اللجوء بين الأجيال، أي من الأجداد إلى الآباء والأبناء.

يبدو أنّ محاربة “الأونروا” وقطع المساعدات عنها تعزز فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، مع تقديم مغريات للبلدان المضيفة بهدف إدماجهم في المجتمعات المضيفة، وهذا يعني إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين

فقد أقدمت واشنطن، بداية، إلى تجميد القسم الأكبر من المساهمة الأمريكية في موازنة “الأونروا”، ثم أوقفت مساهمتها التي كانت تبلغ نحو ثلث موازنة “الأونروا” التي تقارب 1.2 مليار دولار أمريكي سنويا.

ويبدو أنّ محاربة “الأونروا” وقطع المساعدات عنها تعزز فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، مع تقديم مغريات للبلدان المضيفة بهدف إدماجهم في المجتمعات المضيفة، وهذا يعني إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وهناك مبرر آخر يلعب دوراً مع السياسة الأمريكية والإسرائيلية هو حالة التراجع الذي تعاني منه الدول والشعوب العربية الغارقة في بحار من الفوضى الكيانية التي تؤدي إلى حروب أهلية داخلية.

لذلك، لا بد أن تستمر وكالة الأونروا في مواصلة القيام بمهامها، طالما أنّ حلاً سياسياً لم يتوفر للاجئين الفلسطينيين، وهو حل يرتكز على مبادىء العدالة، حقوق الانسان وحرية الشعوب في تقرير مصيرها. وهذا الحل ما زال مفقوداً والقرارات الدولية ومن بينها القرار 194 معلقة.

أهميتها من أهمية حقّ العودة

وعلى الرغم من الملاحظات التي تُسجّل على إدارة وممارسات وكالة الأونروا، فلا بد من الإشارة إلى أنّ خدماتها تشمل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في 58 مخيّماً موزعين على لبنان، سوريا والأردن، بالإضافة إلى غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، ويتجاوز عددهم 5.5 مليون نسمة حسب سجلات الوكالة.

ويمكن تسليط الضوء على الخدمات التعليمية، إذ يبلغ عدد مدارس الوكالة في لبنان 76 مدرسة من ضمنها مدرستان مهنيتان، في سبلين والبداوي. وتضم المدارس نحو 35 ألف تلميذ وتلميذة مع هيئة تعليمية وأخرى إدارية يصل عدد أفراد الهيئتين إلى نحو 1700 معلّم وإداري. مع ملاحظة لجوء إدارة الوكالة مؤخراً إلى التعاون مع عدد من المعلّمين بموجب عقود مؤقتة.

وفي الثالث من أيار/ مايو الجاري، أصدرت “الأونروا” بياناً تعلن فيه أنّها بصدد دفع مساعدة تنقّل للتلامذة تبلغ 25 دولاراً أمريكياً وفق معايير محددة للمستفيدين من المساعدة ومنها المسافة التي تفصل التلميذ عن مدرسته من مكان سكنه. وهذه المساعدة لا تغطي كامل كلفة التنقل كما هو واضح في البيان.

وتموّل “الأونروا” خدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية والنفسية التي تنتشر في المخيّمات، أما عمليات الاستشفاء فيخضع تمويلها لنسب محددة تتوزع بين أجور للعمليات الجراحية والإقامة تبعاً للتصنيف الذي تضعه الوكالة. ويجري الاستشفاء في مستشفيات القطاع الحكومي والخاص بما فيه مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني. وفي صيدا مثلا، تشكّل المساهمة المالية التي تدفعها “الأونروا” لتغطية استشفاء المرضى الفلسطينيين في المستشفى الحكومي في صيدا، مورداً أساسياً لإدارة المستشفى المذكور، في ظل انهيار النظام الصحي اللبناني العام، وتتحول خدمات “الأونروا” الصحية إلى خدمات أهم بكثير مما تقدّمه الحكومة اللبنانية لمواطنيها، لذلك كان مطلب المشاركين في اجتماع البرج الشمالي أن تشمل خدمات “الأونروا” الصحية بكل فروعها، الفلسطينيين الذين حازوا على الجنسية اللبنانية، إذ أنّ الوكالة توقفت عن تقديم خدمات الاستشفاء لأنّ هذه الخدمات باتت من مسؤولية الحكومة اللبنانية.

وتقدم “الأونروا” مساعدات غذائية للعائلات الأكثر فقرا، لكنّ هذا السجل بات بحاجة إلى تحديث بعد ازدياد نسبة الفقر في الوسط الفلسطيني.

واليوم تعاني “الأونروا” من أزمة مالية، ربما يقول أحدهم أنّ هناك هدراً في هذا المجال أو ذاك، لكن من المؤكد أنّ تداعيات تقليص أو توقف خدمات الوكالة ستكون كبيرة على لبنان وعلى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذي يعتمد بشكل شبه كلي على خدماتها. لأنّ لبنان يشهد انهياراً غير مسبوق وغير قادر على تأمين الخدمات الأساسية لشعبه، فكيف يمكن أن يتحمل مسؤولية الخدمات للاجئين الفلسطينيين؟.


وسوم :
, , , , , , , ,