لقاء قادة المقاومة: جبهة المقاومة الوطنية تتبلور

التصنيفات : |
سبتمبر 27, 2023 6:49 ص

*أحمد الطناني – غزة:

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، في الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، انعقاد لقاء جمع كلاً من: الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.

اللقاء الذي حمل بيانه الختامي دلالة واضحة حول نوعيته، لم يكن لقاء للعلاقات العامة، أو لقاء سياسياً عابرا، بل لقاء يحمل دلالات استراتيجية ترسم ملامح مرحلة قادمة، فلا التوقيت ولا الإعلان ومستوى المشاركين هي تفاصيل عابرة أو عشوائية، بل رسائل واضحة ومحددة ودقيقة.

دلالات التوقيت والمكان

يأتي اللقاء في الوقت الذي تنشغل فيه أجهزة استخبارات الاحتلال وأمنه في ملاحقة الإنذارات الساخنة حول نوايا المقاومة تنفيذ عمليات فدائية، خصوصاً مع دخول موسم الأعياد اليهودية والتخوف الأمني من استثمار المقاومة لهذا الموسم في توجيه ضربات مزلزلة في عمق الأراضي المحتلة.

في ذات السياق، فإنّ اللقاء هو للمستوى الأول في قوى المقاومة الأبرز التي وجّهت وتوجّه عمليات فدائية أشعلت أرض الضفة الغربية تحت أقدام الاحتلال، والقادة المشاركون بالمناسبة ثلاثتهم قد تعرّضوا لتهديدات مباشرة من جيش وحكومة الاحتلال بالاغتيال والتصفية على خلفية الاتهام الذاته بأنّهم المُحرك الرئيسي لمعادلة المواجهة والاشتباك.

أن يُهدد الاحتلال قادة المقاومة بالاغتيال والتصفية، ويتوقع أن تُربك تهديداته حسابات هذه القيادة، والواقع يعكس معادلة مغايرة، فقادة المقاومة يمارسون عملهم، بل ويرفعون من حجم المواجهة والتحدي والتنسيق، مقابل حسابات مرتبكة ومُهتزة في كيان الاحتلال الذي أمسى وأصبح وهو يلاحق الإنذارات الساخنة ويحاول تجنب تلقّي ضربات المقاومة.

تزامن التوقيت مع حراك غير مسبوق من الولايات المتحدة مع كل من السعودية و”إسرائيل” للوصول إلى اتفاق تطبيع هو الأكثر رمزية وأهمية استراتيجية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، مع تسريبات متعددة المصادر حول تواطؤ من السلطة الفلسطينية والقيادة المتنفّذة وبحثهم عن مكاسب من خلف الاتفاق

في ذات الهامش الزمني الذي عُقد فيه اللقاء، وبعد ساعات محدودة من انسحاب آليات الاحتلال من طولكرم واستشهاد شابين فلسطينيين برصاص الاحتلال، كانت رصاصات المقاومين تشق طريقها إلى مستوطنات الاحتلال وسيارات وجيبات الجيش الغاصب، وهو ما سلّط عليه الإعلام العبري الضوء رابطاً ما بين الاجتماع والتصعيد على الأرض.

على صعيد آخر، تزامن التوقيت مع حراك غير مسبوق من الولايات المتحدة مع كل من السعودية و”إسرائيل” للوصول إلى اتفاق تطبيع هو الأكثر رمزية وأهمية استراتيجية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، مع تسريبات متعددة المصادر حول تواطؤ من السلطة الفلسطينية والقيادة المتنفّذة وبحثهم عن مكاسب من خلف الاتفاق، وهو ما استوجب وجود موقف فلسطيني واضح في وجه هذا التخاذل.

أما عن دلالات المكان، فعاصمة المقاومة بيروت، التي هددها الاحتلال أيضاً واتّهم المقاومة اللبنانية وحزب الله بالانخراط الفاعل في معادلة الاشتباك والمواجهة، مقدّراً تحريك العديد من خلايا المقاومة في الضفة المحتلة عبر مفاصل العمل المقاوم الفلسطيني المتواجدة في لبنان والنشيطة ضمن خط ساخن مع حزب الله الذي توعد أمينه العام بالرد على أي عملية اغتيال إسرائيلية على الأرض اللبنانية لأي شخصية من أي جنسية كانت وفي المقدمة: المقاومون الفلسطينيون.

مُخرجات واضحة: الاشتباك العنوان الأبرز

وفقاً للبيان الختامي الصادر عن اللقاء، فإنّه بحث التطورات الراهنة، وسبل مواجهة العدوان الصهيوني المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة تهديدات الاحتلال بتنفيذ اغتيالات، ومواصلة الاقتحامات، واستمرار سياسة الضم والاستيطان، والعدوان على مدينة القدس ضمن محاولات محمومة لفرض واقع جديد في المدينة المقدسة.

أكدت القوى الثلاث على أهمية تصعيد المقاومة الشاملة وعلى رأسها المقاومة المسلّحة في وجه الاحتلال الصهيوني، واتفقت على تعزيز كل أشكال التنسيق بينها في القضايا كافة

أكدت القوى الثلاث على أهمية تصعيد المقاومة الشاملة وعلى رأسها المقاومة المسلّحة في وجه الاحتلال الصهيوني، واتفقت على تعزيز كل أشكال التنسيق بينها في القضايا كافة، واستمرار الوحدة الميدانيّة مع كل المقاومين للتصدي للعدوان الصهيوني ولكل أشكال المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية، في ما جرى، في هذا السياق، التطرّق إلى أهمية بحث ومناقشة تشكيل جبهة موحّدة للمقاومة في الميدان.

