الديمغرافيا الفلسطينية: الأرقام وحدها لا تكفي

التصنيفات : |
سبتمبر 25, 2023 6:36 ص

*وسام عبد الله

يرتكز علم الديمغرافيا على دراسة وتحليل حجم وحركة السكان ضمن منطقة جغرافية محددة، حول النمو وبنية السكان والوضع الاقتصادي والعمر والدين وغيرها.

وبحسب الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد الفلسطينيين في العالم سنة 2022 حوالي 14.3 مليون فلسطيني منهم حوالي 5.35 مليون في دولة فلسطين، حيث يبلغ عدد سكان الضفة الغربية حوالي 3.19 مليون نسمة، وقطاع غزة 3.19 مليون.

وتشير التقديرات إلى أنّ نسبة الأفراد في الفئة العمرية (0 – 14 سنة) سجّلت في منتصف العام 2022 حوالي 38% من مجمل السكان فـي فلسطين، بـواقع 36% في الضفة الغربية و41% في قطاع غزة، مما يجعل المجتمع الفلسطيني فتيّاً كون أكثر من ثلث سكانه دون الـ15 سنة.

كما يسجَّل انخفاض نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم (65 سنة وأكثر) حيث قُدّرت نسبتهم بحوالي 3% في فلسطين.

حرب الديمغرافيا

في النكبة، هجّر وشرّد الاحتلال الإسرائيلي قرابة مليون فلسطيني، توزعوا بين المناطق الفلسطينية والدول المجاورة، ودمّر قرى وبلدات زاد عددها على 500، كما ارتكب مجازر جماعية قُدّر عدد الشهداء فيها بأكثر من 15 ألف فلسطيني.

تدل الأرقام على أنّ السياسية الصهيونية تسعى دائماً لتغيير البنية الديمغرافية للشعب الفلسطيني، فقتل النساء والأطفال هو مخطط لخفض عدد السكان وخلق حالة نفسية لدى العائلات تتمثّل بالخوف من الإنجاب وبناء الأُسر، كون الاحتلال مستعد لقتلهم.

من التحذيرات حول تبدّل بنية الشعب الفلسطيني تلك المتعلقة بنسبة المسيحيين الفلسطينيين، وتراجعها بشكل كبير بسبب سياسة الاحتلال، وهنا تساعدنا الديمغرافيا على تحديد المشكلة، وفي هذه الحالة، حتى لا يصبح العدد بما يشبه “أدلاء سياحيين” لكنيستي المهد والقيامة فقط

ومع تهجير الفلسطينيين، أراد الاحتلال إحداث خلل بين أصحاب الأرض والمستوطنين، حتى لا يشكّل العدد الأكبر عائقاً أمامهم في الاستيلاء على الأراضي والسيطرة على الناس، فكانت المستوطنات أداة تغيير ديمغرافي لفصل الشعب والمناطق عن بعضها ومحاولة زيادة عدد الإسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية.

من التحذيرات حول تبدّل بنية الشعب الفلسطيني تلك المتعلقة بنسبة المسيحيين الفلسطينيين، وتراجعها بشكل كبير بسبب سياسة الاحتلال، وهنا تساعدنا الديمغرافيا على تحديد المشكلة، وفي هذه الحالة، حتى لا يصبح العدد بما يشبه “أدلاء سياحيين” لكنيستي المهد والقيامة فقط.

حقّ العودة

علميا، ترتبط الديمغرافيا بالمكان، فلا يمكن دراسة حالة لسكان مناطق بعيدة وإسقاطها على بلدهم الأصلي. لكن، للقضية الفلسطينية بعدها المختلف في التعاطي مع المسألة السكانية كون اللاجئين الفلسطينيين هم ليسوا مهاجرين قرروا السفر طوعاً عن بلدهم، إنّما تمّ طردهم وتشريدهم من بيوتهم وهم أصحاب حق.

الديمغرافيا في عمق حقّ العودة، وهو الحاجة إلى تعداد للاجئين وبنيتهم وأعمارهم، وتوزعهم بين الذكور والإناث، وأوضاعهم المعيشية ونسبة الأمية والتعليم، وغيرها من الأساسيات التي تساهم في صون قدراتهم وقواتهم على الصمود والاستمرار في المطالبة بحقوقهم.

ماذا ينفع وجود 10 ملايين فلسطيني مسجّلين على دفاتر البيانات، لكنّ 90% منهم لا يعطون أهمية للقضية؟!

لإثبات الأهمية نضع أمامنا فرضية إنهاء الوجود الفلسطيني في المخيّمات وتشريدهم مرة ثانية، دون أن نملك بيانات تواجدهم وتنقّلهم وسكنهم، أو عدم امتلاكنا الأرقام في مواجهة عدو يُتقن الاحتيال ويُسخّر الأوضاع لخدمة مصالحه، فحين نقول أنّنا نطالب بعودة اللاجئين دون مستندات تُثبت ديمغرافيتهم، نكون قد خسرنا ورقة مهمة في القضية الفلسطينية.

ديمغرافيا اللاجئين لا يجب أن تتوقف عند الأرقام فقط، بل أن تُبنى عليها الرؤية والأفكار والمشاريع، فماذا ينفع وجود 10 ملايين فلسطيني مسجّلين على دفاتر البيانات، لكنّ 90% منهم لا يعطون أهمية للقضية؟!. فالأصل أنّ امتلاكنا التقديرات والاحصاءات يسهم في تحديد الهدف.

تغيير المستقبل

إنّ إشارة الأرقام إلى إمكانية أن يكون نسبة كبار السن (فوق الـ65 عاما) هي الفئة العمرية الأكثر في المجتمع، ندرك أنّنا بحاجة إلى تأمين رعاية صحية واستشفائية وشبكة أمان أوسع لحمايتهم. وإن لفتت أنّ نسبة الشباب قد تكون الأعلى فنحن بحاجة إلى وظائف وسكن ووسائل نقل أكثر. لكل رقم انعكاسه في المستقبل.

تساهم دراسة بنية المجتمع الفلسطيني، واللاجئين في كل دولة يتواجدون فيها، في رسم سياسيات واضحة. فحين نصل إلى بيانات تدلّ على مستوى التعليم والاختصاصات والمهن، للاجئين في المخيّمات والمجتمعات المتعددة، نملك حينها القدرة على بناء سياسة تعليمية وتربوية توزان بين الداخل والخارج وتسعى لتبادل التجارب والخبرات بينهم، والأمر ينسحب على كافة القطاعات الإقتصادية والمجالات الإجتماعية. حتى لا تُبنى المواقف السياسية على الشعارات بل على الأرقام والإرادة.

 *كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,