اكذب اكذب حتى يصدّقك الآخرون!

التصنيفات : |
نوفمبر 21, 2023 7:50 ص

*سنان حسن

منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى والولايات المتحدة الأمريكية ترسم الخطوط العريضة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ حرب الإبادة بحقّ الفلسطينيين الثائرين لاستعادة أرضهم المحتلة ونيل حريتهم، مستخدمة سيلاً كبيراً من الأكاذيب المسنودة بإمبراطوريات إعلامية عملاقة تروّج لنشرها ودفع الرأي العام لتصديقها والمضي بها، وأكثر من ذلك قامت هذه الإمبراطوريات بحذف المحتوى الفلسطيني ومنعه من التداول والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي لخنق هذا المحتوى ووأده، والهدف واضح وصريح هو إنهاء القضية الفلسطينية من وعي الشعوب والمناصرين للحقّ الفلسطيني.

لم يكن تعميم الكذب والترويج للروايات التي تخدم سياستها أمراً مستجداً على الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها “إسرائيل” فقد استخدمته واشنطن في العديد من حروبها من فيتنام إلى يوغسلافيا والعراق وأفغانستان وسوريا وانتهاء بفلسطين اليوم، ولعل أشهر هذه الكذبات “أنبوبة” وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول أمام أعضاء مجلس الأمن عن وجود أسلحة دمار شامل مخبّأة في القصور الرئاسية للرئيس العراقي السابق صدام حسين ليتبين بعد مرور أعوام على غزو العراق أنّ المعلومات كلها كانت مضللة والهدف فقط احتلال العراق وتدمير، والأمر ينطبق أيضاً على كذبة قلع أظافر الأطفال السوريين في مدينة درعا السورية والتي ولغاية السنة الثانية عشر من انطلاق الحرب على سوريا لم يظهر أحد هؤلاء الأطفال ويروي ما حدث بالفعل.

الرئيس الأمريكي جون بايدن لم يتوقف عن الحديث عن مشاهدته صوراً مروعة ارتكبتها حماس بحقّ الأطفال الإسرائيليين

واليوم، وفي “طوفان الأقصى” دأبت واشنطن و”إسرائيل” على فعل ذلك منذ اللحظة الأولى لبدء الطوفان ولغاية اليوم، والبداية كانت مع بث فيديو لمراسلة الـ CNN عن قيام مجاهدي المقاومة بقتل أطفال إسرائيليين وارتكاب مجزرة بحقّهم في إحدى المغتصبات في غلاف غزة، وبعد التعميم على نطاق واسع، يتمّ الإعلان عن اعتذار المراسلة عما قامت بنشره لأنّ هناك خطأ على الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي جون بايدن لم يتوقف عن الحديث عن مشاهدته صور مروعة ارتكبتها حماس بحقّ الأطفال الإسرائيليين.

وفي حادثة ثانية أصرت واشنطن ومن لفّ لفها وبكل عناد على أنّ المقاومة الفلسطينية هي من قصف ساحة مشفى المعمداني التي كانت تأوي الآلاف من الفلسطينيين الهاربين من نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من أنّ كل المعطيات تؤكد أنّ جيش الاحتلال هو من قام بالقصف بدليل القدرة التفجيرية للصاروخ الأمريكي الصنع الذي ضرب الساحة أو من خلال صورة الأقمار الصناعية التي كشفتها روسيا عن هوية الصاروخ الذي ضرب المشفى، ولكن هل توقفت أمريكا عن كل الكذب لتبرير القتل الإسرائيلي؟، بالتأكيد كلا.

أعطى الكذب الأمريكي المباشر عن وجود غرفة قيادة وعمليات لفصائل المقاومة الفلسطينية في مجمّع الشفاء الطبي، الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لاقتحام المشفى والتنكيل بالجرحى والمرضى والأطفال الخدج

وقد أعطى الكذب الأمريكي المباشر عن وجود غرفة قيادة وعمليات لفصائل المقاومة الفلسطينية في مجمّع الشفاء الطبي، الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لاقتحام المشفى والتنكيل بالجرحى والمرضى والأطفال الخدج، حيث أعلن البنتاغون قبل ليلة واحدة من اقتحام الجيش الإسرائيلي للمشفى أنّه وفق معلومات استخباراتية محددة فإنّ حماس والجهاد الإسلامي لديهم غرف قيادة وتحكم في المجمّع الطبي.. وبعد اقتحام الاحتلال للمشفى لم يعثر على ما يؤكد ذلك، حتى الرواية التي ساقها العدو والفيديو الذي وزعه عن وجود نفق تبيّن لاحقاً أنّه لمعلم سياحي في إحدى الدول الأوروبية.. لكنّ أمريكا لم تتوقف عند ذلك بل أعلن البنتاغون بعد اقتحام المشفى أنّ قيادة حماس الرئيسية موجودة في جنوب غزة، في ما أعلنت الخارجية الأمريكية أنّها بصدد التشاور مع الشركاء في المنطقة لإنشاء ممرات أمنة للمدنيين في جنوب غزة تمهيداً لاقتحام الجيش الإسرائيلي لها، وبالفعل بدأ جيش الاحتلال الحديث عن هذا الهدف وهذا ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين قالوا: “إنّ مسؤولين إسرائيليين أبلغونا بتوقّع أسابيع أخرى بشمال غزة قبل إعداد خطة للجنوب”، ما يعني أنّ جيش الاحتلال يمهّد لمجازر مروعة في جنوب القطاع.

إنّ الكذب الذي تروّج له وتدعمه الإدارة الأمريكية يهدف بالدرجة الأولى لدعم وتحقيق الأهداف الأمريكية التي تعمل على تنفيذ المخططات التي أُعدت لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها، من خلال تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء وفلسطينيي الضفة والقدس إلى الأردن

إنّ الكذب الذي تروّج له وتدعمه الإدارة الأمريكية يهدف بالدرجة الأولى لدعم وتحقيق الأهداف الأمريكية التي تعمل على تنفيذ المخططات التي أُعدت لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها، من خلال تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء وفلسطينيي الضفة والقدس إلى الأردن، وإذا ما تابعنا تدرج الأحداث منذ بداية “طوفان الأقصى” ولغاية اليوم نرى أنّ واشنطن و”تل أبيب” يعملان على تنفيذ المخطط بكل قوة، فالمجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال بحقّ أبناء غزة، وعدم ترك أي مكان آمن من القصف هو عامل ترويع للسكان لدفعهم باتجاه ترك أرضهم وتهجيرهم، والانتقال من الشمال إلى وسط القطاع ثم إلى جنوبه وغداً أو بعد غد ستُجبر مصر على فتح حدودها لاستقبال اللاجئين، والأمر ذاته في الضفة فجيش الاحتلال أعلن عن توسيع عملياته في شمال الضفة الغربية، حيث لا يمر يوم إلا وتقتحم قواته التجمعات السكانية هناك وتعمل على تدمير كل مناحي الحياة في المخيّمات والمدن.

لذا، يبدو التحدي أمام الفلسطينيين كبيراً جدا، فما يجري هو تهديد لكل فلسطين وليس لفصيل دون آخر، وهذا يحتّم على سلطة أوسلو أولاً أن تعي وتدرك أنّ الدور المقبل عليها ولعل في تصريحات مسؤولي الكيان ما يؤكد ذلك وكما في مطالبة بعضهم بقتل رئيس السلطة وطرد الفلسطينيين في كل مدن الضفة وإبادتهم. أما فصائل المقاومة ورغم الألم الكبير الذي تعانيه نتيجة تهجير حاضنتها الشعبية والتنكيل والقتل بها إلا أنّها يوماً بعد يوم تؤكد أنّها ماضية في معركة تحرير فلسطين ومقدساتها، ومجريات الميدان تتكلم.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,