واعتبرت القوى الثلاث دعوات المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، ينبغي التصدي لها والرد عليها بكل قوّة، موجهين دعوةً لجماهير شعبنا وقواه وشبابه الثائر للتصدي بكل قوة لهذه الدعوات.

كما أدانت القوى الثلاث جميع اتفاقات ومساعي تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال، واعتباره سقوطاً مدويا، وخيانةً صريحة لدماء شهداء شعبنا وأمتنا العربية، وتنازلاً عن المقدسات، كما نددوا بتساوق قيادة السلطة مع هذا المشروع مقابل رشاوي مالية ووعودٍ وهمية اكتوى بها شعبنا.

جبهة المقاومة الوطنية الموحدة

الإشارة الواضحة في البيان لجبهة المقاومة الموحدة، هي المخرج الاستراتيجي الأساسي في لقاء قادة المقاومة، وهو ما رسم ملامحه بشكل أكثر وضوحاً نائب الأمين العام للجبهة الشعبية جميل مزهر، الذي استبق الاجتماع بعقد اجتماعات منفردة مع كل من: أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، في ما يبدو أنّها كانت لقاءات تحضيرية لإنضاج مشروع طال انتظاره كثيرا.

أوضح مزهر الخطوط الأساسية الجاري ترتيبها من قِبل قيادة المقاومة معتبراً أنّ الضرورة والأهمية الكبيرة لوحدة المقاومين في الميدان هي المدخل لتفويت أي فرصة للاستفراد بأي فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية

في مقابلته على قناة الميادين، أوضح مزهر الخطوط الأساسية الجاري ترتيبها من قِبل قيادة المقاومة معتبراً أنّ الضرورة والأهمية الكبيرة لوحدة المقاومين في الميدان هي المدخل لتفويت أي فرصة للاستفراد بأي فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية، لافتاً إلى أنّ تصاعد المقاومة نابع من قرار واضح من الفصائل بالتصعيد في وجه الإجرام الصهيوني، وإدامة الاشتباك مع العدو.

الوحدة الميدانية وتجميع عناصر القوة ومضاعفتها، وفقاً للجبهة الشعبية هي مهمة استراتيجية، وتعزيز هذه الوحدة الميدانية يتطلب تشكيل مظلة ومرجعية لكل المقاومين على اختلاف انتماءاتهم، وبالتالي الهدف الأساس الآن هو تشكيل جبهة مقاومة موحدة في الميدان.

إنّ الحديث عن جبهة المقاومة الوطنية بهذا الوضوح، وفي الوقت الذي فشل فيه اجتماع الأمناء العامين في الوصول لأي برنامج سياسي حقيقي أو توافق حتى على الحد الأدنى من ملامح الاستراتيجية الوطنية، يؤكد أنّ قوى المقاومة باتت تبلور خطاً وحدوياً يغادر مربع الانتظارية السلبية، ويرتكز بشكل أساسي على معادلة الاشتباك.

الهدف تحرير الضفة

المواجهة في الضفة الغربية المحتلة هي محور وساحة رئيسية للاشتباك، وكان لافتاً إشارة نائب الأمين العام للشعبية إلى نموذج طرد الاحتلال من غزة وإجباره على إخلاء مستوطناته تحت ضربات المقاومة، وطرح ذات المقاربة التي تُشكّل هدفاً في الضفة، قائلا: “على العدو أن يتراجع ويفكر ملياً بالانسحاب من الضفة المحتلة، وهذه خطوة مهمة نعمل عليها، وعلى كل قوى المقاومة أن تتوحّد في العمل على ذلك”.

إنّ الحديث الواضح والعلني عن تحرير الضفة الغربية، هو عنوان أصبح حاضراً بشكل واضح في كلمات ومواقف، وحتماً في برامج قوى المقاومة

كما شدّد القائد مزهر على أنّ “رحيل الاحتلال عن الضفة هدف أساسي واستراتيجي لن نتراجع عنه بأي حالٍ من الأحوال، ومصير هذا الاحتلال إلى الزوال والرحيل، وهو ليس بعيداً عن الرحيل أمام الشعب الفلسطيني ومقاومته، مسنوداً بمحور المقاومة الذي يسانده ويقدّم الدعم والإسناد على كل المستويات”.

إنّ الحديث الواضح والعلني عن تحرير الضفة الغربية، هو عنوان أصبح حاضراً بشكل واضح في كلمات ومواقف، وحتماً في برامج قوى المقاومة، وما كان قبل سنوات ضرب من الخيال، أصبح اليوم برنامج تخطو إليه المقاومة بإيمان مسنود بضربات المقاومين المُستمرة، وهو ما يعني أنّ خطوة الوحدة الميدانية وجبهة المقاومة الوطنية ستكون مدماكاً جديداً في نعش الاحتلال وحائط صدّ في وجه مخططات التصفية والتوسع الاستيطاني، وهو ما يستوجب تحرك وطني واسع لإسناد هذه الفكرة التي ستُشكّل مدخلاً جوهرياً في تحقيق وحدة وطنية حقيقية وجمع كل المقاومين الفلسطينيين والمؤمنين بجدوى الاشتباك والمواجهة تحت شعار واحد.

*كاتب فلسطيني


وسوم :