قتل وترهيب.. عصابات الداخل المحتل تعزف على وتر الكيان

التصنيفات : |
يونيو 12, 2023 10:11 ص

*منى العمري – صمود:

لم يكتفِ الاحتلال الصهيوني بقتل الفلسطينيين وتشريدهم من أرضهم وديارهم، وحشرهم في مناطق محددة وضيّقة في الداخل الفلسطيني المحتل، لكنّه وبعد فشله في سلخهم عن هويتهم وشعبهم، لجأ إلى سياسة التدمير الداخلي.

كيف؟

المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، وبعد أن نجح في الحفاظ على هويته الوطنية، رغم محاولات التهويد والأسرلة والتغريب، يتعرّض اليوم لحملة جريمة منظمة تقودها عصابات مسلّحة وتتحرك دون رادع أو محاسب، حيث ارتفع عدد القتلى بين فلسطينيي الـ48 إلى 100 قتيل منذ بداية العام الجاري 2023.

وبحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، قُتل ليل العاشر من الشهر الجاري، أحد سكان النقب (25 عاما)، إثر إصابته بجروح خطيرة خلال شجار مع عمال أجانب في منطقة مفتوحة بالقرب من مستوطنة “أوفاكيم”، وتمّ الإعلان عن وفاته في مكان الحادث.

تشهد مدن وبلدات فلسطينيي الـ48 احتجاجات غاضبة تنديداً باستفحال الجريمة وتقاعس شرطة العدو، عن القيام بعملها في مكافحة الجريمة ومواجهة عصابات الإجرام وإلقاء القبض على الجناة

وجاءت جريمة القتل في الوقت الذي تشهد فيه مدن وبلدات فلسطينيي الـ48 احتجاجات غاضبة تنديداً باستفحال الجريمة وتقاعس شرطة العدو، عن القيام بعملها في مكافحة الجريمة ومواجهة عصابات الإجرام وإلقاء القبض على الجناة، وسط مؤشرات على تواطؤ أجهزة أمن العدو مع منظمات الإجرام.

قاعدة الكيان “فرِّق تسُد”

يُعدّ فلسطينيو الـ48 مجتمعاً عربياً تسود فيه مظاهر القبيلة والعشيرة، وما تشمله من عادات وتقاليد تتمثّل في الثأر والإنتقام، مما يجعل الأرض مهيّأة لتنفيذ جرائم القتل على هذه الخلفية، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة تكشف عن نسبة هذا العامل بصورة أساسية من بين العوامل الأخرى التي تقع جرائم القتل بسببها.

بجانب ذلك، يظهر عامل آخر يتعلق بانتشار المخدرات وعمل عصابات الجريمة المنظمة التي تبدو معنية بنشر حالة من مظاهر الفوضى بين فلسطينيي الـ48، رغم أنّ مدنها تنعم بهدوء داخلي كبير، وحالة من التصالح بين مختلف مكوناتها العائلية والسياسية، الأمر الذي قد يعوق مخططات الاحتلال في الإيقاع بينهم، إنطلاقاً من قاعدة الإستعمار القديمة – الجديدة “فرِّق تسُد”، ولَإن كانت أيادي الاحتلال تعبث بصورة ضمنية عبر توجيه تلك العصابات لضرب النسيج الإجتماعي الفلسطيني الداخلي، فسيكون، من وجهة نظرها، أفضل من التدخل السافر، وأقل كلفة عليها.

ليس سرّاً أنّ وجود حالة من الإنسجام الفلسطيني الداخلي من شأنه أن يُفشِل التوجهات الإسرائيلية المعلنة وغير السرية، القاضية بإيجاد حالة من التشظي والتفسخ تمهيداً لتمرير مشاريعها الخاصة بفلسطينيي الـ48، وهم القابضون على الجمر، والصامدون في وجه مخططات الأَسرلة والتهويد والصهينة والعبرنة، إذ تعتقد المؤسسة الرسمية الإسرائيلية الحاكمة، بشقيها السياسي والأمني، أنّ محافظة فلسطينيي الـ48 على تماسك داخلي وترابط ذاتي كفيل بإفشال تلك المخططات الاحتلالية الساعية للتخلص منهم، رويداً رويدا، تمهيداً لإعلانها “دولة يهودية”، “نقية” من أي قومية أخرى غير اليهودية.

الهدف هو إبعاد فلسطينيي الـ48 عن دائرة الإهتمام بفلسطين، القضية والأرض والوطن، ورفض القوانين والقرارات التي اتخذتها حكومات الاحتلال المتعاقبة باعتبارهم مواطنين من الدرجة العاشرة

يُشير كل ما تقدّم إلى أنّ الهدف بعيد المدى الذي تعمل في ضوئه المؤسسة “الإسرائيلية” الحاكمة من تسهيل ارتكاب هذه الجرائم، هو إبعاد فلسطينيي الـ48 عن دائرة الإهتمام بفلسطين، القضية والأرض والوطن، ورفض القوانين والقرارات التي اتخذتها حكومات الاحتلال المتعاقبة باعتبارهم مواطنين من الدرجة العاشرة، وتصويرهم على أنّهم مجتمع متخلّف يسود فيه منطق السلاح والقتل، وللأسف الشديد تظهر الأيدي المنفّذة لهذه المخططات الصهيونية فلسطينية عربية، من مرضى النفوس وضعاف القلوب الذين ارتضوا أن يكونوا بيادق بيد الاحتلال، ينقلها أنّى شاء خدمة لأهدافه الإستعمارية. (١)

علاقة تجمع العصابات بشخصيات يهودية

رغم الدعوات المتكررة من القيادات الفلسطينية في الداخل لشرطة الاحتلال بمواجهة هذه العصابات؛ إلا أنّ دعواتها لم تجد أي صدى، في ظل التأكيد على وجود شخصيات يهودية تعمل مع هذه العصابات وتدعمها، وهي مقرّبة من قيادة وزارة الحرب ومخابرات الاحتلال.

