“أشباح بيروت”.. التشويه الأكثر رداءة

التصنيفات : |
يونيو 16, 2023 7:47 ص

*خاص – صمود:

عماد مغنية، رضوان، أبو الدخان، الشبح، هدف الموساد، هوس السي آي إيه (CIA). كلّها ألقاب لرجل واحد، أراد المحتلّ تشويه صورته. ألقاب تظهر في بداية كل حلقة من مسلسل قيل إنّه وثائقي، ودرامي في الوقت نفسه، فلم يرقَ تقنياً إلى الوثائقيات، أما دراميا، فقد نجح بتقديم السردية المشوّهة بطريقة أقلّ ما يقال عنها إنّها سيئة، أسوأ حتى من هدف تشويه صورة بطل من أبطال المقاومة الإسلامية في لبنان.

البداية الكذبة!

تبدأ الكذبة الأولى من الجملة التي ترد في بداية كل حلقة من المسلسل التلفزيوني القصير، “أشباح بيروت” الذي عُرض على منصة (showtime) للبث التدفقي والكلاسيكي، كل يوم جمعة من الأسابيع الأربعة الماضية، وهي جملة تعريفية “هذا سرد خيالي لأحداث بحث عميق”. فلا البحث عميق ولا دقيق. يظهر عماد مغنية، منذ الحلقة الأولى إلى الرابعة والأخيرة، وكأنّه كائن منفصل عن أي سياق عام، لمجتمع وبيئة وشعب ووطن بأكمله. حتى عندما يكتب أحدهم سردية حول عدو، فإنّه على الأقل يعرض هذا العدو من موقعه الحقيقي الفعلي، ولو أنّه سيحكي عنه من زاوية رؤية مختلفة عن كونه بطلا، بل إرهابياً كما يدّعون، ولكن ذلك لا بد أن يكون بمعلومات حقيقية، واقعية، إذا أرادوا عملاً مهنياً كما يروّجون.

ظهر عماد مغنية وكأنّه تابع لإيران، فقط من أجل المال والسلاح، وقد وردت في المسلسل الكثير من التساؤلات حول وجود إيران في لبنان، وتُركت كلها بلا إجابة، بل أظهرت إيران هنا، وكأنّها تدير شاباً لأهدافها الخاصة، وأقحمت السيد محمد حسين فضل الله ليحذّر عماد مغنية منها

يظهر عماد مغنية مع زوج أخته مصطفى، إشارة إلى الشهيد مصطفى بدر الدين، وأخيه حيدر، في أغلب الأحداث الأولى التي جرت في فترة الثمانينيات، دون أي إشارة إلى ارتباط هذا الفكر باحتلال أرض، أو برؤية أيديولوجية. ظهر عماد مغنية وكأنّه تابع لإيران، فقط من أجل المال والسلاح، وقد وردت في المسلسل الكثير من التساؤلات حول وجود إيران في لبنان، وتُركت كلها بلا إجابة، بل أظهرت إيران هنا، وكأنّها تدير شاباً لأهدافها الخاصة، وأقحمت السيد محمد حسين فضل الله ليحذّر عماد مغنية منها. من الطبيعي أن لا ننتظر إعطاء أي حقّ لعماد مغنية من قِبل أعدائه، ولكنّنا نذكر ذلك على الأقل من باب المهنية العلمية التي يدّعونها.

أين البحث العميق إذا؟، حين تظهر القرية اللبنانية التي خرج منها أحمد، بالإشارة إلى الاستشهادي الأول أحمد قصير، وكأنّها قرية من العصور الوسطى، في وسط صحراء، فلا هكذا هي أرض الجنوب، ولا أتى أحمد قصير من بيت معزول منفصل عن حياة أهل قريته وعائلته وأقاربه. كما أنّ عملية إقناع عماد مغنية لأحمد قصير بإجراء العمل الاستشهادي الأول، كان فيه من التسخيف الذي اقتصر على لقاء واحد، وإغراء بتأمين حياة أخيه الصغير، وتعليق صوره على الجدران على أنّه بطل، وأنّه بضغطة زر يذهب إلى الجنة فورا!.

