الأسرى يواجهون بن غفير بـ”وحدة الأحرار”

التصنيفات : |
سبتمبر 14, 2023 5:46 ص

*أحمد الطناني – غزة:

منذ وصل المستوطن الصهيوني المتطرف “إيتمار بن غفير” إلى مقعده الحكومي وتولّى وزارة الأمن القومي، لم تتوقف محاولاته الإجرامية لفرض وقائع جديدة على الأرض تزيد من غيّ وعدوان الحكومة الصهيونية على حياة أبناء الشعب الفلسطيني، مستهدفاً كل ما يمكن أن تطاله صلاحياته.

الأسرى كانوا على سلم أولويات “بن غفير”، حيث لم يتردد في تبنّي كل المشاريع لزيادة حياتهم خلف القضبان ألماً وتضييقاً ليضاعف جريمة احتجازهم خلف القضبان على خلفية نضالهم الوطني المشروع ضد احتلالهم الاستيطاني الإحلالي.

منذ الاتفاق على تشكيل الائتلاف الحكومي وضع “بن غفير” شرطاً بأن تُطبّق رؤيته الخاصة بالتضييق على الأسرى، وأن يُسوّق لقانونه القاضي بإعدام الأسرى الذين يحمّلهم مسؤولية العمليات الفدائية، إضافة لسحب كل منجزات الحركة الأسيرة وأبرزها الحقّ في الانتماء التنظيمي وقنوات التلفزة والحقّ في التعليم والقراءة وإدخال الكتب.

أيقنت الحركة الأسيرة أنّ تمرير أي جزء من مخططات “بن غفير” ستكون المقدمة لتمرير كل الأفكار الإجرامية التي تستهدف تدمير الحركة وقيمتها المعنوية وقدرتها التعبوية

لم تتوانَ الحركة الأسيرة عن إعداد نفسها جيداً لمواجهة الوزير المتطرف وكل من يتشدد له، وأيقنت تماماً أنّ تمرير أي جزء من مخططات “بن غفير” ستكون المقدمة لتمرير كل الأفكار الإجرامية التي تستهدف تدمير الحركة الأسيرة وقيمتها المعنوية وقدرتها التعبوية، بعد نجاح يجب أن يُدرّس في العالم حول قدرة الحركة الأسيرة على تحويل السجون إلى أكاديميات لتصليب وتخريج المناضلين وقادة الشعب الفصائل الذين رسموا ويرسمون معادلات بات الاحتلال عاجزاً عن مواجهتها.

تقليص عدد زيارات أهالي الأسرى

قبل أيام اتّخذ “بن غفير” قراراً بإجراءات تضييقية بحقّ الأسرى الفلسطينيين، وأبرزها تقليص الزيارات العائلية إلى مرة واحدة كل شهرين، في استكمال لمخططاته بتحويل حياة الأسرى إلى جحيم، وملاحقتهم على كل التفاصيل التي تمدّهم بمشاعر الصمود وتعزز قدرتهم على المواجهة، وهو الهدف الذي أعلن عنه في تعهداته لجمهوره، بأن يحوّل السجون إلى مسلسل مستمر لا متناهي من لحظات العذاب والحرمان، وكأنّ هناك عذاب أكبر من عذاب الحرمان من الحرية.

قرار “بن غفير” بخصوص زيارات الأسرى أثار جدلاً كبيراً في مستويات صنع القرار في كيان الاحتلال، ودفع مكتب “نتنياهو” إلى نفي القرار وتكذيب وزيره للأمن القومي

قرار “بن غفير” بخصوص زيارات الأسرى أثار جدلاً كبيراً في مستويات صنع القرار في كيان الاحتلال، ودفع مكتب “نتنياهو” إلى نفي القرار وتكذيب وزيره للأمن القومي، والتأكيد أنّ القرار لم يُتّخذ وأنّ هذه النوعية من القرارات ليست مسؤولية وزير بعينه، بل هي ضمن مسؤوليات المجلس الوزاري المصغر “الكابينت” وبإشراك المستويات الأمنية والعسكرية.

