الاعتقالات السياسية تتصاعد والهدف: رأس المقاومة!

التصنيفات : |
يوليو 19, 2023 7:02 ص

*أحمد الطناني – غزة:

استعرت حملات الاعتقال السياسي بشكل غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة وتركزت بشكل مكثف في مدينة ومخيّم وريف جنين، مستهدفةً كوادر من “كتيبة جنين” وحركة الجهاد الإسلامي في المحافظة وجلّهم أسرى محررون ومقاومون.

بالرغم من أنّ حملات الاعتقال السياسي لم تتوقف يوما، إلا أنّها تجنبت استهداف مقاومي جنين طوال الفترة السابقة باستثناء بعض المقاومين المحسوبين على حركة حماس، بينما في هذه المرة من الواضح أنّ رقعة الاستهداف قد توسعت وهي ترتكز بشكل مباشر الحالة المقاوِمة في محافظة جنين بتوزيعاتها.

الاستهداف الذي بدأ خلال العملية العسكرية العدوانية على مخيّم جنين، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية مقاوميْن (من قرية جبع في ريف جنين) كانا في طريقهما لإسناد المخيّم، أحدهما قائد ومؤسس “كتيبة جبع” المقاوم مراد ملايشة، المطارِد للاحتلال من أكثر من عامين -لمن لا يعلم فإنّ الحالة المقاوِمة في جبع وبشكل خاص “كتيبة جبع” هي من أكثر الحالات نشاطاً وفعالية في تنفيذ عمليات واستهداف قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين- وقد أفلت المطارد “ملايشة” من عدة محاولات اغتيال واعتقال خلال الفترة السابقة.

لم تتوقف الأحداث عند اعتقال قادة كتيبة جبع، بل تمددت تدريجياً لتطال عدداً من الكوادر الفاعلة داخل قرية جبع، التي زارها وزير داخلية السلطة مؤكداً دعمه لقواته في القرية على إثر تظاهر المواطنين ضد الاعتقال السياسي الذي طال مقاومي البلدة.

زيارة رئيس السلطة والانتشار الأمني

تحت مبرر تأمين زيارة رئيس السلطة التي أتت على غير العادة ولأول مرة منذ أكثر من 18 عام، نشرت السلطة المئات من عناصرها في مخيّم جنين ومحيطه، ووفقاً لبيان صادر عن كتيبة جنين فإنّ الانتشار قد حدث بعد إتفاق بينها وبين قادة الأجهزة الأمنية يتضمن تعهداً من السلطة بإطلاق سراح المقاومين المعتقلين، مقابل التزام “الكتيبة” بمرور زيارة الرئيس بهدوء وسلاسة، وهو ما كان من طرف كتيبة جنين وأهل المخيّم، إلا أنّ السلطة لم تفِ بالتزاماتها.

وفقاً لمصادر صحيفة الأخبار فإنّ زيارة رئيس السلطة لم تكن بريئة وأجندتها ليست الأهداف المُعلنة، حيث أوضحت أنّ خلفيات الزيارة تندرج ضمن الخطّة التي وضعتها قيادات أمنية لإعادة السيطرة على مخيّم جنين، والتي تشمل تعزيز وجود الأجهزة الأمنية وسطوتها، وتنفيذ حملة اعتقالات بحقّ عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وتقتضي الخطة البدء بعملية جمع السلاح، ومنع المظاهر المسلّحة في المخيّم، وتنفيذ عمليات اعتقال لقائمة أشخاص من مدينة جنين في المرحلة الأولى، وصولاً إلى تنفيذ اعتقالات في المخيّم كمرحلة ثانية

وتقتضي الخطة، التي أقرّها عباس عقب اجتماعه مع قادة الأجهزة الأمنية في رام الله، وأعاد التشديد عليها خلال اجتماعه بقادة تلك الأجهزة في محافظة جنين، البدء بعملية جمع السلاح، ومنع المظاهر المسلّحة في المخيّم، وتنفيذ عمليات اعتقال لقائمة أشخاص من مدينة جنين في المرحلة الأولى، وصولاً إلى تنفيذ اعتقالات في المخيّم كمرحلة ثانية. ومن هنا، جاءت الزيارة في محاولة لتوطيد حضور حركة فتح في المخيّم والمدينة، وتعزيز معنويات الأجهزة الأمنية هناك وإظهار الدعم لها في المهمة المطلوبة منها خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً بعد تعاظم شعبية كتيبة جنين، وعودة حركة “حماس” إلى الظهور في المخيّم عسكرياً وشعبيا.

