أمريكا و”إسرائيل” بين قطع الأنفاس والخطر الوجودي

التصنيفات : |
يوليو 20, 2023 6:32 ص

*سنان حسن

روى شمعون بيريز قائلا: “عندما كنت رئيساً للوزراء، كيف انقطع نفسي، بعدما تلقيت مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الأمريكي بعد اعتقال الجاسوس الإسرائيلي بولارد، أبلغني فيها بأنّ الإدارة تفكر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل”.

هذا الموقف يكشف حقيقة العلاقة التي تحكم الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، وأنّ الروايات التي يروجها البعض عن سيطرة إسرائيلية على القرار الأمريكي هي مرويات هوليوودية تهدف إلى ابتزاز العرب أولاً وأخيرا. واليوم، وفي ظل سعي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تمرير الإصلاحات القضائية المزعومة، فإنّ العلاقة بين واشنطن و”تل أبيب” تشهد توتراً غير مسبوق وحرَد سيد البيت الأبيض من تصرفات “بيبي” وأفراد حكومته المتطرفين، الأمر الذي دفع الصحافة الإسرائيلية والأمريكية إلى انتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية على إصراره على المضي في هذه الإصلاحات التي تراها واشنطن البوابة لتحوّل “إسرائيل” إلى دكتاتورية جديدة على حد زعمها، والذي عبّر عنه السفير الأمريكي في “تل أبيب”، توم نايدز بقوله: “إنّ إسرائيل تجتاز الخطوط”.

ما يعني أنّ الأمور هذه المرة لن تمر كما يحاول بعض قادة اليمين الصهيوني الترويج له على أنّ قرار “إسرائيل” حر ولا يمكن لأحد أن يتدخل فيه حتى ولو كانت واشنطن تحذّر من خطر ذلك. وهنا شرح  نحاميا شترسلر في صحيفة هآرتس، في 14/7/2023، بمقال تحت عنوان: (نتنياهو تحوّل إلى مناهض للصهيونية وكاره لإسرائيل) موضحاً الأسباب التي تدفع واشنطن إلى انتقاد هذه الإصلاحات والتحذير من مخاطرها، “يجب الفهم بأنّه توجد للولايات المتحدة أسباب خاصة بها للخوف من إضعاف إسرائيل. هناك يعرفون بأنّه إذا تحولنا إلى ديكتاتورية على صيغة هنغاريا وبولندا فإنّه لا يمكن الوثوق بنا”، مضيفاً أنّ نتنياهو يعمل على مناكفة بايدن في كل شيء لكي يغضبه ويخرجه عن طوره، حيث يقول: “نتنياهو، مثل المقامر الذي يقوم برمي نقوده الأخيرة على ورقة مجنونة، نتنياهو يُعلن بأنّه ينوي زيارة الصين. هو يدخل وعن قصد أصبعاً في عين أمريكا. لأنّ الصين في نهاية المطاف هي العدو الأكبر للولايات المتحدة”.

إنّ الخصام مع الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة إلى “إسرائيل” هو خطر وجودي، فلولا واشنطن والفيتوهات التي تستخدمها في مجلس الأمن لكانت “إسرائيل” محاصرة دوليا

(نحاميا شترسلر)

وذهب نحاميا شترسلر إلى اعتبار أنّ الخصام مع الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة إلى “إسرائيل” هو خطر وجودي، فلولا واشنطن والفيتوهات التي تستخدمها في مجلس الأمن لكانت “إسرائيل” محاصرة دوليا، وهذا ما يعرّضنا كإسرائيليين إلى خسارة الصديق الوحيد في العالم حيث قال: “بيبي يعرف جيداً أنّنا نعتمد على الولايات المتحدة، وهو يعرف أنّه لا وجود لنا بدونها. ورغم ذلك هو يقوم بتدمير الأساس الأيديولوجي لهذا التحالف ويقودنا إلى مسار تصادم مع أهم أصدقائنا، وفي الحقيقة الصديق الوحيد”.

في حين رأى يورام دوري  في مقال بصحيفة معاريف، بتاريخ  16/7/2023، تحت عنوان: (لعلم وزرائنا) أنّ “أهم أسباب قوة إسرائيل هو العلاقة التحالفية الكبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت حاضرة للدفاع عنّا في كل الأوقات العصيبة التي مرت علينا ومن أهمها حرب الغفران”، وأضاف: “إنّ قوة إسرائيل تقوم على أساس عنصرين هامين: النوعية البشرية المذهلة لمواطني إسرائيل والحلف مع الولايات المتحدة”، مبيّناً أنه “في موضوع العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن ردود الفعل الحماسية تعرّض للخطر وجودنا كدولة مستقلة وسيادية في المنطقة العنيفة التي نعيش فيها”.

