“الختيار”: وثائقي لمحمد بلحاج عن رحلة عرفات في النضال والإخفاقات

التصنيفات : |
نوفمبر 15, 2023 7:55 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

في الذكرى التاسعة عشر لاستشهاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والتي صادفت السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عرضت قناة الجزيرة الوثائقية سلسلة تحمل اسم “الختيار”، من إخراج محمد بلحاج، تضمنت ثلاثة أجزاء يحوي كل منها مرحلة من مراحل حياة الشهيد الكبير.

والسلسلة عبارة عن توثيق آراء وشهادات عدد كبير من الأشخاص الذين عرفوه كل من موقعه السياسي أو الحزبي وعلاقتهم بشخصية ياسر عرفات وعلاقتهم به، وعلاقاته بالمجتمع المحيط.

يحمل الجزء الأول، عنوان: البدايات، والجزء الثاني، عنوان: التقلبات، والجزء الثالث، عنوان: التسوية.

1-الختيار – البدايات:

اعتمد الجزء الأول على مواد أرشيفية قبل أن ينتقل إلى تقديم آراء وشهادات المشاركين، ويغطي هذا الجزء المرحلة الممتدة من خمسينيات القرن الماضي حتى عام ١٩٧٣.

يعرض الفيلم، وعلى لسان الشهيد نفسه، بدايات نضاله مع المصريين ضد الانتداب البريطاني، ودوره الطلابي حتى العدوان الثلاثي على مصر والذي دفع به ومجموعة من الفلسطينيين  للتمرد على الواقع وطرح إمكانية العودة إلى  استخدام السلاح لاستعادة الأرض والحقوق، بعد الهزائم التي مُني بها الشعب الفلسطيني عام 1936 وعام 1948.

ياسر عرفات كان مصراً على هذا الخيار، لأنّ أحد المشاركين سأله: “هل الألغام قادرة على تحقيق الربح؟.”

وكان جواب أبي عمار: “إنّها الشرارة التي تُشعل القضية، وإنّنا سنوحّد الشعب الفلسطيني من خلال البندقية”.

وأشار المشاركون، وكل من موقعه، أنّ ياسر عرفات أمل باستقطاب الجماهير من خلال إيجاد جو ثوري، يهدف إلى تحرير الوطن الفلسطيني وإزالة الوجود الصهيوني. وهنا لا بد من الإشارة إلى الحل الذي طرحه أكثر من ضيف في الوثائقي، بأنّ الحل عند ياسر عرفات تمثّل ببناء دولة ديمقراطية وطنية يعيش فيها الجميع من مختلف الأطراف والأديان. وهذا الحل يرفضه الكيان الصهيوني.

أشار بعض المشاركين إلى موقف الأنظمة العربية الرافض لبناء حركة تحرر فلسطينية مستقلة وأنّه جرى ملاحقة الناشطين من الحركة.

كما أشار الفيلم إلى أنّ أبا عمار عاد إلى الأراضي الفلسطينية  بعد نكسة 1967، وقال أحدهم إنّ ياسر عرفات ارتمى في حضن النظام المصري.

اعتبر بعض المشاركين أنّ أبا عمار استفاد من الانقسام العامودي في لبنان ليؤسس دويلة داخل الدولة وأنّ اتفاق القاهرة عام 1969 كرّس شرعية وجود المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني

لكنّ الجميع أجمع على الأهمية الاستثنائية لمعركة الكرامة وإصرار أبي عمار على قيادة عمليات المواجهة مع العدو الصهيوني، وهذا ما دفع البعض إلى وصفه بـ”الرجل الأخطر” في الشرق الأوسط.

عرض الفيلم كيف نجح عرفات بعد معركة الكرامة بإدخال حركة فتح في منظمة التحرير الفلسطينية التي تحوّلت تحت قيادته إلى المؤسسة الشرعية الفلسطينية.

كذلك نجح في نسج علاقات إيجابية مع اليسار الأوروبي.

بعد ذلك تباينت الآراء حول سلوك عرفات تجاه ما حدث في الأردن عام 1970، وكيف انفجر الوضع بين الدولة والثورة على الرغم من رفض عرفات خوض معركة ضد الأردن، وفي الفيلم يقول أحدهم إنّ الملك حسين أخبره أنّ الجيش الأردني أجبر السلطة على المعركة مع الفلسطينيين.

واعتبر بعض المشاركين أنّ أبا عمار استفاد من الانقسام العامودي في لبنان ليؤسس دويلة داخل الدولة وأنّ اتفاق القاهرة عام 1969 كرّس شرعية وجود المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني.

وفي هذا القسم من الجزء الأول، تباينت الآراء بين ضيوف الوثائقي حول الدور الذي لعبه أبو عمار في لبنان، لكنّهم أجمعوا أنّه كان مستعداً للقيام بأي شيء من أجل تحقيق هدفه بالعودة وتحرير فلسطين، وهذا ما دفعه لقبول منظمات فلسطينية صغيرة تنفّذ سياسات الأنظمة العربية المختلفة. وتوافق الجميع على أنّه كان يفسح في المجال للجميع لإبداء الرأي لكنّ القرار يعود له.

