البحيصي لـ”صمود”: إذا خسر الغرب مشروعه في فلسطين تحقّقت أكبر هزيمة تاريخية له وهذا الشرق سينهض من جديد (الجزء الثاني)

التصنيفات : |
مايو 30, 2023 7:30 ص

*صمود – سنان حسن:

نتابع في الجزء الثاني من الحوار الخاص بموقع “صمود”، مع رئيس جمعية الصداقة الإيرانية – الفلسطينية، الكاتب والباحث الدكتور محمد البحيصي، الحديث عن فلسطين وعلاقتها بمحيطها في ظل التطورات التي تعيشها المنطقة، على وقع المصالحة السعودية – الإيرانية والسعودية – السورية. وفي الشق الثاني يتحدّث البحيصي عن الوضع في “إسرائيل” في ظل الصراعات الداخلية وعلاقتها الخارجية وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية.

*”صمود”: أعادت القمة العربية، التي عُقدت مؤخراً في جدة، التشديد مرة أخرى على مركزية القضية الفلسطينية.. كيف تقرأ ما خلُصت إليه؟.

**البحيصي: “تمثّلت أهمية القمة العربية التي عُقدت في جدة، باستعادة سوريا دورها وحضور الرئيس الأسد والخطاب الذي ألقاه، وبالتالي علينا أن ننتظر لكي لا نرفع السقف من التفاؤلات وحتى لا نقع في إحباطات كبرى علينا أن نتريث قليلا، ولكن على الأقل في المرحلة الراهنة والمستقبلية فالدور العربي السلبي تجاه سوريا سيتراجع كثيرا، إن لم يتحول إلى دور إيجابي. أما الموضوع الفلسطيني، فمنذ المبادرة العربية التي قُدّمت في قمة بيروت 2002 والحديث يتكرر عن فلسطين وحل الدولتين والقدس وما إلى ذلك. ولكن ماذا فعل العرب؟، هل وضعوا آليات لهذه المبادرة؟، هل ضغطوا على الأمريكان؟، لم ينفّذوا شيئاً من وعودهم، بل على العكس ذهبوا باتجاه التطبيع المجاني مع “إسرائيل”. لقد كان بإمكانهم استخدام ورقة التطبيع مقابل الحصول على بعض المستحقات من الإسرائيليين وأن يمارسوا ضغوطاً باتجاه تنفيذ المبادرة العربية التي تحدثوا عنها خلال قمة جدة الأخيرة”.

ضرورة للفريقين

*”صمود”: شكّلت المصالحة السعودية – الإيرانية نقطة تحوّل كبرى في الإقليم، كيف تقرأون هذه المصالحة وانعكاسها على فلسطين والتطبيع مع العدو الإسرائيلي؟.

**البحيصي: “بداية، المصالحة السعودية – الإيرانية ضرورة للفريقين ولفلسطين، ولمصلحة وقف نزيف هذه الأمة ولنترك النوايا للزمن.

أما محاولة السعودية تسوية الوضع الداخلي الفلسطيني من خلال تحقيق مصالحة بين حركتي فتح وحماس تمهيداً للتطبيع مع الاحتلال، فهو أمر غير مستبعد. مؤخرا، سرّبت القناة الـ13 الإسرائيلية أنّ هناك اتصالاً بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، بوساطة بحرينية وبطلب سعودي، تمّ خلاله مناقشة التطبيع بين البلدين، وعليه، نحن نقول أنّه لولا الضوء الأخضر السعودي لما تجرأت دولة كالبحرين أن تفتح أبوابها لـ”إسرائيل” بالذات، لطبيعة الدور السعودي فيها”.

السعودية ليست بعيدة عن التطبيع

ويضيف البحيصي: “إذا، السعودية ليست بعيدة عن التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وهم تكلموا بصراحة أنّ “إسرائيل” ليست عدوة، وبالتالي يمكن للسعودية أن تلعب دوراً على الساحة الفلسطينية، وهي حقيقة مؤهلة للعب هكذا دور لما تتمتع به من قدرات وإمكانيات، وترى في هذا الدور ضرورة لها، وفي الضفة الأخرى علاقاتها مع “إسرائيل” حتى تُكمل هذا الدور، رغم أنّها ليست بحاجة إلى مبرر”.

