شيرين أبو عاقلة.. ذاك الصوت أحيا الصورة مرة ثانية

التصنيفات : |
مايو 11, 2023 11:47 ص

*وسام عبد الله

مرت سنة على ذكرى اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، في مشهد حُفر في سردية الحكايا الفلسطينية، وكان الهدف إسكات الصوت والصورة، فجاء الحدث معكوسا، إذ تركت الجريمة أثراً لدى الأجيال الشابة حتى من كانت بعيدة عن الاهتمام بالقضية، وأعادت التوازن المهني للعمل الصحفي، وكأنّها بحالة عبور متجددة من حالة إلى أخرى.

ذاك الصوت حكى قصة شعب

تعددت وسائل التعبير عن مدى تأثير استشهاد شيرين أبو عاقلة لدى المتابع، حتى من خارج سياق العمل الإعلامي، وأحد هذه الوسائل عبّرت عنه الكاتبة المصرية ماجدة أيمن في كتابها الذي سيصدر حديثاً بنستخته النهائية “ذلك الصوت – شيرين أبو عاقلة صوت حكى قصة شعب”.

توضح ماجدة لموقع “صمود” سبب اختيارها الكتابة عن شيرين فتقول: “شكّلت حادثة اغتيالها صدمة كبيرة تركت فينا مشاعر غضب وحزن عميقين، فكان لا بد أن أعبّر عن هذه المشاعر، لم يكن كافياً أن أعبّر عن هذه الحالة فقط من خلال منشورات علي صفحات التواصل الإجتماعي”، وتتابع: “شيرين أحدثت حالة غريبة بين الناس تستحق الحديث عنها، لمن يعرفها و لمن لم يعرفها، حالة من الغضب والحزن، العجز والخوف من ألا تتحقق العدالة، نطالب بالعدالة من أجل شيرين لكن لا أحد يسمع، العالم صامت ينكر الحقيقة رغم وضوحها، فقررت ألا أستسلم لشعوري بالعجز، على الأقل أعبّر من خلال كتابي بكلمات بسيطة ورسومات وقصائد توصل جزءاً بسيطاً من إحساسي بعد استشهادها”.

“كانت تنقل الحقيقة كما هي بدون مبالغة وبدون أي اضافات ودون الحاجة لاستعطاف المشاهد، نبرات صوتها كانت كافية لإيصال الشعور بالغضب، بالحزن وبالظلم الذي تشاهده أثناء تغطية الخبر”
(ماجدة أمين)

تصف ماجدة ميزة عمل شيرين، بكونها بسيطة في أسلوبها بإيصال الخبر إلى الناس بصوتها وهدوئها، وتقول: “كانت قريبة من الإنسان وأوصلت صوت شعبها وقضيته للعالم، فأصبحت هي النافذة التي نرى من خلالها معاناة هذا الشعب، فكانت تنقل الحقيقة كما هي بدون مبالغة وبدون أي اضافات ودون الحاجة لاستعطاف المشاهد، نبرات صوتها كانت كافية لإيصال الشعور بالغضب، بالحزن وبالظلم الذي تشاهده أثناء تغطية الخبر”.

وعن الرسالة من كتابها وضرورة المحافظة على ما تركته من بصمة في حياتها، تعتبر ماجدة أنّ شيرين كانت تحب الحياة وكانت لها تطلعات دائمة للمستقبل بشهادة أصدقائها، فرغم ما كانت تشاهده كل يوم من أحداث مؤلمة في الميدان إلا أنّها كانت إنسانة تشعّ أملاً وحباً وعطاءً لكل من حولها، وكانت أيضاً مؤمنة أنّ بلدها ستتنفس الحرية يوماً ما، وتختم قائلة: “علينا أن نقتدي بها، في حبها وعطائها وإنسانيتها، وفي إيماننا بالقضية والعمل من أجل تحقيق الحلم”.

خرق الجدار

استعادت جريمة اغتيال شيرين التأكيد على دور الإعلام وخاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في ظل الفوضى والسباق لتسجيل الـ”ترند” دون أي محتوى هادف. 

تعتبر الصحافية حياة حريري أنّ تراكم عمل شيرين أبو عاقلة خلال السنوات الطويلة، وحدث الاغتيال بحد ذاته، تركا أثرهما لدى الشباب، حتى من الذي كانوا مُبتعدين أو مُبعدين، عن الاهتمام بالخبر الفلسطيني، فجذبهم رحليها المؤلم لمراجعة أرشيفها وتقاريرها، فصارت لمن لا يعرف ما يحدث في فلسطين، تُعطيه قصة صحيحة ومهنية، ليفهم أكثر تفاصيل القضية.

وتقول حريري لـ”صمود”: “حصل عكس ما أراده الاحتلال بإسكات صوتها، أثبت أنّ قول الشباب العربي لا يهتم بفلسطين غير دقيق، فحرب الرأي العام جزء أساسي من القضية، وعلى مدى سنين طويلة تمّ تشويهها، من خلال الإعلام الغربي، إضافة لكون الإعلام العربي ضعيفاً أو مغيّبا، والانقسام الفلسطيني لعب دور في إضعاف السردية، وخاصة مع التطبيع، واليوم المهنية بتغطية الحدث الفلسطيني هو العنصر الأساس، في مواجهة الحملة الإعلامية، والافكار المغلوطة والانحياز لطرف دون آخر، ولتصحيح المعلومات للرأي العام العربي، وخرق الرأي العام الغربي الذي يتفاعل بشكل متصاعد مع القضية”.

“ساهم الإعلام العربي، إما بتغييب القضية أو ببهتانها، وأحياناً يساوي بين الضحية والجلاد، وحتى المؤسسات التي تؤيد القضية تكون بمنحى عاطفي ومسيّس أكثر”
(حياة حريري)

تصف حريري بأنّنا في معظم مواقفنا نكون في حالة رد فعل على الحدث، “قبل الاغتيال كان هناك تفاعل متقطع تبعاً للحدث، فبالرغم من أنّنا أصحاب القضية والتاريخ.. لم نأخذ المبادرة، وغالباً ما تكون مبنية على انفعالات، ونحن من نملك الوقائع، والاحتلال أدرك الأمر جيداً بحربه الثقافية، والإعلام العربي ساهم، إما بتغييب القضية أو ببهتانها، وأحياناً يساوي بين الضحية والجلاد، وحتى المؤسسات التي تؤيد القضية تكون بمنحى عاطفي ومسيّس أكثر”.

تعتبر حريري أنّ ما حدث أسّس لمرحلة جديدة وخاصةً بتفاعل الغرب مع القضية، ففي قضية حي الشيخ جرّاح استفاد الشباب مما حدث، دون أي أسلوب خطابي وعاطفي، فاستطاعوا التركيز على الاعتداءات، وتقول: “هنا أهمية وسائل التواصل الإجتماعي، من المهم نسيان خلافاتنا، والتركيز على ما يحدث ونقله بلغات متعددة، لنستطيع تحقيق مجموعات ضغط، والدليل على تأثّر الغرب، هو محاربة كل محتوى فلسطيني على المواقع الإلكترونية”.

وعن الأزمة التي أحدثها استشهاد شيرين عند الاحتلال، تعود حياة حريري إلى مشهد الشباب الحاملين لنعشها والاعتداء عليهم، في مدى قوة رسالتها الإعلامية، وما دفعهم من رد فعل هجمي ووحشي حتى بعد موتها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,