“الرحلة المشرقية”.. هل يغتنم عباس اللحظة الصينية؟

التصنيفات : |
يونيو 15, 2023 5:18 ص

*أحمد حسن

كما أغلب دول العالم تتجه منطقتنا، بقواها الفاعلة والمتصادمة أيضا، نحو الصين باحثة، بالدرجة الأولى، عن تشبيك اقتصادي لا تغيب عنه -حكما- “النكهة” السياسية.

هذا ما فعلته السعودية مثلا، وهي اليوم -في المنظور السياسي والاقتصادي- قائدة قاطرة العرب، وذلك ما أبرزته وقائع “قمة جدّة” الأخيرة، دون أن يعني ذلك أنّها تقودهم، وتقود نفسها، نحو بكين كوجهة استراتيجية نهائية وبالتالي الإعلان عن القطع الكامل مع “الكعبة” الأمريكية المنافسة، فذلك إضافة إلى كونه أمراً مستحيلاً في هذه المرحلة، وحتى في المرحلة القادمة المنظورة، لكنّها، كسواها، تفعل ذلك لرسم موقع سياسي واقتصادي واستراتيجي أيضاً في ما يبدو اليوم كملامح لوحة قادمة حكماً لنظام عالمي جديد.

إذا كانت الدول العربية، والإقليمية، الأخرى تزور الصين للحصول على موقع اقتصادي على طريق الحرير الجديد، فإنّ فلسطين أولى من غيرها في ذلك لكن ليس فقط اقتصاديا، بل للبحث أولاً عن داعم سياسي يمتلك حجماً اقتصادياً ودولياً كبيراً

واليوم جاء دور فلسطين كي يظهر الرئيس محمود عباس في بكين باحثاً عن تشبيك ما معها، وتلك خطوة محمودة إذا وصلت إلى خواتيمها المعقولة وهنا بيت القصيد، فإذا كانت الدول العربية، والإقليمية، الأخرى تزور الصين للحصول على موقع اقتصادي على طريق الحرير الجديد، فإنّ فلسطين أولى من غيرها في ذلك لكن ليس فقط اقتصاديا، خاصة وأنّ ذلك يبدو مستحيلاً في ظل الظروف الحالية، بل للبحث أولاً عن داعم سياسي يمتلك حجماً اقتصادياً ودولياً كبيراً وفاعلاً بما يسمح بمراكمة أوراق قوة في مواجهة الانحياز الأمريكي السافر لـ”إسرائيل”، دون أن يعني هذا الرهان على أنّ “طريق القدس سيمر ببكين”، فذلك أيضاً فهم خاطئ للعلاقات الدولية وتعقيداتها وتشابكاتها، ومنها مثلاً تلك العلاقات القوية التي تجمع بكين و”تل أبيب”.

بيد أنّ الواقع الفلسطيني الحالي، بتعقيداته الداخلية وارتباطاته وتشعباته، لا يفتح مجالاً كبيراً للأحلام، خاصة وأنّ السؤال الكبير الذي تطرحه هذه “التشريقة” الفلسطينية بسيط للغاية، ومفاده: هل تسمح الشروط الموضوعية والذاتية لفلسطين، وبالتحديد لقيادة رام الله، في استثمار الزيارة، والمستضيف، والتغيرات الدولية العاصفة لإنتاج “مولود” جديد كما يأمل الجميع؟، لأنّ ذلك، إذا ما كمن، ولو في النوايا، لن يكون أقل من خطوة سياسية تحررية فعلية تحقّق ربحاً فلسطينياً كاملا.

تنحصر الزيارة، على ما تسرّب في الكواليس، بهدفين اثنين: أولهما “الزكزكة” على واشنطن عبر الطلب من بكين المساهمة في إحياء مفاوضات السلام مع “إسرائيل”، وثانيهما، مطالبتها بعدم فتح قنوات اتصال مع فصائل فلسطينية أخرى!

ذلك هو الحلم أو الرغبة الوطنية الحقيقية والصادقة، لكنّ الواقع، وأرضه، لا يبشران بذلك، لأنّ الارتباطات “القيادية” بـ”أوسلو” واشتراطاته تعني مواقع وفوائد وعلاقات و”وجود” شخصي مادي ومالي أيضا، وذلك ما يكشفه، ولو بخجل، حصر الزيارة، على ما تسرّب في الكواليس، بهدفين اثنين، أولهما “الزكزكة” على واشنطن عبر الطلب من بكين المساهمة في إحياء مفاوضات السلام مع “إسرائيل”، وثانيهما، مطالبتها بعدم فتح قنوات اتصال مع فصائل فلسطينية أخرى!، وهما أمران لا يبشّران بنتائج فعلية لصالح القضية، ولا يغطي على ذلك “القول الكبير” بأنّ اللقاء مع الجانب الصيني سيبحث ضمن بنود أخرى “القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”!.

بالمحصلة، هذه فرصة فلسطينية لاغتنام لحظة “خلخلة” في المواقع الدولية، ونأمل كما سوانا أن “يلعبها” الجانب الفلسطيني بمهارة وحرفية وأن يحبط التوقعات المتشائمة بفرصة أخرى ضائعة كما العادة، لكن ما يجب التنبيه إليه هنا وبما أنّ “الطائرة الرئاسية” في الشرق الآسيوي فربما تكمل رحلتها نحو أندونيسيا لشكرها على موقفها الأخير الذي دفع بوفد إسرائيلي لإلغاء مشاركته في مؤتمر دولي يُعقد في مدينة “بالي”، وذلك بعدما تمّ إبلاغ الوفد بأنّه لن يتمّ السماح له برفع العلم الإسرائيلي، كما أنّه لن يُذكر اسم “إسرائيل” في المؤتمر، وهنا، هنا فقط، يمكن أن يكون للرحلة المشرقية نتيجة مناسبة ومفيدة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,