مصالحة السعودية لإيران ما هي إلا خطوة على طريق إعلانها التطبيع مع “إسرائيل”، لأنّه وبنفس المعيار، أنت تصالحت مع إيران التي كنت تعدّها عدواً تاريخياً وبالتالي لماذا لا يجوز أن تتصالح مع “إسرائيل”؟

وأردف البحيصي: “إنّ ما يجري اليوم، نشتم منه رائحة تطبيع، خاصة أنّ مشروع 2030 يحتاج إلى استقرار كامل في المنطقة ومصالحات كبيرة حتى مع الكيان الصهيوني، ومصالحة السعودية لإيران ما هي إلا خطوة على طريق إعلانها التطبيع مع “إسرائيل”، لأنّه وبنفس المعيار، أنت تصالحت مع إيران التي كنت تعدّها عدواً تاريخياً وبالتالي لماذا لا يجوز أن تتصالح مع “إسرائيل”؟.

أما بالنسبة لمحور المقاومة في فلسطين والمنطقة وخاصّة في اليمن فإنّنا نرى أنّه لولا وجود المقاومة لما رأينا ما جرى في الرياض أو ما جرى في الصين.

سوريا قلب الجبهة الشمالية

*”صمود”: مؤخرا، شهدت الجبهات حول فلسطين أحداثاً ساخنة (إطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة).. هل ستُفتح جبهة الجولان قريبا؟.

**البحيصي: بالنسبة لفتح جبهة الجولان، “إسرائيل” نفسها كانت تصنّف الجبهة الشمالية في مراكز الأبحاث والدراسات والأمن القومي على أنّها الجنوب اللبناني فقط، ولكن اليوم باتت هذه المراكز تصنف الجبهة الشمالية على أنّها سورية ممتدة إلى العراق وإيران. ولهذا، فإنّ سوريا في قلب الجبهة الشمالية وهذه الرؤية الإسرائيلية يجب تحليلها، وبالتالي يتعاطون ويحكمون من خلال هذه الرؤية، أما الإخوة في سوريا فإنّهم أدرى بقدرتهم على إدارة المعركة بأقل الخسائر مع الإبقاء على جذوة المواجهة قائمة مع هذا الكيان إلى حين زواله الحتمي”.

الهوية اليهودية غير متحقّقة

*”صمود”: منذ وصول نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة إلى السلطة والحديث يدور عن حرب أهلية وصراع داخلي، ما حقيقة ما يجري في كيان العدو؟.

**البحيصي: “المؤكد أنّ هذا الصراع ليس من أجل رغبة نتنياهو بتثبيت سلطته للمرة السادسة، أو أن يهرب من القضاء، وليس تعبيراً عن الديموقراطية وحرية التعبير.. المسألة أكبر من ذلك. وليست المسألة أن يكون “سموتريتش” أو “بن غفير” في الحكومة أو لا يكونا، فالصراع أعمق من هذا وله علاقة بالبنية التي تصل إلى الرؤية الوجودية لهذا الكيان. بعد 75 سنة، مرّ الكيان الصهيوني خلالها بأطوار اكتشف فيها أنّه أمام معضلة الهوية اليهودية. هم أقرّوا سابقاً قانون القومية وكل منظّريهم تحدّثوا عن “الدولة اليهودية” أمثال “تيودور هرتزل” في كتابه “دولة اليهود”، ولكن ما زال تعريف اليهودي ملتبس عندهم، هذا الالتباس والاختلاف فيه تعيشه جماهير الكيان اليوم، فإذا كنّا نريد أن نكون “دولة يهودية” ونحن لا زلنا مختلفين على تعريف اليهودي، كيف يمكن أن يستمر هذا المجتمع؟، متماسكاً بهوية جامعة، والهوية الجامعة لا زالت غير متحققة، والجيش الذي كان البوتقة القادرة على صهر التناقضات بات أقرب إلى فقد هذه الوظيفة”.

قوة الجذب الإسرائيلية بعناوين علمانية لم تعد قادرة على أن تحافظ على ما تحقّق من مشروع صهيوني وأن تستجلب مزيداً من اليهود

ويستطرد البحيصي: “منذ البداية، قالوا إنّ الدين هو قومية، وبالتالي ما هو الدين الذي يصحّ معه أن يكون هذا يهودياً وذاك غير يهودي.. وعليه، إذا بقيت الفكرة هكذا ستضرب في العمق، فقوة الجذب الإسرائيلية بعناوين علمانية لم تعد قادرة على أن تحافظ على ما تحقّق من مشروع صهيوني وأن تستجلب مزيداً من اليهود، والهوية الدينية محل التباس وخلاف، كذلك الوضع الأمني الذي وعد به اليهود، أن تكون “إسرائيل” واحة للأمن والسلام وواحة ديمقراطية، لم يعد متوفرا، وكذلك الوضع الاقتصادي لم يعد متاحاً أيضا، فاللاجئ اليهودي يقضي عمره وهو يسدد قروضه للمصارف من أجل السكن والسيارة، والجانب الأمني لم يعد مقنعا”.

