الترجمة القاتلة

التصنيفات : |
سبتمبر 30, 2023 6:52 ص

*محمد القيق – الضفة المحتلة:

يعمل الاحتلال الإسرائيلي على عدة صعد لمحاصرة الشعب الفلسطيني والحاضنة الشعبية، فعلى الصعيد الميداني يواصل العمليات المكثفة العسكرية والأمنية وعلى الصعيد السياسي يواصل مسارات “البروباچاندا” وهي الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، وكذلك مسار التطبيع، ومسار تشويه الساحة الفلسطينية.

وعلى الصعيد الثالث، وهو المهم في هذا المقال؛ الترجمة العبرية والإعلام العبري المركزي.. فمما لا شك فيه أنّ الاحتلال الإسرائيلي يوجّه الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع ويستفيد من ذلك في ما تُسمى الجبهة الداخلية لديهم في بقائها ضمن السياج الذي تحدده المخابرات بفروعها (الشاباك والموساد)، وكذلك في إعطاء رسائل تضليلية يُراد منها أهداف عملية ونفسية ومعنوية سواء في الشارع الإسرائيلي أو في ما يترجم إلى الشارع الفلسطيني والعربي.

يعمد الاحتلال إلى إعطاء معلومات تروّج لمسار معين يحتاجه لتضليل الجهة المستهدفة أو تشويه زاوية محددة أو التحذير من معادلة معينة لتكون إشارة للجهة المستهدفة تجنبها، وهي في واقع الأمر ضمن خطة أمنية لتحقيق هدف

‏يعتمد الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود ومنذ نشأة هذا الكيان على الإعلام الأمني الذي من خلاله يمكن له أن يحقّق ضربات مفاجئة عسكرية وأمنية، وتمكّن من خلاله أن يكشف خلايا في التنظيمات الفلسطينية أو التعامل مع الحالة الإقليمية، فكان العديد من الأمثلة شاهدة على ذلك من خلال إعطاء معلومات تروّج لمسار معين يحتاجه لتضليل الجهة المستهدفة أو تشويه زاوية محددة أو التحذير من معادلة معينة لتكون إشارة للجهة المستهدفة تجنبها، وهي في واقع الأمر ضمن خطة أمنية لتحقيق هدف.

هذا النوع يُستخدم في آليات الاعتقال والتحقيق وإخفاء التفاصيل وهويات المنفّذين ونقاط التواصل ونوعيتها؛ وهذا كله من أجل اكتمال الحلقة وتثبيت الهدف المُراد وتسريع الإنجاز وإلقاء الشبكة على الفريسة.

‏قديما، تجدد هذا النهج والنموذج وهو الاهتمام المباشر في الجبهة الداخلية الفلسطينية واللعب على التناقضات الفصائلية والتبعية لمنظومة الدول العربية أو لأمريكا في منهجية التقسيم ما بين فريق “أوسلو” وفريق شيعي – إيراني وفريق بعثي – عربي والقومية والإسلامية وغيرها من هذه المعادلات التي بدأت مؤخراً بضخ كميات هائلة من المواد الإعلامية المرئية والمسموعة المكتوبة لتغذيتها.

الحذر.. ثم الحذر.. ثم الحذر!

وتُنسب إلى تقارير سياسية تارة أو مسؤول كبير تارة أخرى أو تقديرات أمنية صادرة عن معهد الدراسات الفلاني وتارة ثالثة من تقديرات أو استشارات أو نتائج بحث أو غيرها من استطلاعات، أو يأتون بمعلومات تسربت حولها كذا وكذا.

الهدف من هكذا نموذج مضخّم في المرحلة الأخيرة على الصعيد الداخلي الإسرائيلي إبقاء زمام الأمور بيد الحكومة وذراعها الأمني حتى يتسنى ترتيب الأوراق بالطريقة التي بُنيت عليها “إسرائيل” وخدمة مصالحها.

إنّ مترجِم العبري عليه الانتباه للملفات وزاوية نقلها للجمهور الفلسطيني والعربي لأنّ الإعلام العبري كله موجه وتحت الرقابة

هذا أيضاً يُضاف له ما تتمّ ترجمته من بعض الصحافيين أو المترجمين الفلسطينيين والعرب الذين ليس لهم دراية وعمق في هذا التوجيه المطعّم بالسموم الذي يخدم النظرية الأمنية الإسرائيلية في معادلة “فرّق تسُد”، والتبعية والأجندة أو بثّ روح الفتنة في الساحة الفلسطينية بطريقة غير مباشرة، وتغطيتها بحقائق موجودة على الأرض من ضعف فصائل أو اختراق عملي أو فشل سياسي أو عدم توافق، وهذا كله يخدم ما يريده الإسرائيلي وليس من خلال لسان الحكومة بقدر ما هو من خلال الإعلام والترجمة الخاطئة في هذا المستنقع.

ولذلك، فإنّ مترجِم العبري عليه الانتباه للملفات وزاوية نقلها للجمهور الفلسطيني والعربي لأنّ الإعلام العبري كله موجه وتحت الرقابة.

فلا يُعقل أن تكون خدمة مجانية للاحتلال إغراق الإعلام الفلسطيني بما يريدونه بحجة أنّه مترجِم مستقل أو محايد، حتى أنّ البعض تخيل نفسه أنّه مراسل “يديعوت” وغيرها ضمن “القابلية للاستعمار” ونقص الشخصية

فلا يُعقل أن تكون خدمة مجانية للاحتلال إغراق الإعلام الفلسطيني بما يريدونه بحجة أنّه مترجِم مستقل أو محايد، حتى أنّ البعض تخيل نفسه أنّه مراسل “يديعوت” وغيرها ضمن “القابلية للاستعمار” ونقص الشخصية.

وعلى وسائل الإعلام الانتباه؛ فمستنقع الترجمة هو سلاح ذو حدين، فالجبهة الداخلية يجب أن تُحفظ من مثل هذه الترجمات التي بعضها مؤذٍ جداً على المدى القريب وعلى عمق الرؤية الجمعية للاحتلال ومجتمعه وصناعة الرأي العام وتغييب المضمون المهم.

في نفس الوقت التقدير والشكر للمترجم الواعي لهكذا مصائد ويدرك أنّ كل حرف أو كلمة في الإعلام العبري من مقال أو رأي أو توقع لا يُعقل ولا يصح أن تكون خبراً يسري للمتلقي دون فلترة أو تقييم، فالتضليل والتثبيط غير المباشر مطعّم جيداً في كثير من المجالات العبرية.

والمترجِم وُجب حذره أن يكون ببغاء! فكل مجتمع ودولة وشعب له محددات وسياسات ومعادلات، وعمق التوجيه في الترجمة للأسف يفتقد له بعض من المترجمين؛ وبات همّ بعضهم فقط التسابق للتواصل مع صحافي إسرائيلي هنا أو مؤسسة هناك، وتبريره الساذج جاهز وحيادية تجلب له مصدر مال أو مساحة في محطات إعلامية على حساب جوهر الفكرة “التمييع”.

تذويب المحددات والخطوط الحمراء من باب الترجمة ودمج المحاور والقضايا هو “خلط الحابل بالنابل” ينعكس على غسل دماغ مجاني يهدر جهد وعمق وقوة الجبهة الداخلية، ويجعل المقاومة لكل شيء محط تقييم مبنياً على ترجمة خبثها أصلاً في مضمونها.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , ,