خطاب السيد والحرب التي نريدها

التصنيفات : |
مايو 31, 2023 6:40 ص

*أحمد حسن

كعادته، حفل خطاب السيد حسن نصر الله الذي ألقاه في عيد المقاومة والتحرير لهذا العام بالكثير من الحقائق والرسائل المعلنة والمضمرة للداخل والخارج، وإذا كان الخوض فيها جميعاً يحتاج إلى كلام كثير، فإنّ من الواجب التركيز على رسالة تبدو أهمها، وأخطرها، على الإطلاق وهي تلك التي ردّ فيها على تهديدات “نتنياهو” بالقول إنّنا نحن، أي محور المقاومة من يهددكم بالحرب الكبرى.

والأمر، فإنّ أهمية هذا الإعلان تكمن في أنّ الترحيب والاستعداد للحرب الكبرى الذي عبّر عنه السيد -وهو في أحد أدواره ومهامه لسان حال المحور الصادق- لا يجب إدراجه فقط في سياق السجال الحربي بين المقاومة وكيان الاحتلال كتأكيد على وحدة الساحات من جهة أولى، وكـ”قول” رادع يحاول، من جهة ثانية، إبعاد شبح الحرب الذي ملأت به “إسرائيل” وساستها منابر وشاشات المنطقة خلال الأيام الأخيرة، بقدر ما كان، أي إعلان السيد، دعوة استفزازية متحدّية لتقريب موعدها، لأنّ الميزان العسكري والبشري، بحسب السيد، مال لمصلحة قوى ودول “المحور” التي تجاوزت مراحل الإعداد العملياتي إلى مرحلة الجاهزية الكاملة للحرب، ولأنّ “إسرائيل” أكثر من يعرف صدقه فإنّ هذا “القول” سيجد، وقد وجد، صدى أكبر داخل مؤسساتها المعنية.

استعاد محور المقاومة أخيراً قرار بدء الحرب الذي خرج من أيدي العرب منذ أكتوبر 1973

بهذا المعنى يمكن قراءة، وتأريخ، خطاب السيد الأخير كتأكيد على لحظة ميلاد مرحلة جديدة في الصراع مع الكيان المحتل تشي بأنّ محور المقاومة قد استعاد أخيراً قرار بدء الحرب الذي خرج من أيدي العرب منذ أكتوبر 1973 على الأقل، رغم كل الملابسات المعلنة والمضمرة التي رافقت تلك الحرب من حيث اقتصار شجاعة قرار “البدء” حينها بنيّة إطلاق حرب تحريك لا تحرير بحسب نصيحة هنري كيسنجر ثعلب السياسة الغربية للرئيس السادات الذي التزم بها حرفيا، وبالتالي كان “البدء” هناك يهدف لقيام حرب وظيفية مهمتها إنتاج “سلام” ما، (وقد أنتجت فعلياً “كامب ديفيد”، وملحقاتها، بتبعاتها الكارثية على القضية الفلسطينية وعلى العرب جميعا)، في ما يبدو تلويح حزب اللّه اليوم بالقدرة على “البدء” بمثابة إطلاق شرارة حرب تحرير لا تحريك ربما كانت “مناورة العبور” التي شهدها الجنوب اللبناني الأخيرة أبرز معبّر عنها وعن أهدافها، من حيث انضوائها، أي المناورة، على قرار نهائي بنقل أي معركة قادمة إلى داخل الأرض المحتلة ذاتها.

هل وصلت واشنطن، وحلفاؤها من أغراب وأعراب، إلى تلك المرحلة من الضعف الذي يدفعهم للتخلي عن “إسرائيل”؟، وهل فقدت هذه الأخيرة دورها ووظيفتها التاريخية التي قامت بها ولأجلها طوال المرحلة الماضية؟

بيد أنّ ذلك يطرح، لأهميته وخطورته وعلاقته بالنظام العالمي بأسره، أسئلة عدّة ينطلق بعضها من جهوزية “المحور” -بمجموعه كما بمكوناته منفردة سواء دوله أو قواه وتحديداً الفلسطينية منها- سياسياً وليس عسكرياً فقط لهذ الحرب، كما يدور بعضها الآخر حول مناسبة اللحظة الدولية الحالية لذلك، فهل وصلت واشنطن، وحلفاؤها من أغراب وأعراب، إلى تلك المرحلة من الضعف الذي يدفعهم للتخلي عن “إسرائيل”؟، وهل فقدت هذه الأخيرة دورها ووظيفتها التاريخية التي قامت بها ولأجلها طوال المرحلة الماضية؟، والأهم: هل يرغب أطراف المحور العالمي الصاعد، وتحديداً الصين وروسيا، بهذه الحرب الكبرى بنتائجها التي يطمح إليها “الحزب” و”المحور”؟، أم أنّهما يريدان أيضاً الحفاظ على بقاء “إسرائيل” للقيام بالدور ذاته وإن بأسلوب مختلف شكلياً ولكن بالمحصلة لصالح نظرتهما للمنطقة والعالم؟؟، وتلك أسئلة يبدو أنّ النفي هو الجواب الوحيد عليها حاليا، مع استثناء السؤال الأخير من ذلك.

بالمحصلة كلام نصر الله هو إعلان جليّ عن بدء مرحلة جديدة ومتقدمة في الصراع وهي تحديداً مرحلة امتلاك المحور لقرار بدء الحرب لا انتظارها، لكن وضعه موضع التنفيذ يحتاج إلى وقت آخر وحسابات أخرى بعضها خارجي وبعضها داخلي يتعلق بأطراف “المحور” ذاتهم، أو إلى خطأ استراتيجي كبير يرتكبه طرف ما، وهو خطأ يمكن أن يحدث في أي لحظة في ظل ارتفاع حدة “السيولة” واللايقين في السياسة العالمية كما ارتفاع حدة الرهانات الكبرى في عالم يقف فعلياً على حافة حرب كبرى قد لا تبقي ولا تذر.

ذلك كله وارد.. والأيام حبلى.

*كاتب سوري  


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,