أكد المحلل السياسي بالداخل المحتل إبراهيم أبو جابر أنّ “8 عصابات إجرامية عربية، تتشارك مع عصابات يهودية، تعمل في تجارة السموم والسلاح والخاوة، والإقراض مقابل أموال طائلة، ثم السيطرة على ممتلكات المودعين، إضافة للخاوة التي تفرضها على شركات كبيرة بمئات آلاف الشواكل شهريا”.

وذكر أبو جابر أنّ “المؤسسة الرسمية للاحتلال لها يد في إشعال الفتنة بين هذه العصابات، التي تتركز جرائمها في الجليل وشمال المثلث والنقب أيضا”.

وفي هذا السياق، وصف رئيس مركز “أمان” لمكافحة العنف كامل ريان، أنّ ما يعيشه فلسطينيو الداخل من أحداث عنف بـ”النكبة الأكبر”، ‏إذ يشير إلى مقتل قرابة 1800 فلسطيني منذ العام 2000 نتيجة تفشي ظاهرة العنف والجريمة.

الأخطر يتمثّل في انتشار العصابات، وهي تعمل على إرهاب المواطنين وانتزاع ‏أموالهم بالإجبار”، وكل عصابة من هذه العصابات يبلغ عدد أفرادها قرابة 200 شخص مسلّحين ‏بكامل عتادهم

وأوضح ريان لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ ‏المجتمع العربي في الداخل المحتل يشهد سنوياً قرابة 35 ألف حالة إطلاق نار على المنازل والمؤسسات والمرافق العامة.‏

وذكر ريان أنّ “الأخطر يتمثّل في انتشار العصابات، وهي تعمل على إرهاب المواطنين وانتزاع ‏أموالهم بالإجبار”، كاشفاً أنّ عصابة من هذه العصابات يبلغ عدد أفرادها قرابة 200 شخص مسلّحين ‏بكامل عتادهم.‏

وبيّن أنّ “هذه العصابات باتت تتفوق على شرطة الاحتلال، في بعض الأحيان، إلكترونيا”.

 ويشير إلى أنّ “الاحتلال لم يكن يرغب في البداية بمواجهتها رغم قدرته على ذلك؛ لكنّ ‏الأمر اليوم أصبح أكثر تعقيداً وصعوبة”.‏ (٢)

أهدافٌ صهيونية مبطّنة

تتعدّد أسباب الجرائم وأنواعها وتداعياتها، وهي تُلقي بثقلها كما بانعكاساتها المدمّرة على المجتمع التي تحصل فيه، بكلّ مكوّناته، وصولاً إلى الكيان الذي يؤطّر ذلك المجتمع و”يحميه”، هذا ما يحصل في دول العالم، باستثناء الكيان الإسرائيلي الذي يستهدف المجتمع الذي يُفترض أن “يحتضنه” أو “يحميه”، أي المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل منذ سنة 1948.

حماية العصابات التي تنشط داخل المجتمع الفلسطيني، ومنها تلك المرتبطة بالعصابات الصهيونية المنظّمة، إضافة إلى الإسهام الإسرائيلي بانتشار السلاح بين الناس، وعدم ملاحقة المرتكِبين بجدية، وحتى غضّ الطرف عن الجرائم المتصاعدة بين المواطنين في أراضي الـ48

ومن ضمن أساليب الإستهداف الصهيوني لهذا المجتمع، تشجيع جرائم القتل بين أفراده أو شرائحه المختلفة، عبر حماية العصابات التي تنشط داخله، ومنها تلك المرتبطة بالعصابات الصهيونية المنظّمة، إضافة إلى الإسهام الإسرائيلي بانتشار السلاح بين الناس، وعدم ملاحقة المرتكِبين بجدية، وحتى غضّ الطرف عن الجرائم المتصاعدة بين المواطنين في أراضي الـ48، وكأنّها تحصل في بلد آخر؛ ناهيك عن الاحتلال الإسرائيلي، والذي يُعدّ بحد ذاته بيئة ملائمة لنموّ وتصاعد الجريمة في الداخل الفلسطيني منذ عقود. (٣)

وفي هذا الصدد، أكد عضو لجنة المتابعة العليا في الداخل المحتل محمود مواسي في حديثٍ خاص لوكالة “شهاب” للأنباء، أنّ “واقع الجريمة في الداخل المحتل شهد ارتفاعاً خلال الآونة الأخيرة، في ظل أنّ شرطة الاحتلال لا تحرّك ساكناً تجاه ذلك”.

وأضاف مواسي: “إنّ جيش الاحتلال يقف خلف العصابات في الداخل المحتل وهو من يقوم بتمويلها”.

وتابع: “هناك بعض تصريحات لعدد من ضبّاط شرطة الاحتلال أوضحوا أنّ العصابات في الداخل المحتل مرتبطة بالجيش الإسرائيلي”.

وشدد مواسي على أنّ “العصابات الإجرامية تهدد القيادات الوطنية في الداخل من أجل السيطرة على المدن العربية”، موضحاً أن “هناك أكثر من 40 رئيس سلطة محلية في الداخل يخضعون للحماية بعد التهديدات التي وصلتهم من هذه العصابات”. (٤)   

المصادر المتعلقة:

  1. https://www.trtarabi.com/opinion/%D8%A7%D
  2. https://palinfo.com/news/2023/05/08/835341/
  3. https://www.alzaytouna.net/2022/03/23/%D9%88
  4. https://shehabnews.com/post/119650/%D8

وسوم :
, , , , , , , , , , ,