إنّ هذه الصورة التي أرادوا إيصالها فعليا، هي حتماً مقصودة، فعدم وضع أي سياق لعماد مغنية، إن من ناحية دينية أو إجتماعية أو وطنية، إنّما يُقصد به تعبيره عن نفسه فقط، وأنّه لا يعبّر عن إرادة شعبه، ووطنه،

ولكن، من ناحية أخرى يمكننا القول إنّ هذه الصورة التي أرادوا إيصالها فعليا، هي حتماً مقصودة، فعدم وضع أي سياق لعماد مغنية، إن من ناحية دينية أو إجتماعية أو وطنية، إنّما يُقصد به تعبيره عن نفسه فقط، وأنّه لا يعبّر عن إرادة شعبه، ووطنه، وكذلك إظهار الاستشهادي أحمد قصير، منفرداً مع إضفاء صفة الانتحار على فعله المقاوم، كان لا بد منه، لإظهاره برأيهم، منفصلاً عن مقاومة كاملة انبثقت من نسيج هذا الشعب الذي عانى الاحتلال. لا بد أن يُظهر فقط أنّ عماد مغنية قاتل للأمركيين في كل دول العالم، وأنّ اغتياله نصراً كبيراً لهم، هم الذين حرص معدّو هذا المسلسل على إظهار نواياهم تجاه “السلام ونبذ العنف والحروب”.

“الكليشيه” الذي لا يجيدون سواه

لقد كان من المضحك فعلا، إظهار عميلَيْ الموساد والسي آي إيه، اللذين أدارا عملية اغتيال عماد مغنية، حريصان على تجهيز السيارة المفخخة، بدقة، حتى تنفجر به فقط دون أن تصيب أيّ أحد من الأطفال الذي يتواجدون في الحضانة المجاورة لمكان الاغتيال المقرر. أرادوا أن يصدّق العالم أنّ المخابرات والأمريكية والموساد، الذين قادوا أعنف الاعتداءات والمجازر والاغتيالات التي اودت بحياة آلاف المدنيين حول العالم، يريدون أن يُقنعوا المشاهد أنّهم الأحرص على السلامة، أو على احترام الإنسان كما يظهرون في الحلقة الأخيرة، حين يطلب عميل الموساد من فريق عمله أن لا يصفّق أحد منهم ولا يُظهروا أي مظهر للاحتفال، عند تحقّق الاغتيال، احتراماً على حدّ زعمه.

ها هم الأمريكيون مجددا، يقتلوننا، ويصنعون أعمالاً درامية تُظهر كم أنّ قتلنا كان مؤلماً جدا لجنودهم

“أنا أكره هذا العمل”، جملة مضحكة أخرى، قالتها لينا، عميلة المخابرات الأمريكية بعد انتهاء عملية الاغتيال. ها هم الأمريكيون مجددا، يقتلوننا، ويصنعون أعمالاً درامية تُظهر كم أنّ قتلنا كان مؤلماً جدا لجنودهم.

سردية ركيكة!

لا يستحق الأمر الكثير من الحديث عن السياق الدرامي، فالسردية ضعيفة جدا، لم ترقَ الحبكة فيها إلى الترابط والتشويق اللازمين واللائقين بالهدف الذي تتباهى أمريكا و”إسرائيل” أنّهما وصلتا إليه بعد معاناة سنين طويلة.

الأداء التمثيلي ليس بتلك القوة اللازمة، حتى اللهجة اللبنانية، لم يُتقنها أحد في المسلسل، بل كأنّهم مجتمع هجين، لا يتحدث أحد منهم مثل الآخر.

لقد كان التركيز على حياته الشخصية وعلاقته بامرأة ثانية، يُظهرون إقامته علاقة غير شرعية بها، طلبه التزود بالأسلحة الكيماوية، المحرّمة دوليا، شربه الكحول، وتلقّيه دعوة بقضاء سهرة في ملهى ليلي من الشهيد قاسم سليماني والجنرال السوري محمد

السيناريو يفتقر إلى الكثير من الحوارات التي كانت فرصتهم الحقيقية في إغناء السردية المشوّهة التي يريدون إيصالها. لم نشعر بحجم هذه الشخصية ولا بقوتها وقوة ذكائها، بل تمّ عرض أفعالها بشكل عرضي. لقد كان التركيز على حياته الشخصية وعلاقته بامرأة ثانية، يُظهرون إقامته علاقة غير شرعية بها، طلبه التزود بالأسلحة الكيماوية، المحرّمة دوليا، شربه الكحول، وتلقّيه دعوة بقضاء سهرة في ملهى ليلي من الشهيد قاسم سليماني والجنرال السوري محمد، واللذين ظهرا كأنّهما وعماد مغنية، رجال عصابات تتعارض مصالحهم وتتلاقى.

