موسم الزيتون في فلسطين.. حنين اللاجئين وشغف الصامدين

التصنيفات : |
أكتوبر 23, 2023 9:00 ص

*حمزة البشتاوي

يعتبر الفلسطينيون موسم قطاف الزيتون في بلادهم موسم حب وفرح وصمود ومقاومة للاحتلال، وتظهر عليهم علامات السعادة الممزوجة بالروح التراثية، وهم منغمسون بالعمل في أخضان أشجار الزيتون، حيث تتحول أيام القطاف لديهم إلى فعاليات وأنشطة وطنية تسودها الأجواء التقليدية والفلكلورية الفلسطينية وسط  الملامح الفلسطينية التي تتجسد بأعلى صورها في موسم قطاف الزيتون منذ ما قبل النكبة عام 1948 وطرد العصابات الصهيونية الفلسطينيين قسراً من مدنهم وقراهم.

وما زال موسم قطف الزيتون مستمراً بالحضور في ذاكرة الحنين وشغف الصمود، كرمز من رموز التأكيد على كفاح الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم وارتباطهم بشجرة الزيتون الذي يشبه إرتباط الروح بالجسد.

ولهذا السبب فإنّ أكثر الأشجار تعرضاً لاعتداءات الاحتلال والمستوطنين في فلسطين، هي أشجار الزيتون حيث تُقتلع ويُحرق الآلاف منها سنويا، وبشكل خاص ما قبل مواعيد موسم القطاف.

ويوجد ما بين الفلسطينيين وأشجار الزيتون شبه كبير، ومن أبرز أوجه الشبه أو التشابه الاستهداف المستمر من قِبل الاحتلال لهم، حيث يسعى الصهاينة لاقتلاع المزيد من الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، واقتلاع أشجار الزيتون التي تمثّل جزءاً أساسياً من الهوية الفلسطينية المحفوظة لدى الفلسطينيين داخل وخارج أرضهم، ويعتبرونها مع مفتاح العودة، من أبرز رموز الصلة الوطيدة لتعلقهم بأرضهم ووطنهم المقيم في القلب والذاكرة والوجدان.

ومنذ قديم الزمان مثّلت أشجار الزيتون عنصراً رئيسياً في حياة الفلسطينيين، حيث تقوم العائلات الفلسطينية في عموم الأراضي الفلسطينية بقطف ثمار الزيتون على مدار شهرين، بدءاً من أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام.

إنّنا عائدون وإنّنا على هذه الأرض باقون ما بقي الزعتر والزيتون

وللزيتون أوصاف جميلة بالشعر والأغنيات الشعبية ومن أشجاره يستخرج الفلسطينيون الحطب للتدفئة في الشتاء، وبموسم القطاف يقضون معظم ساعات النهار في الطبيعة، يطهون الطعام على الحطب وكذلك الشاي، ويجلسون تحت جذع زيتونة يستمعون إلى أغاني وقصائد يتردد صداها في الفضاء الرحب، ومن تلك الأغاني:

يا زيتون الحواري صبح جدادك ساري

يا زيتون اقلب ليمون اقلب مسخن في الطابون

ومن الأغاني أيضا:

زيتونا حامل والزيت بنقط منه

زيتونا وحداني يا رب كثّر منه

زيتونا حامل والزيت ع جراره

نايف  وحداني يا رب تعمر داره

كما أنّ الأطفال يرددون خلف جداتهم وأمهاتهم الأغاني الشعبية أثناء قطف الزيتون ومنها:

إمي راحت تتسوق وأختي بتخبز بالطابون

ستي عملتلي عجه قلتها بزيت الزتون

قالتلي طعمي اصحابك لا تنسى تدفي حالك

قلتلها شكراً كتير عل العجه وزيت الزتون

وأما في الشعر فتحضر في عصرنا الحديث قصيدة الشاعر محمود درويش التي قال فيها: “لو يذكر الزيتون غارسهُ/ لصار الزيت دمعا!/ يا حكمة الأجدادِ/ لو من لحمنا/ نعطيك درعا!/ لكن سهل الريح،/ لا يعطي عبيد الريح زرعا!/ إنا سنقلع بالرموش/ الشوك والأحزان.. قلعا!/ وإلام نحمل عارنا وصليبنا!/ والكون يسعى../ سنظل في الزيتون خضرته،/ وحول الأرض درعا!”.

وقال أيضا: “شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك، هي سيدة السفوح المحتشمة. بظلها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة. تقف كأنّها جالسة، وتجلس كأنّها واقفة. تحيا أختاً لأبدية أليفة وجارة لزمن، يعيها على تخزين الزيت النوراني وعلى نسيان أسماء الغزاة”.

وقد أصبح هذا الصوت اليوم يعلو مع أصوات الحنين والشغف التي يرددها الفلسطينيون في كل المواسم حيث يقولون: “إنّنا عائدون وإنّنا على هذه الأرض باقون ما بقي الزعتر والزيتون”.

*كاتب وإعلامي


وسوم :
, , , , , , , , , ,