دعوا العدو يستمتع باقتتالنا!

التصنيفات : |
أغسطس 7, 2023 8:42 ص

*وسام عبد الله

ما شهدناه في مخيّم عين الحلوة في جنوب لبنان من اشتباكات مسلحة، لم يكن الأول من نوعه، وقد لا يكون الأخير، حيث يغيب عنوان المخيّم عن الإعلام ليعود مجدداً مع أول رصاصة، فيتّخذ المكان صفة البؤرة الأمنية المتوترة، وتلتصق الصفة بسكانه من اللاجئين الفلسطينيين.

الذنب ليس ذنبهم

عبارات متشابهة قالها أهالي مخيّم الحلوة الهاربين من الاشتباكات المسلحة، تعكس حالاً واحدة: “ما ذنبنا في هذه المعارك”، وهي تدل على أنّ ما يحصل داخل المخيّم لا يتعلق بقضية أو مسألة مرتبطة في صلب حياة اللاجئين، وما يؤلم أكثر، أنّ هذه العائلات لا مكان آخر تلجأ إليه، وهي في الأصل لاجئة منذ 75 عاما، وتعيش حالة عدم استقرار دائمة في بقعة جغرافية غير آمنة، ليصبح المشهد عائلات نزحت من بيوتها إلى مساجد ومدارس صيدا في رحلة تدمير ممنهج للحياة وأدوات العيش.

بديهيا، يتأثر اللاجئون صحيا، نفسياً وماديا، بنمط العيش الذي يحرمهم من أبسط حقوق الإنسان، وخاصة حقّهم بالعمل، فحين تحاصر هؤلاء “الناس” بالقوانين وتمنع عنهم مهناً معينة، يعني أنت توجّههم للانحراف سلوكيا، بحمل السلاح ومخالفة القانون، ثم تحاسبهم وكأنّهم “يمارسون” حياة طبيعية وبشروط إنسانية، والأجدر دراسة الأسباب وإيجاد الحلول بدل مفاقمة الأزمات التي أوصلتهم إلى ما نشهده اليوم!.

سلام على القضية

كل الكلمات والمواقف السياسية أجمعت على أنّ ما يحدث في مخيّم عين الحلوة ينعكس سلباً على القضية الفلسطينية، وهو يشكّل خدمة للاحتلال الاسرائيلي في تدمير حقّ العودة من داخل المخيّمات.

ولكن، الأوضاع لم تنفجر صدفة، بل هي حصيلة تراكمات من الاخطاء من مختلف الأطراف حول التعامل مع الثغرات الأمنية داخل المخيّمات. فإذا كانت الاشتباكات لا تخدم القضية، فما حدث سابقاً هو أشبه بزعزعة البنية التحتية للمخيّم، من حيث العلاقات بين الناس ومع المحيط الاجتماعي، وتقسيم الأحياء السكنية إلى “مربعات أمنية “، في مساحة تتداخل فيها البيوت وتتشابك الأحوال.. أما جوهر القضية فيتجسد بالحفاظ على المخيّم، وجوهر المخيّمات هو اللاجئ، فلا تمييز بين القضية وأهلها واللاجئين وحقّ العودة.

كلنا يعلم أنّ أطرافاً سياسية لبنانية عملت سابقاً على إمداد بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة بالمال والسلاح لزعزعة أمن المدينة خدمة لمصالحها الشخصية، والسياسية

لا يمكن فصل المخيّم عن محيطه، فالاشتباكات التي طالت أحياء ومناطق في مدينة صيدا وجوارها، لا يترك أثراً طيباً لدى سكانها، والخوف أن تصبح النظرة إلى المخيّم غير ودية، مع العلم أنّ من يتحمل مسؤولية الأحداث لا يمثّلون سكان المخيّم بشكل كامل، وكلنا يعلم أنّ أطرافاً سياسية لبنانية عملت سابقاً على إمداد بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة بالمال والسلاح لزعزعة أمن المدينة خدمة لمصالحها الشخصية، والسياسية.

السلام مع العدو

حين تتحول السيطرة على الأبنية والأحياء السكنية لدى بعض المجموعات هي “القضية”، يكون حقّ العودة بالنسبة لهم غير وارد نهائياً في حساباتهم، وحين التخلي عن الهدف الأسمى وهو “العودة” يصبح الاقتتال على “الفتات” هو مصيرهم.

استغلت بعض الجهات الحزبية اللبنانية تلك الأحداث للترويج لفكرة قديمة متجددة، أنّ الفلسطيني “يهدد الأمن في البلاد”، وأنّ سلاح المقاومة هو لاستهداف المجتمع اللبناني وليس العدو، والحجة جاهزة، بأنّه “إذا كان الفلسطيني قد تخلى عن قضيته، فلماذا علينا أن ندفع نحن الثمن بدلاً عنهم؟.. إذا، الحل هو نزع السلاح والسلام مع إسرائيل”.

حين “يقبع” الخطر على حقّ العودة، بين البؤر الأمنية المتوترة من مجموعات داخل المخيّم، بالمقابل، تنتظرها وتتلقفها كفرصة ذهبية، جهات سياسية تستهدف القضية الفلسطينية، يصبح نزع الفتيل والحجة ضرورياً لمنع إعطاء “الشرعية” لتلك الأحزاب والأطراف باستغلال الأحداث لمصالحها الشخصية

حين “يقبع” الخطر على حقّ العودة، بين البؤر الأمنية المتوترة من مجموعات داخل المخيّم، بالمقابل، تنتظرها وتتلقفها كفرصة ذهبية، جهات سياسية تستهدف القضية الفلسطينية، يصبح نزع الفتيل والحجة ضرورياً لمنع إعطاء “الشرعية” لتلك الأحزاب والأطراف باستغلال الأحداث لمصالحها الشخصية. مع التأكيد أنّها ليست بحاجة إلى الحجة لتطلق مواقفها المتشددة، فهي صادرة من رؤيتها للوضع برمته واقتناص الظرف والمناخ السياسي لخلق حالة مواتية هي أبعد ما يكون عن الشعائر والخطابات التي ترن على منابر الوطنية والقضية الفلسطينية والعداء للاحتلال.

ما بعد عين الحلوة

السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه الآن: هل يريدون حلاً لمشكلة مخيّم عين الحلوة؟، إذا أتى الجواب بالإيجاب، فلماذا لم يتّخذوا خطوات تسبق الأحداث؟، إنّ النوايا كالسيف الذي يسبق العذل. أما الأغلبية من الفلسطينيين تريد إنهاء الأزمة التي تعصف بالمخيّم الملتهب، ولا ترغب بمصيبة مضافة إلى مصائبها، لكنّ التباطؤ والتردد في اجتراح الحلول، التي لا يمكن وصفها بالمستحيلة، يساهمان ولو في المرحلة الأولى في تخفيف الاحتقان داخل المخيّم، فالمطلوب أولا، ليس تجريد المخيّمات من السلاح، بل المباشرة حل الأزمات المعيشية للناس، ومن ثم العمل على تنظيف المخيّمات من مسألة السلاح غير الشرعي، الذي يوجّه نحو صدور الفلسطينيين بدل الاحتلال الصهيوني، هذا السلاح مملوك من مجموعات لا تمت للمقاومة بصلة، ويصبح الحل أنجع يكون حين يحمي المجتمع نفسه، وإلا دعوا العدو يستمتع باقتتالنا.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,