إنّ ما يحدث ليس من فراغ وإنّما نتاج سياسات نتنياهو الذي يدّعي أنّه على دراية واسعة بالسياسة الأمريكية وعلى علاقة وثيقة مع كل قادتها، ولكن يبدو أنّ ما يجري على الأرض مخالف لأحلام “بيبي”

(توماس فريدمان)

الأمر ذاته توقفت عنده “هآرتس” في افتتاحيتها، بتاريخ 13/7/2023، تحت عنوان: (نتنياهو يعرّض إسرائيل للخطر) موضحة أنّ الدعم من الدولة الأقوى في العالم ورعايتها سياسياً ومدّها بالسلاح والأموال والتي بلغت ما يقارب الـ 180 مليار دولار منذ عام 1948 جعل من واشنطن “عنصرا مركزياً في الردع الاستراتيجي لإسرائيل”، وتتابع الصحيفة في افتتاحيتها عن التحذير من الأخطار التي يمكن أن تلحق بـ”إسرائيل” في حال استمر نتنياهو بتبنّيه مشروع الإصلاحات القضائية حيث ساقت تحليلاً لأحد الكتاب الأمريكيين المشهورين توماس فريدمان في  صحيفة نيويورك تايمز عن “إعادة تقويم” للعلاقات مع “إسرائيل” في واشنطن، مؤكدة أنّ ما يحدث ليس من فراغ وإنّما نتاج سياسات نتنياهو الذي يدّعي أنّه على دراية واسعة بالسياسة الأمريكية وعلى علاقة وثيقة مع كل قادتها، ولكن يبدو أنّ ما يجري على الأرض مخالف لأحلام “بيبي”.

“إسرائيل” يمكنها أن توجد حتى بدون الولايات المتحدة، لكن هذا سيكون وجوداً آخر تماماً
(يوآف ليمور)

وهذا ما ذهبت إليه أيضاً صحيفة “إسرائيل اليوم” في مقال، بتاريخ 13/7/2023، تحت عنوان: (الأمريكيون يقررون القوانين وإسرائيل قد تدفع الثمن) بقلم يوآف ليمور والذي توقف عند مقالة فريدمان في “نيويورك تايمز” والأسباب الكامنة وراء مقال كتبه صحافي يهودي صهيوني واللهجة القاسية التي توجّه بها نحو الساسة الإسرائيليين، وما كشفه المقال عن رد الفعل الأمريكي الغاضب على كل المستويات في البيت الأبيض من تصرفات رئيس الحكومة وأعضاء حكومته اليمينية حيث قال: “من لا يفهم أهمية الولايات المتحدة بوجود إسرائيل لا يفهم شيئا. لسوء الحظ، هذا هو وضع الاعتقاد لدى غير قليل من وزراء الحكومة والنواب وإلا فمن الصعب أن نشرح الضرر الذي يلحقونه في جملة تصريحات، تُقوّض القاعدة اليومية في العلاقات الأهم التي لدى إسرائيل. في الأيام العادية كان رئيس الوزراء نتنياهو سيوقفهم أو يمنعهم من الحديث، لكن هذه ليست أياماً عادية، ونتنياهو أسير في حكومة متطرفة تجرّه وتجرّ الدولة كلها نحو شفا الهوة. إسرائيل يمكنها أن توجد حتى بدون الولايات المتحدة، لكن هذا سيكون وجوداً آخر تماما”.

ولكن صحيفة يديعوت أحرونوت وفي مقالها الافتتاحي، بتاريخ 13/7/2023، تحت عنوان (هوة فاغرة) بقلم شمعون شيفر، بيّنت أنّ ما يجري الآن بين نتنياهو وبايدن لم يحصل أبداً في منظومة العلاقات المتبادلة، الخلاف هو ليس على مستقبل المناطق بل على الاعتراف في واشنطن بأنّ نتنياهو يسمح لشركائه بتحطيم كل الأدوات التي يتشكّل منها المجتمع وتجعله كياناً سليما.. وأضاف: “إنّ الرسالة التي تأتي إلى القدس في كل قناة من إدارة بايدن إلى نتنياهو لا لبس فيها: الحكومة التي أقمتها مع الشركاء الذين يضمّون بن غفير وسموتريتش والخطف الذي تسمح به لأجل تغيير طريقة النظام في إسرائيل ليست مقبولة عندنا. نحن لن نجد فيك شريكاً لأي شيء”. وساق الكاتب في مقاله مثالاً لما فعله الرئيس فورد وكيسنجر عندما هددا إسحق رابين بـ”إعادة تقويم” في عام 1975 لأنّه رفض الاستجابة لاقتراحهما التوسط إلى تسوية مع مصر في ظل الانسحاب من أراضٍ في سيناء. حيث قال: “فإنّ طائرات أف 15 التي اشتُريت لسلاح الجو ولم تُقلع وفرضت عقوبات أخرى، لم تترك لدى الجانب الإسرائيلي شكاً في أنّ الأمريكيين يقصدون ذلك بجدية”.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تذهب العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية نحو مستوى أعلى من التوتر، أم يذهب نتنياهو وحكومته المتطرفة هذه؟.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,