فشل الاحتلال بتحقيق أهداف عدوانه على جنين

فشل الاحتلال في تحقيق أهداف العدوان الإجرامي الذي استهدف مخيّم جنين وهدف بدرجة أساسية إلى استنزاف المقاومين فيه واغتيال واعتقال العدد الأكبر منهم وجمع أكبر قدر ممكن من قطع السلاح والعتاد وتفكيك البنى التحتية لكتيبة جنين والأجنحة العسكرية الفاعلة داخل المخيّم، ساهم في الدفع قدماً في دوائر صنع القرار بالدعوات لتعزيز السلطة ومنحها المساحة اللازمة للإيفاء بالتزاماتها الأمنية في مواجهة المقاومة.

هذا الدفع الذي أثمر مجموعة من القرارات اتخذها المجلس الوزاري المصغر في حكومة الاحتلال “الكابينيت” لدعم السلطة وتعزيزها، غالبها قرارات ذات بُعد اقتصادي وتسهيلات لقيادة السلطة في الحركة والتنقل، وإلغاء عقوبات سابقة اتُّخذت بحقّ الفاعلين في السلك الدبلوماسي على خلفية الحراك الخجول في الساحة الدولية الذي تخوضه السلطة الفلسطينية.

يقضي الاتفاق بين كيان الاحتلال والسلطة بتجميد العمليات “في أقرب وقت”، حيث ستقتصر عمليات جيش الاحتلال على من يصفهم بـ”القنبلة الموقوتة”، وذلك بهدف منح فرصة للسلطة لـ”استعادة سيطرتها” على جنين

القناة العبرية (14) كشفت أنّ حكومة “نتنياهو” قد قررت تجميد العمليات العسكرية والنشاطات والهجمات الاستباقية في جنين، بعد يوم من زيارة محمود عباس إلى المخيّم، موضحة أنّ اتفاق بين كيان الاحتلال والسلطة يقضي بتجميد العمليات “في أقرب وقت”، حيث ستقتصر عمليات جيش الاحتلال على من يصفهم بـ”القنبلة الموقوتة”، وذلك بهدف منح فرصة للسلطة لـ”استعادة سيطرتها” على جنين، إذ توضح القناة أنّ الجيش كان يعارض هذا الموقف ويشكك في قدرة السلطة، وهو ما يؤكد أنّ فشل العملية العسكرية قد دفع هذا الموقف إلى السطح.

مخرجات العقبة- شرم الشيخ تُطبق

وفقاً لوسائل إعلام عربية، فإنّ مصادر أمنية فلسطينية كشفت أنّ الخطة المُشار إليها بدأت السلطة بتنفيذها بعد توافق إقليمي – أمريكي – إسرائيلي خلال سلسلة لقاءات انعقدت أخيراً في الأردن ومصر، وتلتها اتصالات مكثّفة لمواجهة تنامي المقاومة في منطقة شمال الضفة. وتتضمّن الإجراءات التي تمّ التوافق عليها، زيادة انتشار قوات السلطة في جنين بشكل متدرّج، والدخول إلى مخيّمها خلال الفترة المقبلة، بما يؤدّي إلى تقليل نشاط المقاومة في المخيّم وتقليص احتمالات احتكاكها مع الاحتلال في المدينة.

إنّ المقترح القاضي بإقامة معبر تجاري كبير على الجسر الواصل ما بين الأردن والضفة الغربية، سيسمح بمدخولات اقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية بسبب توسع حركة الاستيراد والتصدير

وسائل الإعلام العبرية أكدت أنّ جزءاً أساسياً من الإجراءات الاقتصادية التي أقرتها حكومة الاحتلال، جاءت بعد الاتفاق على تفاصيلها من قِبل اللجان المشتركة الأمريكية – الإسرائيلية – الفلسطينية، بمشاركة أردنية، وبشكل خاص المقترح القاضي بإقامة معبر تجاري كبير على الجسر الواصل ما بين الأردن والضفة الغربية، سيسمح بمدخولات اقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية بسبب توسع حركة الاستيراد والتصدير.

إنّ مطلب “تجميد” العمليات العسكرية في مدن الضفة الغربية ووقف الاقتحامات مقابل الالتزام الأمني بمواجهة المقاومين واعتقالهم وجمع سلاحهم، كان مطلباً للسلطة منذ بداية تصاعد الفعل المقاوم، وقد عبّر عنه وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ أكثر من مرة، طالباً مهلة 4 شهور بدون اقتحامات لإتمام المهمة المذكورة، وهو ما لم يكن يحظى بقبول “إسرائيلي” في حينه، حيث طلب الاحتلال نموذجاً مصغراً حول قدرة السلطة على حسم الأمور أمنيا.