لم يتوانَ “بن غفير” عن الإمعان في التصعيد وأعطى قراراً مباشراً لمصلحة السجون بالشروع في تطبيق القرار مع نهاية الأسبوع، معتبراً أنّ هذا القرار هو من صلاحياته وأنّ الحكومة تميل للتعامل “الناعم” مع نشطاء المقاومة الفلسطينية.

أصر “نتنياهو” على إيقاف القرار، ولم تنصاع مصلحة السجون إلى تطبيق إجراءات “بن غفير” الذي بات في مواجهة مع مفوضة مصلحة السجون “باتي بيري” بسبب عدم انصياعها لقراراته، والتزامها بتوجيهات مكتب رئيس وزراء الاحتلال “نتنياهو”.

التخوف من الانفجار وموسم الأعياد

مشاورات أمنية مكثفة عقدها “نتنياهو” على مدار الأيام السابقة، حملت عناوين رئيسية كلها تتمحور حول إشارات التصعيد وفي مقدمتها التحذيرات من موجة عمليات في موسم الأعياد اليهودية الذي بات على الأبواب، إضافة للاستعدادات لإمكانية اشتعال مواجهة متعددة الجبهات.

يعي قادة الاحتلال أنّ الأرض مهيأة للانفجار وأنّ كل ما يدعي أنّه حقّقه على الأرض سيتبخر مع أول موجة عمليات قادمة، في ضوء الإشارات الساخنة المتواردة والاستعدادات المتصاعدة لقوى المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان، خصوصاً أنّ موسم الأعياد سيشمل اقتحامات للمسجد الأقصى.

“هناك الكثير من البنزين على الأرض، وعلينا إبعاد أعواد الثقاب. إنّ حياة (المدنيين الإسرائيليين) أهم من تغيير أوضاع الأشخاص الموجودين بالفعل في السجون. ولهذا السبب يجب مناقشة مسألة الأسرى بعد الأعياد”.
(هرتسي هاليفي)

لطالما شكّل ملف الأسرى جزءاً من عناوين الإجماع الوطني الفلسطيني، ومؤثراً حقيقياً في تحريك الجماهير الفلسطينية، وصاعق من صواعق التفجير، وهو ما تعيه الحركة الأسيرة جيدا، ويعيه أيضاً قادة الاحتلال، حيث عبّر القادة الأمنيين والعسكريين عن الاستياء الشديد من التوقيت “المتهور” والتصرفات “الصبيانية” لـ”بن غفير”.

في تعليقه على قرارات “بن غفير” خلال المناقشة الأمنية الأخيرة التي أجراها “نتنياهو”، كان رئيس أركان جيش الاحتلال واضحاً حيث قال “هاليفي”: “هناك الكثير من البنزين على الأرض، وعلينا إبعاد أعواد الثقاب. إنّ حياة (المدنيين الإسرائيليين) أهم من تغيير أوضاع الأشخاص الموجودين بالفعل في السجون. ولهذا السبب يجب مناقشة مسألة الأسرى بعد الأعياد”.

في ما حذّر رئيس الشاباك “رونين بار” من اندلاع مواجهات في الداخل المحتل إضافة للتصعيد في الضفة الغربية، خصوصاً لو حدث انتهاكات للمسجد الأقصى والحركة الأسيرة، وهو ما يضع الاحتلال أمام خطر اندلاع مواجهات واسعة.

أما وزير الجيش فقد أكد خلال ذات المناقشة أنّ “بن غفير” يأخذ قرارات “مستقلة” بمعزل عن التشاور مع باقي مكونات الحكومة، علماً أنّ هذه القرارات ستدفع الضفة للانفجار ووضع الجميع أمام وقائع جديدة ليست ضمن مسؤوليات وزير الأمن القومي الذي يضرب كل التحذيرات بعرض الحائط.

