معركة الوعي بين “كوع الكحّالة” و”العلمين”!

التصنيفات : |
أغسطس 17, 2023 6:00 ص

*أحمد حسن

قمة العلمين التي جمعت، يوم الاثنين الماضي، الرئيسين المصري والفلسطيني إلى جانب ملك الأردن أكدت، في بيانها الختامي، على ضرورة “تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”، وصولاً إلى حلّ القضية الفلسطينية “وفق القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية”، وهذان البندان الأخيران لا يعترفان بالمقاومة بل يعاديانها بالمطلق.

قبل ذلك، بأيام قليلة، كان بعض أهل بلدة “الكحالة” اللبنانية قد أطلقوا النار على شاحنة تابعة للمقاومة الإسلامية -حزب الله- انقلبت على كوع بلدتهم الشهير، وقتلوا مقاوماً كان يقوم بحراستها، والمفارقة أنّ هذه البلدة ذاتها، كما يذكر كاتب لبناني، احتفت في منتصف نيسان/ أبريل 1968، بالزغاريد والهتافات ونثر الورود، وبالرصاص أيضا، بأول لبناني يستشهد على أرض فلسطين دفاعاً عن ترابها المحتلّ من الصهاينة في ما عُرف يومها باسم “معركة الأربعين”.

التعمية على المضمون الحقيقي لـ”العلمين” تحت غطاء التعابير الكبرى والمؤثّرة، والتغيّر الكبير في مزاج بعض أهالي “البلدة” تجاه “المقاومة” يجمع بينهما خيط لا يُكاد يُرى في “قطبة” المعركة الدائرة منذ زمن على الوعي الشعبي، سيطرة واستلابا.

“الوجود” غير الاحتلال، والمقاوم هو شخص صاحب قضية يدافع عنها، أما المسلّح، فقد يكون لصاً أو قاتلاً أو ما شابه ذلك

والحال، فإنّ العمل في هذا الاتجاه بدأ قبل “لحظة النكبة” واستمر في ما تلاها من لحظات وخاصة “لحظة النكسة” سنة 1967، لكن “لحظة” احتلال العراق عام 2003 كانت فارقة في هذا المسار حيث أُنشئت وسائل إعلام عربية، بتمويل وبذخ إنتاجي هائل، وخطاب منمّق ومدروس هدفه الأوحد السيطرة على الرأي العام أولا، وتوجيهه، ثانيا، بالاتجاه الذي يخدم العدو باستخدام، وترسيخ، مصطلحات محدّدة في ذهن المشاهد العربي، فأصبح الاحتلال الأمريكي للعراق على هذه الوسائل، وسواها، مجرد “وجود لقوات التحالف”، والمقاومة الوطنية: أعمال مسلحة، والمقاومون: مسلحون، والعمليات الاستشهادية: أعمال انتحارية، وهكذا دواليك، وهذا ما أنتج أثره على المدى الطويل، فـ”الوجود” غير الاحتلال، والمقاوم هو شخص صاحب قضية يدافع عنها، أما المسلّح، فقد يكون لصاً أو قاتلاً أو ما شابه ذلك.

“السياسة” ذاتها لعبت، كما هو معتاد، دوراً كبيراً في خلق هذا الإدراك الوهمي، وهنا تحديداً يقع فعل “قمة العلمين”

والحق، فإنّ ذلك هو تحديداً ما يُسمى بالعمل على “خلق إدراك وهمي للعالم الحقيقي”، وإذا كانت هذه العبارة قد التصقت بالإعلام ودوره بعد أن أطلقها عالم الاجتماع الفرنسي “بيير بورديو” في هذا السياق، إلا أنّ “السياسة” ذاتها لعبت، كما هو معتاد، دوراً كبيراً في خلق هذا الإدراك الوهمي، وهنا تحديداً يقع فعل “قمة العلمين”، وهو ما يتمثّل في بيانها الختامي الذي جرى التأكيد فيه على تعابير محددة مثل: “المجتمع الدولي”، “القرارات الدولية”، “حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”، “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي”، و”المبادرة العربية للسلام” التي تمثّل، بحسب المجتمعين، “الطرح الأكثر شمولية لتحقيق السلام العادل وتلبية تطلعات جميع شعوب المنطقة إلى مستقبل مستقر يسوده التعايش والتنمية والتعاون بين جميع شعوبها ودولها”!.

إنّ فعلهم الحقيقي وهدفهم الكبير من القمة يتمثّل في أمرين مترابطين: أولهما، محاولة إنقاذ “أوسلو”، وثانيهما، وهو خادم للأول، “استئناف اجتماعات خلايا الأمن الثلاثية” بمهمتها المناوئة للمقاومة

وأبعد من ذلك، فإنّ القادة الثلاثة لم يكتفوا بكلامهم هذا، كما في بقية بنود وفقرات البيان، بترسيخ وهم “المجتمع الدولي” بل إنّهم يحاولون، وعن سابق قصد وتصميم، إيهام العالم -وهنا تحديداً الإدارة الأمريكية باعتبارها “المجتمع الدولي” كلّه- وشعوبهم أولا، أنّهم فاعلون ومؤثّرون في ما سبق، وقد تبادلوا هذا النوع من الإطراء في ما بينهم خلال القمة، بيد أنّ فعلهم الحقيقي وهدفهم الكبير من القمة يتمثّل في أمرين مترابطين لم تعلنهما القمة بوضوح، أولهما، محاولة إنقاذ “أوسلو”، وثانيهما، وهو خادم للأول، “استئناف اجتماعات خلايا الأمن الثلاثية” بمهمتها المناوئة للمقاومة، وذلك هو دورهم الفعلي والوحيد فقط لا غير وهو سبب وجودهم على كراسيهم أيضا.

هنا يبرز الجوهر الثابت للترابط بين “كوع الكحالة” و”العلمين”، وهو الفوز في معركة الوعي لملاقاة العدو في حربه المفتوحة على المقاومة سواء في لبنان أو فلسطين

هنا يبرز الجوهر الثابت للترابط بين “كوع الكحالة” و”العلمين”، وهو الفوز في معركة الوعي لملاقاة العدو في حربه المفتوحة على المقاومة سواء في لبنان أو فلسطين، وتلك هي المعادلة التي تحكم هذين الحدثين.

هنا أيضاً تبرز معادلة السيد “نصرالله” الجديدة –في خطابه الأخير- عن ارتقاء معادلته للردع إلى مستوى أنّ “أيّ مغامرة عسكرية في مواجهة حزب الله تساوي وجود الكيان”، كتصويب للمعادلة السابقة، لكنّها وككل المعادلات المشابهة تتطلب العمل على ما يتجاوز الشق العسكري إلى مختلف نواحي الحياة الأخرى، وإذا كان الشق الاقتصادي أكبر من قدرة مقاومة، وهو كذلك فعليا، فإنّ استعادة “الكحالة” وفضح “العلمين” ليس خارج القدرة والإمكانيات لكنّه يتطلّب الكثير في الخطاب والأسلوب والممارسة، وذلك ما يجب أن يكون معركة المقاومة القادمة وإلا…

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,