مصير اجتماع الأمناء العامين في مهب الريح

لا يمكن عزل ما يحصل على الأرض في الضفة الغربية وبشكل خاص تصاعد ملاحقة السلطة وأجهزتها الأمنية للمقاومين وتصعيد وتيرة الاعتقالات السياسية، عن اجتماع الأمناء العامين المُزمع عقده نهاية الشهر في القاهرة.

أكدت الفصائل أنّ استمرار الاعتقالات السياسية يعكر الأجواء، بل ويدفع باتجاه احتمالات تفجير الاجتماع وتعطيل انعقاده، ما لم توقف السلطة حملتها المسعورة على المقاومين، وتطلق سراح المعتقلين السياسيين.

إنّ الهدف من دعوة عباس لاجتماع الأمناء العامين هو المناورة وتحسين شروط تفاوضه مع الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وليس الدفع بإتجاه اشتقاق مسار وطني حقيقي تكون الوحدة الوطنية عماده في مواجهة الحكومة اليمينية الفاشية

في قراءة لأسباب دعوة رئيس السلطة لعقد الاجتماع الذي سيكون الأول من نوعه وجاهياً بحضوره، كان التقدير أنّ الهدف من دعوته هو المناورة وتحسين شروط تفاوضه مع الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وليس الدفع بإتجاه اشتقاق مسار وطني حقيقي تكون الوحدة الوطنية عماده في مواجهة الحكومة اليمينية الفاشية.

تُثبت الوقائع على الأرض أنّ السلطة قد حقّقت مرادها من الدعوة للاجتماع، ومن مجموع الخطوات والمفاوضات التي تجري فوق الطاولة وتحتها، بدءاً من العقبة ومروراً بشرم الشيخ وليس انتهاءً بالاجتماعات المكوكية للجان المشتركة المنبثقة عن الاجتماعين السابقين.

وبالرغم من إعلان السلطة عن إيقافها للتنسيق الأمني وإيقاف العمل بمخرجات العقبة – شرم الشيخ، إلا أنّ الواقع يؤكد صحة ما ورد في تسريبات البنتاغون وما أورده الاعلام العبري حول استمرار التنسيق الأمني دون أي توقف، وأنّ مخرجات العقبة – شرم الشيخ باتت تُطبّق على أرض الواقع.

وبالتالي، فإنّ تصعيد وتيرة الاعتقالات السياسية وملاحقة المقاومين بهذه الفجاجة يحمل بين طياته حرصاً من السلطة على إجهاض اجتماع الأمناء العامين قبل انعقاده، دون أن تطلب ذلك بوضوح، بل عبر رسائل ترسلها من الميدان والسلوك الأمني، وبذلك تتجنب الإحراج السياسي خصوصاً مع المستضيف المصري للاجتماع.

حماية المقاومة استحقاق لا يجب التردد فيه

عامان من الصمود الأسطوري لمجموعات المقاومة في شمال الضفة الغربية، والتي اشتقت طريقها في الصخر، وخلقت من المستحيل واقعا، كان قبل عامين أحلاماً بعيدة المنال، وأصبح اليوم نموذجاً يؤرق الاحتلال، وصخرة تكسرت عليها كل محاولات الاحتلال للقضاء عليها واستئصالها.

المطلوب من الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، مسنودة بالحراكات الشعبية والجماهيرية التحرك الفعال للذود عن المقاومين وتحصينهم من الملاحقة

إنّ القبول بإجهاض الحالة المقاومة الناشئة والتي تتصلب وتتطور تدريجياً ونجحت في الصمود والتوسع وفتحت المجال لإنشاء بنى تحتية صلبة لقوى المقاومة واستعادة المبادرة الثورية، هو جريمة لا ينبغي تمريرها أو الصمت على ذبحها، وهو ما يتطلب تحرك سريع وقوي لإيقاف التمادي الأمني من السلطة على المقاومين، ومحاولة تفكيك النموذج الأكبر فيها، مخيّم جنين ومقاومته التي نجحت في إفشال أكبر عملية عسكرية للاحتلال في الضفة الغربية منذ السور الواقي.

المطلوب من الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، مسنودة بالحراكات الشعبية والجماهيرية التحرك الفعال للذود عن المقاومين وتحصينهم من الملاحقة، بل والعمل على تدعيم بناهم وتوسيع قوّتهم وفعلهم، ليتجاوز قدرة السلطة على إجهاضه وتفكيكه والقضاء عليه.

في النهاية، القول للشهداء، حيث دأب الشهيد جمال أبو سمهدانة على القول، إنّه كلما تعقدت الأمور داخليا، فالحل الأمثل يكمن في تصعيد المقاومة مع الاحتلال، وهو الكفيل بترتيب كل الأوضاع وإعادة البوصلة إلى نصابها.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,