سرقة الميركافا والتشويش وخارطة نتنياهو: دلائل الراهن وإرهاصات القادم

التصنيفات : |
سبتمبر 26, 2023 6:14 ص

*أحمد حسن

أن تُسرق دبابة ميركافا، ولو من قاعدة تدريب إسرائيلية، فذلك أمر له دلالات داخلية تتجاوز حادثة السرقة العادية، وأن تعثر الشرطة عليها في محل للخردة فذلك أمر أبعد دلالة وأكثر مدعاة للتوغل في قراءة العقل الإسرائيلي، الشعبي، الراهن، وأن تشوّش أجهزة قتالية روسية على هبوط الطائرات في مطار “بن غوريون”، كما قال العدو، فذلك أمر يختزن، ويختزل، دلالات خارجية أخطر وأهم.

إنّ التآكل، ولو البسيط، في جدار الحماية الخارجية تزامن مع تآكل القناعة الداخلية بالكيان ومشروعه

نقطة الفصل في بيان خطورة أحداث بسيطة وعادية كهذه تتمثّل في حقيقتين اثنتين، أولهما، أنّ “إسرائيل” ليست كياناً تقليدياً عادياً ليُقال إنّ تلك أحداث معتادة ومكررة بل هي جيش غاصب أُقيم حوله كيان مستوطنين لا جذور حقيقية لهم في هذه الأرض، أما الحقيقة الثانية، فتقول إنّ الرعاية الخارجية -دعماً علنياً أو صمتاً داعما- كانت الحجر الأساس في إقامة وبقاء هذا الكيان بل وفي تمكينه من محيطه كله باعتباره الذراع الأساسية، الخشنة، لمشروع هذا “الخارج” في المنطقة.

بهذا الفهم تصبح تلك الأحداث أخطر مما تبدو لو أنّها حصلت في دولة عادية، فإذا صدق العدو في اتّهامه وكان “التشويش” خارجيا، ومن دولة كروسيا، وإذا كانت “الميركافا” قد أُحيلت سابقاً بواسطة المقاومة اللبنانية إلى خردة –وادي الحجير شاهد تاريخي- ووصلت الآن، بالسرقة الداخلية، إلى محل خردة فعليا، فذلك يعني أنّ التآكل، ولو البسيط، في جدار الحماية الخارجية تزامن مع تآكل القناعة الداخلية بالكيان ومشروعه، فروسيا ليست دولة صغيرة في هذا العالم، و”الميركافا” ليست دبابة عادية لتُباع كخردة، فهي رمز تاريخي وفخر قومي يعبّر عن سطوة “إسرائيل” على الجوار في بلد يعيش على القوة والردع ولا شيء غيرهما.

هنا أيضاً يأتي التشويش كـ”قول” خارجي معبّر عن الضيق بسياسات الكيان وتوجهاته الخارجية وهي أيضاً خطوة ليست معزولة عن سياق سابق

هنا نفهم الإصرار الإسرائيلي على إخضاع مخيّم كـ”جنين” ولو بالمجزرة، كما نفهم الفشل في ذلك، فالإصرار هو محاولة لاستعادة الردع والهيبة، والفشل هو الدلالة على فوات ذلك موضوعياً ومعنويا، وهنا تحديداً تأتي السرقة لهذا الرمز الوطني كفهم شعبي لهذا “الفوات” وبالتالي كمحاولة فردية للنجاة بالنفس، وهي خطوة ليست معزولة عن سياق سابق، وصل إلى ذروة غير مسبوقة بالانقسام الداخلي الرأسي والأفقي، وبالتالي ستليها خطوات أبعد في المستقبل القريب، وهنا أيضاً يأتي التشويش كـ”قول” خارجي معبّر عن الضيق بسياسات الكيان وتوجهاته الخارجية وهي أيضاً خطوة ليست معزولة عن سياق سابق وبالتالي ستليها خطوات أبعد في المستقبل القريب.

على الرغم من أنّ “إسرائيل” تبحث عن مكان مناسب لها في هذه الصورة الجديدة للعالم، إلا أنّ الفلسطينيين يبحثون أيضا، وبدمائهم، عن مكانهم الحقيقي تحت الشمس

وهنا أيضاً يمكن القول إنّ محاولة توسيع اتفاقات “أبراهام” لتضم السعودية، حتى وإن وصلت إلى نتيجتها المرغوبة، لن تكون، على أهميتها وخطورتها، سوى مجرد إبرة مخدّر بسيطة قد تسكت أوجاع المريض آنياً ولمدة محدّدة لكنّها ليست ترياق الشفاء الكامل، لأنّ المرض استشرى داخلياً من جهة أولى، ولأنّ البيئة الخارجية تشهد، من جهة ثانية، تبدّلات واسعة وعميقة لم يعد يعنيها “الترميم” فقط بقدر ما هي عملية بناء جديد لصورة جديدة، وعلى الرغم من أنّ “إسرائيل” تبحث عن مكان مناسب لها في هذه الصورة الجديدة للعالم، إلا أنّ الفلسطينيين يبحثون أيضا، وبدمائهم، عن مكانهم الحقيقي تحت الشمس، ولأنّهم يعرفون جيداً أنّ الاحتلال ليس قدراً لا يُرد فهمه ويعون أيضاً أنّ إمكانية رسم صورة غدهم بأنفسهم تبدو هذه المرة أقرب مما كانت في أي مرة سابقة بشرط واحد لا بدّ منه: ترسيخ الوحدة الداخلية ورصّ الصفوف وتوجيه كل الجهود نحو رسم هذه الصورة الطبيعية والتي ستلقي بخارطة “نتنياهو” التي لوّح بها مؤخراً في قاعة الأمم المتحدة في مكانها الطبيعي من التاريخ.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , ,