معركة “ثأر الأحرار” محطة في مسيرة النضال الفلسطيني: قراءة في النتائج والانعكاسات المستقبلية

التصنيفات : |
مايو 16, 2023 6:40 ص

*قاسم قصير

شكّلت معركة “ثأر الأحرار” التي خاضتها قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، محطة جديدة في مسيرة النضال الفلسطيني بعد مرور 75 عاماً على تأسيس الكيان الصهيوني في العام 1948، وقد يكون التزامن بين توقيت هذه المعركة وبين ذكرى التأسيس المشؤومة ليس مخططاً له من قِبل المسؤولين الصهاينة، ولكنّه يحمل دلالات مهمة ينبغي التوقف عندها من أجل معرفة أفق المستقبل لهذا الصراع.

فالعدو الصهيوني بدأ هذه المعركة من خلال استهداف قيادات في حركة الجهاد الإسلامي مع عائلاتهم وأطفالهم بهدف استعادة زمام المبادرة، وللرد على العمليات التي وصلت إلى داخل عمق الكيان، وللهروب من الصراع الداخلي، ومن أجل بث الانقسام بين قوى المقاومة عبر التركيز على حركة الجهاد الإسلامي وقياداتها العسكرية والميدانية. لكن ما جرى خلال الأيام الماضية من تفاصيل ميدانية وسياسية وإعلامية أدى إلى نتائج عكسية لما يريده العدو الصهيوني، وإن كان القتال والقصف المباشر قد توقف بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة في قطاع غزة، فإنّ الصراع لم ينتهِ وهذه جولة أو محطة جديدة في هذا الصراع الطويل.

فما هي أبرز نتائج هذه المعركة الجديدة ودلالاتها السياسية والعسكرية والأمنية، وكيف ستكون انعكاساتها المستقبلية على هذا الصراع الطويل ومستقبل الكيان الصهيوني بعد 75 سنة على تأسيسه؟.

اعتمد الاحتلال على قاعدة الاستفراد بحركة الجهاد لمنع توسُّع المعركة، لكنّ رد قوى المقاومة واعتماد العمل من خلال غرفة العمليات المشتركة نسف أهداف العدو

من خلال الاطلاع على العديد من التقارير التي نُشرت حول العمليات العسكرية، سواءً من وجهة النظر الصهيونية أو العربية والفلسطينية، يمكن وضع أبرز الملاحظات على نتائج معركة “ثأر الاحرار”، وهي التالية:

أولا: عمد العدو إلى تصعيد العمليات واستهداف قيادات حركة الجهاد الإسلامي وعائلاتهم لاستعادة زمام المبادرة وتخفيف حالة الاحتقان والصراع داخل الكيان، وهو اعتمد على قاعدة الاستفراد بحركة الجهاد لمنع توسُّع المعركة، لكنّ رد قوى المقاومة واعتماد العمل من خلال غرفة العمليات المشتركة نسف أهداف العدو وأكد قدرات المقاومة على الرد واستيعاب الضربات التي استهدفت قيادات حركة الجهاد الميدانية.

ثانيا: على الصعيدين العسكري والميداني، أطلقت قوى المقاومة مئات الصواريخ من مختلف الأحجام وطالت معظم المناطق داخل الكيان الصهيوني ولم ينجح العدو في منع سقوط هذه الصواريخ رغم استخدامه كل المضادات الصاروخية، فسقط حوالي 66 % من الصواريخ التي أُطلقت، وهذا يؤكد فشل المنظومات المضادة للصواريخ التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي، مما يعني أنّ أي حرب كبرى في المنطقة سيكون لدى قوى المقاومة القدرة على إصابة معظم المناطق والمدن داخل الكيان، ولن يستطيع جيش الاحتلال إيقاف هذه الصواريخ عن بلوغ أهدافها.

ثالثا: رغم توجيه العدو الصهيوني بعض الضربات القاسية ضد قيادات “الجهاد الإسلامي”، فإنّ الحركة اتسمت بقوة الصمود والاستمرار في إدارة العمليات العسكرية، بل إنّ سقوط القادة الشهداء أعطى زخماً قوياً لفصائل مقاومة، وهذا ما لوحظ خلال مسيرات التشييع والدعم الشعبي الكبير لقوى المقاومة.

كان هناك تنسيق عالٍ بين كل قوى المقاومة، سواء داخل فلسطين أو خارجها، وكانت هناك تحضيرات واستعدادات ميدانية لمتابعة المعركة على مستويات مختلفة في حال تطورت الأوضاع العسكرية والميدانية.

رابعا: كان هناك تنسيق عالٍ بين كل قوى المقاومة، سواء داخل فلسطين أو خارجها، وكانت هناك تحضيرات واستعدادات ميدانية لمتابعة المعركة على مستويات مختلفة في حال تطورت الأوضاع العسكرية والميدانية.

خامسا: كان هناك تزامن بين إدارة العمليات التفاوضية عبر الوسيط المصري وبين الإدارة الميدانية، بحيث كانت شروط قوى المقاومة بوقف كل عمليات الاغتيال والقصف قبل وقف اطلاق النار، ولم تبرز أي إشكاليات في إدارة العملية السياسية وكذلك على صعيد الإدارة الإعلامية والحرب النفسية، وتمّ تحويل المشكلة إلى داخل الكيان الصهيوني من خلال الاستهداف الميداني لكل المناطق والتاكيد على الاستعداد الكامل للقتال بما يؤكد عدم تحقيق العمليات العسكرية للاحتلال أهدافها.

وعلى ضوء هذه الملاحظات، ولأنّنا قادمون على مرحلة أشد خطورة وخصوصاً على أبواب قيام المستوطنين بتنفيذ مسيرة الأعلام قرب المسجد الاقصى في 18 أيار/مايو الجاري، فإنّ حالة الاستنفار ستستمر وسنشهد المزيد من المواجهات في المرحلة المقبلة، سواءً في الضفة الغربية أو في القدس أو في قطاع غزة أو على الجبهات الأخرى، مما يعني أنّ الصراع سيتصاعد في المرحلة المقبلة، وهذا يتطلب المزيد من التعاون والتنسيق بين قوى المقاومة والاسراع بترتيب الجبهات الداخلية والتحضير لمواجهات أخرى، فالصراع مع هذا الكيان يتطور وعمليات التطبيع التي بدأت في السنوات الماضية بينها وبين بعض الدول العربية تتراجع، ومحور المقاومة يزداد قوة، كما الاتفاقات والتسويات التي تحصل بين الدول العربية وبين هذه الدول وإيران وتركيا كلها تعطي المجال لمزيد من دعم خيار المواجهة وتعزيز المقاومة في المستقبل، ويعطي الأمل بأنّ المرحلة المقبلة ستكون لصالح الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني المتآكل من الداخل.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,