إنّه فعلياً لتشويه ساذج، فهل يريدون أن يعتقد مؤيدوه بصورته هذه؟، أم أنّهم يتوجّهون إلى المشاهد الغربي الذي لا يعيب أبطاله شيئاً كونهم يشربون ويرتادون الملاهي الليلية؟، من هنا يفتقر المشاهد لإحساسه بأهمية وعظمة إنجاز الأمريكيين والإسرائيليين باغتيال هذه الشخصية.

كاتبة سيناريو ومنتجة منفّذة لبنانية!

لم نخض كثيراً في خلفيات صنّاع العمل، فهو أمريكي من إنتاج منصة أمريكية، يحمل الرؤيتين الإسرائيلية والأمريكية المشتركة، يلعب فيه دور عماد الشاب، الممثل الفلسطيني أمير خوري، وعماد في سن متقدمة لعب دوره الممثل الفلسطيني هشام سليمان، وكلاهما مثّلا في “فوضى”، مسلسل من إنتاج التلفزيون الإسرائيلي، والذي يتبنى الرواية الإسرائيلية، وعمد إلى تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، كما يلعب دور عميل الموساد، الممثل الإسرائيلي إيدّو غولدبرغ (Iddo Goldberg). ضمن كل ذلك، تظهر الممثلة اللبنانية جويل توما، كمشاركة في كتابة السيناريو، وكمنتجة منفّذة للمسلسل، ونقف هنا متسائلين، عن إمكانية حدوث ذلك بهذا الشكل العلني، دون حسيب أو رقيب، أو ملاحقة قانونية بجرم التعامل مع العدو، حتى لو كان من باب الثقافة والفن، فالقانون اللبناني لا يميّز نوع العمل، سواء عسكرياً أو تجارياً أو فنياً كان. 

هذه فترة يعاني فيها العدو، من مآزق عديدة، ولكنّها فترة أيضاً يظهر للعدو فيها أثر عماد مغنية على حركات المقاومة التي تتصاعد وتيرة عملياتها اليوم لتضيّق الخناق أكثر فأكثر عليه

ختاما، لم ننتظر من هذا المسلسل رواية منصفة وعادلة، ولكنّنا على الأقل انتظرنا عملاً يليق بما رُوّج أنّه يستند إلى معلومات استخباراتية عالية وبحث عميق ودقيق، وانتظرنا سردية أكثر إقناعا.

هذه فترة يعاني فيها العدو، من مآزق عديدة، ولكنّها فترة أيضاً يظهر للعدو فيها أثر عماد مغنية على حركات المقاومة التي تتصاعد وتيرة عملياتها اليوم لتضيّق الخناق أكثر فأكثر عليه

أما عن توقيت نزول المسلسل، فهذه فترة يعاني فيها العدو، من مآزق عديدة، ولكنّها فترة أيضاً يظهر للعدو فيها أثر عماد مغنية على حركات المقاومة التي تتصاعد وتيرة عملياتها اليوم لتضيّق الخناق أكثر فأكثر عليه. لذلك، يمكن أن نضع عرض المسلسل في سياق تشويه صورة بطل، وبالتالي بيئة ينتمي إليها، حتى لو أغفلوها، لإسقاط تلك الهالة الإيماينة والإنسانية عنه، ولكن، لو أنّهم أجادوا نسج كذبتهم هذه حتى يصدّقها العالم.

ويبقى لنا أن ننتظر أيضا، السردية الوطنية الحقيقية لهؤلاء الأبطال من المعنيين بالشأن الثقافي والفني في بلادنا، حتى لا نثبّت مقولة إنّ “الرواية التي لا تكتبها أنت، يكتبها عدوّك”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,