الصهيونية العلمانية استنفذت فرصها

يقول البحيصي: “إنّ “إسرائيل”، كل “إسرائيل” بحاجة إلى إعادة بناء، العلمانيون الصهاينة أخذوا دورهم وكان لهم فضل تأسيس الكيان، وكما نعلم أنّ الكيان الصهيوني أسسه الصهاينة العلمانيون الملحدون (من هرتزل مروراً ببن غوريون وصولاً إلى إسحاق رابين وشمعون بيريز) الذين كانوا يوظفون الدين لجذب المزيد من الاستيطان والمستوطنين، رغم أنّهم لم يكونوا يمثّلون العمق الديني في جذره، بمعنى أدق: الصهيونية العلمانية المرتبطة بالليبرالية الغربية وبالقومية على النمط الغربي استنفدت أغراضها وفرصها وهي غير قادرة ولا تستحق أن تحكم “إسرائيل”، والشارع اليهودي في فلسطين الذي بات المتدينون فيه يتزايدون ويقومون بمهام الاستيطان في الضفة الغربية من حقّهم أن يستكملوا هذا المشروع ويهيمنوا على الكيان”.

 بناء “إسرائيل” الثانية

يشير البحيصي إلى ما يجري في “إسرائيل” اليوم بين فريقين: “فريق يريد أن يجدد بنية الكيان بطريقته التي تعتمد من جديد على النص الديني وعلى البعد الروحي القادر أن يجعل لليهودي المقيم في فلسطين قضية مقدسة، ويستعيد الروح الاندفاعية الأولى التي مثّلها المستوطنون الأوائل، الذين كانوا في سياق المشروع الغربي الذي قام بطردهم من أوروبا وتأسيس وطن فتي جديد لهم يداعب مخيلاتهم، أي كان هناك حافز آخر غير الروحي للمجيء إلى فلسطين من خلال الطرد الخارجي.. اليوم لم يعد هذا موجوداً بل أصبح هناك عملية طرد من الداخل مع تراجع الخط العلماني والبعدين الأمني والاقتصادي، والهوية الجامعة التي باتت مهددة وأصبح الطرد بالعكس من الداخل إلى الخارج، وبالتالي هم بحاجة الآن على الأقل أن لا يقع هذا الطرد إن لم يكن استدعاء للآخر من الخارج. وقد برزت أكبر تجليات هذا الأمر في الجيش الإسرائيلي وقدرته ونسبة التسرب منه والتهرب من الاحتياط.

وفريق المستوطنين الذين يمثّلون الخط الديني يعدّون أنفسهم الأكثرية، ويواجهون وحدهم الفلسطينيين لهذا تمّت الدعوة إلى تشكيل الحرس الوطني وشبيبة التلال، هذه الميليشيات الاستيطانية يمثّل المستوطنون فيها رأس الحربة.

وعليه، فإنّ الانقسام الحاصل في الشارع هو انقسام غير عابر وإنّما هو حصيلة تحولات في بنية المجتمع الإسرائيلي على صعيد الأيديولوجيا والبنية الاجتماعية، بمعنى آخر هؤلاء يريدون بناء “إسرائيل” الثانية عبر تجديد الخطاب الديني. لهذا رأينا أنّ جزءاً كبيراً من الموازنة تمّ تخصيصه لبناء المعاهد والمدارس الدينية وتأسيس الميليشيات تحت عناوين حماية المستوطنين”.