قرار الأسرى بالمواجهة والإسناد الشعبي

لم يكن يوماً الأسرى بمعزل عن قراءة دقيقة للمشهد الصهيوني، وهم أكثر من يعرفون كيف يواجهون آلة القمع والقتل الصهيونية بعد سنوات طويلة من مقارعة السجّان، ودراسة سلوك الاحتلال وأجهزة مخابراته.

في ذات السياق، يعي الأسرى أهمية عمقهم الجماهيري ومدى تجذّر قضيتهم في وجدان شعبهم الفلسطيني، وأهمية وحساسية قضيتهم التي لا يختلف عليها أي فلسطيني، وهو ما يجعل قرارهم بالمواجهة قراراً لن تنحصر تأثيراته بما يحصل داخل السجون، بل هو قرار يلامس كل الشعب الفلسطيني وكل ساحات الفعل والتحرك النضالي والجماهيري.

دون أي تردد قررت الحركة الأسيرة أن تمضي في سبيل المواجهة إذ أكدت اللجنة الوطنية العليا للحركة الأسيرة، استمرار نضالها داخل سجون الاحتلال، وخارجها، حتى تحقيق أهدافها، وبالرغم من تأجيل الحكومة مناقشة قرار تقليص زيارات أهالي الأسرى.

أكدت اللجنة العليا للأسرى في بيانها أنّ التحدي كبير، ومتجدد، ويحتاج لوحدة صف، ووحدة مشروع للحفاظ على الهوية، والكرامة، والأرض، والمقدسات، داعية أبناء الشعب الفلسطيني للمشاركة في وقفات جماهيرية متزامنة في مراكز المدن والقرى في كافة محافظات الوطن تحت عنوان “وحدة الأحرار – عنوان الانتصار”.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصدرت بياناً جماهيرياً يؤكد تكاملها مع تحركات الحركة الأسيرة وإقرارها برنامج إسنادي كامل للتفاعل مع الخطوات النضالية للأسرى

الرسالة التي حملها بيان اللجنة العليا للأسرى واضحة، نموذجاً مُصغراً لما يمكن أن يكون عليه الحال من وقفات شعبية وتحركات جماهيرية واسعة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، في حال وصلت الأوضاع الى التصادم الذي يسعى إليه “بن غفير”، فالحركة الأسيرة لن تتراجع ولا تتردد بالخوض في إضرابها عن الطعام التي حددت موعده مع الموعد الذي حدده “بن غفير” في قراره لتقليص الزيارات.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي تشهد استهدافاً موسعاً لقيادتها في الحركة الأسيرة، التقطت مباشرة رسالة الحركة الأسيرة، وأصدرت بياناً جماهيرياً يؤكد تكاملها مع تحركات الحركة الأسيرة وإقرارها برنامج إسنادي كامل للتفاعل مع الخطوات النضالية للأسرى، والتزامها الكامل بإيلاء قضية الأسرى الأولوية الأولى، ودعت رفاقها لأوسع مشاركة في الفعاليات الإسنادية.

الموقف الحاسم من “نتنياهو” وحكومته برفض الإجراءات التي ينوي “بن غفير” تطبيقها، ينبع بدرجة أساسية من تقدير أمني وعسكري لما ستكون عليه الأوضاع في حال تصاعد الخطوات النضالية للأسرى، وزيادة الانتهاكات للمسجد الأقصى، فالطوفان الشعبي القادم سيحقّق ما حاولت حكومة الاحتلال على مدار عام كامل من تجنّبه.

ما خطّته الحركة الأسيرة كعنوان للفعاليات الجماهيرية الإسنادية يحمل دلالة بالغة، فـ”وحدة الأحرار” هي المدخل الرئيسي للانتصار الذي سيسجّله الأسرى من جديد في وجه حكومة الاحتلال المتطرفة ومحاولات التضييق عليهم وحرمان الأسرى من منجزاتهم.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , ,