تهجير الفلسطينيين من غزة.. “إسرائيل” تعيد تدوير مشاريعها

التصنيفات : |
أكتوبر 16, 2023 12:10 م

*سنان حسن

أعادت معركة طوفان الأقصى التي فجّرتها المقاومة الفلسطينية فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، المشاريع الإسرائيلية والغربية الهادفة إلى تهجير وتوطين الفلسطينيين إلى الواجهة من جديد، حيث رمت واشنطن بكل ثقلها هذه المرة لفرض أمر واقع في قطاع غزة تحت ذرائع إنسانية وحماية المدنيين من المعارك الدائرة في شمال القطاع ونقلهم مؤقتاً إلى جنوب القطاع، وتالياً إلى مصر وسيناء تحديداً، ودعوة المتحدث باسم جيش الاحتلال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيخت لفتح ممرات آمنة للمدنيين في غزة نحو مصر مثال، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى مع هذا التطوّر الخطير، وتالياً الدول الإقليمية وفي مقدّمتها مصر والأردن مع الضغوط الأمريكية الكبيرة، وأخيراً المجتمع الدولي المتمثّل بالأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بذلك.

مشاريع غربية

منذ نكبة فلسطين عام 1948، لا تتوانى المنظمة الصهيونية عن تنفيذ المخططات والمشاريع الهادفة إلى إنهاء وجود الفلسطينيين على أرضهم وتهجيرهم، وما حصل قبل وخلال النكبة وبعدها من تهجير ممنهج للفلسطينيين يصبّ في هذا الهدف، وقد تتالت بعدها المشاريع الأمريكية والغربية الممهورة بتواطؤ أممي فاضح لتوطين الفلسطينيين في الدول التي نزحوا إليها، على الرغم من وجود القرار الدولي 194 الذي يضمن حقّ الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم ومدنهم وقراهم، بداية من مشروع ماك غي مستشار وزير الخارجية الأمريكي سنة 1949، وبعثة غوردن كلاب التابعة للأمم المتحدة سنة 1949، ومشروع جون بلاندفورد المفوّض العام السابق لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة سنة 1951، ومشروع إريك جونستون مبعوث الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط في الفترة ما بين سنة 1953 و1955، ومشروع بريطاني أعدّته وزارة الخارجية سنة 1955، ومشروع داغ همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة سنة 1959، ومشروع جوزيف جونسون رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي سنة 1962، ومشروع مارك بيرون للدبلوماسي الكندي مارك بيرون سنة 1993، وصولاً إلى رؤية بيل كلينتون أواخر سنة 2000 ومشروع إلينا روز لشتاين عضو مجلس النواب الأمريكي ورئيسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط ووسط آسيا مع عدد من أعضاء مجلس النواب سنة 2006، وأخيراً صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية عام 2020 التي أعاد فيها تعريف اللاجئ الفلسطيني لنسف حقّ العودة الذي ضمنه القرار الدولي 194، وفرض توطين الفلسطينيين في البلدان التي نزحوا إليها كأمر واقع وبالتحديد في دول لبنان وسوريا والأردن.

والعرب أيضاً متواطئون

في ظل هذا العدد الكبير من المشاريع والمخططات، ذكرت الوثائق التاريخية التي تمّ الكشف عنها تواطؤاً عربياً في هذه المسألة، كان لمصر زمن الملك فاروق حصة منها، حيث وافقت حينها على مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء في الفترة ما بين 1951-1953، وعقدت القاهرة اتفاقاً مع وكالة الغوث يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدّان يُقام عليها عدد من المشاريع.. لكنّ ثورة تموز/ يوليو ألغت هذا المشروع.

وفي سوريا أيضاً أعلن حسني الزعيم عام 1949 قبوله بتوطين ثلاثمائة ألف لاجئ في منطقة الجزيرة، حيث اتفقت على ذلك وكالة الغوث الدولية مع الحكومة السورية سنة 1952، وقد رفض بن غوريون هذا المشروع لأنّ حسني الزعيم ربط ذلك بالمطالبة بتعويض اللاجئين وتقديم مساعدة.

المقاومة بالمرصاد

ولكنّ الأخطر من كل ذلك ما صاغته سلطة أوسلو وكيان الاحتلال بعد توقيع الاتفاق المشؤوم وما بات يُعرف بوثيقة أبو مازن وبيلين، وفيها تعترف “إسرائيل” بأنّ العودة حقّ مبدئي للفلسطينيين، بالإضافة إلى التعويض عن الخسائر الناتجة عن حربي 1948 و1967، ولكن بشرط اعتراف الجانب الفلسطيني أنّ العودة كما نصّ عليها القرار 194 صارت أمراً غير عملي.

من ضمن ما تناولته الوثيقة أن تحل هيئة دولية جديدة محل وكالة غوث اللاجئين، وإعادة تأهيل واستيعاب اللاجئين في دول وأماكن إقامتهم

وكذلك تمّت الإشارة إلى تشكيل لجنة دولية للإشراف على تأهيل اللاجئين وإدماجهم حيث يوجدون. ولكنّ موت إسحق رابين سنة 1995 ساهم في بقاء الاتفاق قيد الكتمان، وهذه الوثيقة عادت وتمّ إحياؤها من جديد في عام 2003 ضمن التصوّر للحل النهائي، حيث أعلن يوسي بيلين برفقة ياسر عبد ربه تصوّراً للحل النهائي لإشكالية اللاجئين، ومن ضمن ما تناولته الوثيقة أن تحل هيئة دولية جديدة محل وكالة غوث اللاجئين، وإعادة تأهيل واستيعاب اللاجئين في دول وأماكن إقامتهم.

واليوم، وفي ظل ما تشهده فلسطين من معركة كبرى تخوضها المقاومة الفلسطينية في كل أنحاء فلسطين بمواجهة العدو الصهيوني، جاءت إعادة طرح المشروع التهجيري كنافذة للهروب من الفشل الذي مُني به الصهاينة عسكرياً وسياسياً وحتى اجتماعيا، ولكنّ الرفض المصري المباشر لفتح معبر رفح على الرغم من الضغط الأمريكي ساهم بشكل كبير في تعطيل المساعي الإسرائيلية – الغربية في هذا السياق.. مسؤول مصري كبير رفض الكشف عن هويته، قال: “إنّ حكومة بلاده رفضت مقترحاً أمريكياً بالسماح للفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي، بمغادرة قطاع غزة نحو الأراضي المصرية”، مثال.. في حين كان موقف الأمم المتحدة ملتبساً على الرغم من الرفض الخجول الذي أعلنته للمشروع الإسرائيلي، معللة ذلك بأنّ الأمر دونه مخاطر كبيرة؟!.

كان الفلسطينيون في غزة ومن خلفهم المقاومة الباسلة أكثر وضوحاً في الردّ على المشروع الصهيوني عبر تأكيد تصميمهم على مقاومة العدوان والتشبّث بأرضهم

في المقابل، كان الفلسطينيون في غزة ومن خلفهم المقاومة الباسلة أكثر وضوحاً في الردّ على المشروع الصهيوني عبر تأكيد تصميمهم على مقاومة العدوان والتشبّث بأرضهم، حيث احتشد المئات من أهالي مخيّم جباليا شمال قطاع غزة في مسيرة حاشدة، رفضاً لمخططات التهجير ودعماً للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

تلاقى الموقف الفلسطيني مع أجنحة محور المقاومة التي أعلنت أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي في حيال محاولات تغيير الوضع الديمغرافي في غزة أو كسر المقاومة، وأنّها جاهزة لكل الخيارات المطروحة على الطاولة.

في ضوء ذلك، وعلى الرغم من التهويل الإعلامي الذي تقوده الماكينة الإعلامية الإسرائيلية والغربية لتحقيق أول هدف من مشروعها في تهجير الفلسطينيين من بوابة غزة من خلال نقلهم إلى مصر، إلا أنّ الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، فالمقاومة ومجاهدوها يسطّرون أروع الملاحم في مواجهة العدو ومليشياته الإرهابية، ولا يستطيع أحد في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة الموافقة على مثل هذا القرار أو التواطؤ معه، لأنّ أهل غزة أعلنوا بوضوح أنّهم لن يقبلوا نكبة أخرى، وأنّ أي انتقال لهم سيكون فقط بالعودة إلى منازلهم التي اغتصبتها “إسرائيل”.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,