اليهود أداة المشروع الغربي

ويتحدّث البحيصي عن رعاة المشروع الصهيوني في فلسطين: “أجزم أنّ أمريكا وبريطانيا لن تسمحا لـ”إسرائيل” أن تتآكل، وفي النهاية سيقفان مع الفريق الذي يحافظ على “إسرائيل”، لأنّها ما زالت تقوم بالدور والمهمة ووظيفتها التي تتعدى منطق المصلحة المجردة، فالغرب يتحدّث عن قيم مشتركة، وجذر اعتقادي واحد للفريقين الأوروبي والأمريكي، والإسرائيلي اليهودي، مع ملاحظة أنّه حتى في هذا الجذر الاعتقادي فإنّ الفريقين ليسا على وئام وانسجام والسبب يعود للبعد الديني، وهذا له علاقة كيف تنظر الكنيسة الكاثوليكية لليهود، وهي التي وضعت حلاً للمشكلة اليهودية أسمته الخلاص اليهودي وهو أن يتحوّل اليهود إلى مسيحيين، وليس إقامة كيان لهم، أما الذي ذهب إلى تأسيس كيان لليهود وهم البروتستانت والذين في صراعهم مع الكاثوليك رأوا أنّ الخلاص اليهودي يتمّ عبر منحهم أرضاً وتأسيس كيان لهم في فلسطين لأن ذلك يُعجّل في الخلاص اليهودي والمسيحي، فهم يلتقون في نقاط ويختلفون على أخرى، وفي كل الأحوال اليهود هم مجرد أداة في المشروع الغربي وليسوا أصحاب المشروع”.

جزء من الثقافة الأوروبية

يعتبر البحيصي أنّه يجب أن “لا نغفل العبقريات اليهودية التي ظهرت هنا وهناك، وللعلم هذه العبقريات لم تأتِ لسبب جذور دينية (أينشتاين – نيوتن) بل لأنّهم أبناء بيئتهم الأوروبية هؤلاء الذين نجحوا في تأسيس “إسرائيل” ليس لأنّهم يهود، بل لأنّهم جزء من الثقافة الأوروبية ولهذا لم يكونوا متدينين.

إنّ صاحب المشروع يمكن أن يترك أدوات المشروع تختلف وتصطرع وتتناقض وهو يراقب، وعندما يرى أنّ هناك خطر على المشروع برمّته يتدخل

وعليه، فإنّ صاحب المشروع يمكن أن يترك أدوات المشروع تختلف وتصطرع وتتناقض وهو يراقب، وعندما يرى أنّ هناك خطر على المشروع برمّته يتدخل، تماماً كما حصل عندما اتصل الرئيس الأمريكي جون بايدن بنتنياهو وطلب منه أن يسحب مشروع الإصلاحات القضائية، وفوق ذلك لم يدعه لزيارة واشنطن”.

هزيمة تاريخية للغرب

ويضيف: “لكن دون أن نتوهّم أحياناً ونخلط بين الأماني والواقع، أنّهم سيختلفون غداً ومن ثم يقتتلون، حتى إذا أرادوا ذلك سيمنعهم الأمريكان والبريطانيون بقوة، لأن الغرب إذا خسر مشروعه في فلسطين تحقّقت أكبر هزيمة تاريخية له لم يسبق لها مثيل وهذا الشرق سينهض لأنّ الذي يعيق نهوضه هو المشروع الغربي الذي تمثّل “إسرائيل رأس حربته.
وهنا حاول أن تقرأ مشهد متخيّل عن زوال “إسرائيل”، ماذا يمكن أن يحدث هل سيصمت  العالم الغربي؟، هل سيحتمل الهزيمة التاريخية لهذا المشروع الذي اشتغلوا عليه قرونا؟. بالتأكيد، انهيار “إسرائيل” سيتبعه انهيارات كبيرة في المنطقة وتغيير الخارطة كاملة وستسقط أنظمة وكيانات وُجدت لتحمي هذا الكيان”.

الملاذ الأخير

ويختتم البحيصي حواره لـ”صمود” بالقول: “يبقى الجيش الإسرائيلي الملاذ الأخير للكيان الصهيوني، والبوتقة التي يصهر فيها الجميع وربما تظهر قيادات جديدة في الجيش أكثر تطرفاً وانسجاماً مع الحالة الدينية المتطرفة للحريديم لتنفيذ سياسات المتطرفين بعيداً عن الاملاءات الداخلية والخارجية، ما لم تحدث حرب من خارج الحسابات ويخسر فيها الجيش خسارة كبيرة وتتحقق فيها النبوءة اليهودية الإسرائيلية التي تقول إنّ “إسرائيل” لا تحتمل خسارة حرب حيث ستنتهي، نعم هي تخسر معركة جزئية.. لكن في حرب كبيرة سيكون الوضع مختلفاً تماما، وهذا ما يمثّل الكابوس في حياة هذا الكيان الغاصب”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,