2-الختيار – التقلبات:

يبدأ الجزء الثاني من وثائقي “الختيار” بالإشارة إلى مشاركة عرفات في اجتماعات الأمم المتحدة وقوله الشهير: “أتيت حاملاً السلاح بيد وغصن الزيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”.

أي أنّ عرفات الذي كان يقول إنّ الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للتحرير، أتى يفتش عن سلام ممكن في الأمم المتحدة، مشيراً إلى حل الدولتين.

منهم من قال إنّ عرفات ينحو نحو التسوية منذ  عام 1974، ومنهم من أشار إلى قيام جبهة من المنظمات ضد البرنامج المرحلي الذي أُقر عام 1973. ومنهم من أشار إلى الدور الذي لعبه في تعميق الانقسام اللبناني، ودخول لبنان في حرب أهلية

وهنا تباينت آراء المشاركين في الوثائقي، منهم من قال إنّ عرفات ينحو نحو التسوية منذ  عام 1974، ومنهم من أشار إلى قيام جبهة من المنظمات ضد البرنامج المرحلي الذي أُقر عام 1973. ومنهم من أشار إلى الدور الذي لعبه في تعميق الانقسام اللبناني، ودخول لبنان في حرب أهلية، وكيف وافق عرفات على الدخول السوري عام 1976. لكنّه رفض اتفاق كامب ديفيد الذي وقّعه أنور السادات مع الكيان الصهيوني.

ثم تناول هذا الجزء فترة الحصار الإسرائيلي لمدينة بيروت خلال اجتياح 1982، وكيف تصرف بشجاعة نادرة إلى حين خروجه من بيروت، لتنتهيَ فترة وجود الفلسطينيين المسلحين على الحدود مع فلسطين المحتلة، وبعد ذلك توجهه إلى تونس وتحضيره مع رفاقه لنقل المعركة إلى الداخل والبدء بانتفاضة الحجارة عام 1987.

الختيار – التسوية:

يبدأ الجزء الثالث بحديث المشاركين عن بيان الاستقلال الفلسطيني عام  1988، والذي يعترف فيه عرفات بحقّ “إسرائيل” بالوجود، واستعداده للدخول في مفاوضات مستمرة للوصول إلى دولة مستقلة استناداً إلى النضال في الداخل.

وأنّ هذا المسار هو ما دفعه إلى فتح قنوات عدة للوصول إلى تسوية ما. بعض المشاركين وصفه بالبراغماتي، والبعض الآخر اعتبر أنّه حرم أجيال المستقبل من إكمال النضال، والبعض نصحه بعدم الدخول إلى فلسطين، وأن يبقى في الخارج، لكنّه أصر على الدخول بعد اتفاق أوسلو وفي اعتقاده أنّ المسار التفاوضي  وبالتزامن مع الانتفاضة العسكرية ستوصل الفلسطينيين إلى هدفهم.

معظم من قدّم رأيه في أبي عمار بقي أسيراً لوعيه في المرحلة التي عاش فيها تجربته مع ياسر عرفات. وما ينطبق على الواقع الفلسطيني ينطبق على الواقع اللبناني

وينتهي الفيلم بكلمات لعرفات:

“يريدونني أسيرا، طريدا، قتيلا.. لكنّني سأكون شهيدا، شهيدا، شهيدا”.

لقد نجح المخرج وكاتب السيانريو المغربي محمد بلحاج في توثيق مسار حياة عرفات النضالية من خلال شهادات العديد من الأشخاص، منهم من أيّده، ومنهم من عارضه، ومنهم من خاصمه. ولكن اعتقد أنّ معظم من قدّم رأيه في أبي عمار بقي أسيراً لوعيه في المرحلة التي عاش فيها تجربته مع ياسر عرفات. وما ينطبق على الواقع الفلسطيني ينطبق على الواقع اللبناني. وأبدع بلحاج في صوغ حكاية الختيار بالمسارين التاريخي والجغرافي على أهمية استخدام المادة الأرشيفية التي نقلت المشاهد إلى الحقبة التي يعالجها الفيلم وأعادت بالذاكرة الحية قضية فلسطين من خلال هذه الشخصية المفصلية في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.

الرجل الأهم

ورد في الفيلم عبارة أنّ عرفات هو أخطر رجل في الشرق الأوسط، وبرأيي هو الأكثر أهمية في المنطقة، لأنّ أهمية أي انسان هو بالتغيير الذي يقوم به في بيئته، وعرفات استطاع ورفاقه أن يُحدثوا تغييراً كبيراً في البيئة الفلسطينية إذ استطاع تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى المؤسسة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني داخليا، إقليمياً ودوليا.

كما استطاع الدفاع عن القرار الوطني المستقل خلال فترة نضاله، وبغض النظر عن صحة الموقف أو خطأه، لكنّه كان قراراً وطنياً مستقلا.

وهذا ما يجعل منه إنساناً استثنائياً في الوطن العربي، وافقته الرأي أو خالفته.

لقد تماهى التاريخ الشخصي للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع تاريخ القضية الفلسطينية منذ خمسينيات القرن الماضي حتى تاريخ استشهاده، وبالتالي فإنّ توثيق مرحلة نضاله يرتبط بتوثيق موضوعي لحركة النضال الفلسطيني منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم وهذا ما فعله وثائقي “الختيار” بأجزائه الثلاثة.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,