“إسرائيل” تسعى لتكميم الأفواه وحجب الحقيقة.. الصحافي هو المطلوب

التصنيفات : |
نوفمبر 27, 2023 7:50 ص

*منى العمري – صمود:

يتعرّض الصحافي لخطر دائم يلاحقه ما دام يقوم بتأدية واجبه المهني والأخلاقي والإنساني، فكيف إذا كان هذا الواجب إنسانياً بالدرجة الأولى والعدو مجرّد من كل القواعد والتشريعات والإلتزامات والقوانين التي ترقى للإنسانية، لتصبح حياته إذاً مرهونة بيد احتلالٍ غاصب لا يملك سوى القدرة على تكميم الأفواه وحجب الحقائق بالقتل والبطش والقصف.

ويتعرّض قطاع غزة -إلى جانب الحدود الجنوبية للبنان- لقصفٍ مكثّف على مدار الساعة منذ إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولا زالت الخروقات مستمرة من جانب الاحتلال رغم دخول الهدنة المؤقتة يومها الرابع والأخير، وقد وثّقت وحدة الرصد والمتابعة بالمكتب الإعلامي في قطاع غزة، عشرات الإعتداءات بحقّ الصحافيين، حيث تمّ استشهاد 60 صحافياً حتى الـ19 من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، فضلاً عن إصابة العشرات منهم، ما يمثّل أكبر حصيلة دامية للجسم الإعلامي أثناء الحروب والنزاعات الحديثة.

وفي لبنان، أعلنت قناة “الميادين” اللبنانية، الثلاثاء الفائت، مقتل اثنين من صحافييها: المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري جراء غارة إسرائيلية استهدفتهما في منطقة مثلث طير حرفا جنوبي البلاد، وأكدت عبر حسابها على منصة “إكس” بأنّ “طائرات الاحتلال الإسرائيلية استهدفت أحد فرق عمل الميادين في الجنوب”، بينما تكرر هذا الإستهداف المباشر للصحافيين من قِبل قوات الاحتلال في جنوب لبنان منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث قُتل مصور وكالة “رويترز” عصام العبد الله، في ما أُصيب صحافيان آخران.

تاريخٌ حافل باستهداف الصحافيين

يعجّ سجل قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءات ممنهجة على الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، راح ضحيتها – قبل عملية “طوفان الأقصى” – ما يزيد عن 46 منهم، كما يكشف العدوان على غزة في 2021 خلال معركة “سيف القدس”، استهداف عدد من مقار وسائل الإعلام بغارات جوية.

تعرّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبيا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث في فلسطين المحتلّة، خلال السنوات ما بين 2018 و2022

وبحسب تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، تعرّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبيا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث في فلسطين المحتلة، خلال السنوات ما بين 2018 و2022، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بقنابل الغاز والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

وقبل عام ونيّف، وتحديداً في 11 أيار/ مايو 2022، كان اغتيال مراسلة قناة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة فاجعة كبرى للجمهور العربي، الذي اعتاد وجهها وصوتها وتقاريرها على مدى أكثر من 25 عاما. (1)

الصحافة: تهديد الاحتلال الأكبر

وصف “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” في تقريره الأخير، استهداف الصحافيين في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بأنّه “أكبر مقتلة للصحافيين في التاريخ الحديث، مع سبق إصرار وترصّد من طرف جيش الاحتلال”.

ووفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، سجّل الـ18 من تشرين الثاني/ نوفمبر وحده، استشهاد خمسة من الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام. وقبلهم وثّقت الكاميرات استهداف حامليها بشكل مباشر في غزة وفي جنوب لبنان، كما شيّع صحافيون زملاءهم بسترات المهنة الزرقاء التي لم تمنع صواريخ وقذائف الاحتلال من اختراق صدور العشرات من المهنيين الشاهدين على مجازره.

يلاحق جيش الاحتلال الصحافيين وينشر إشاعات واتهامات ضدهم تضع حياتهم تحت طائلة الخطر

ويؤكد مركز “حماية وحرية الصحافيين” في فلسطين أنّ “جيش الاحتلال يلاحق الصحافيين وينشر إشاعات واتهامات ضدهم تضع حياتهم تحت طائلة الخطر”، كما يشير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أنّ “القتل والإعتقال والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحافية الفلسطينية ومنازل الصحافيين بشكل متعمّد، يهدف إلى تغييب الرواية الفلسطينية التي تنقل مجازر الاحتلال”.

وقي هذا الصدد، يؤكد العاملون في الصحافة أنّ ذلك يُعدّ تحدّياً صارخاً لقواعد القانون الدولي والإنساني، واتفاقية “جنيف” الرابعة التي نصّت على حماية الصحافيين، وانتهاكاً واضحاً لنص قرار مجلس الأمن رقم “2222”، الذي يؤكد على ضرورة حماية مهنيي الصحافة والأفراد المرتبطين بهم باعتبارهم مدنيين. (2)

بين القتل والتهديد.. والتحرض أيضاً

تزايدت أصوات التهديد والدعوة إلى قتل الصحافيين في أوساط السياسيين الإسرائيليين، وذلك في أعقاب نشر تقرير يشكك في نزاهة بعض الفاعلين الإعلاميين، علماً أنّ هذه التطورات الأخيرة تأتي على خلفية إصلاح قانون مكافحة الإرهاب الذي يثير العديد من المخاوف ويبعث على القلق في أوساط مهنة الصحافة. وإذ تُدين “مراسلون بلا حدود” هذا التحريض، فإنها تُذكِّر في الوقت ذاته بأنّ استهداف الصحافيين يندرج ضمن جرائم الحرب.

وفي موجة تصريحات صادرة يوم الخميس في التاسع من الشهر الجاري، تعالت أصوات بعض الشخصيات البارزة في “إسرائيل” لإضفاء طابع الموثوقية على الرواية التي تشير إلى وجود صلة بين حركة حماس والصحافيين الذين يغطون الحرب على غزة من داخل القطاع، وذلك في إطار حملة ممنهجة تتمثّل في إغراق شبكة الإنترنت برسائل وتعليقات تتهم المراسلين العاملين في غزة بالتواطؤ مع “حماس” أو تصفهم على أنّهم “متحدثون باسم المنظمة الإرهابية”. (3)

وما بين القتل والتهديد به، تحيط بالصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة مخاطر جمة، تجعلهم يحملون أرواحهم على أكفّهم، وهم يتنقلون في الميدان، لتغطية تطورات الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر، والتي ازدادت شراسة خاصة قبل بدء سريان الهدنة المتفق عليها بين الطرفين والتي تنتهي اليوم، ولا زالت المباحثات لتمديدها جارية حتى اللحظة.

مع بدء معركة طوفان الأقصى، فقد استهدف جيش الاحتلال نحو 62 مؤسسة إعلامية بالقصف والتدمير الكلي أو الجزئي، ودمّر أكثر من 70 منزلاً لصحافيين وعائلاتهم في عمليات استهداف مقصودة راح ضحيتها نحو 200 شهيد من عائلات الصحافيين

وإضافة إلى الجرائم المباشرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحقّ صحافيين وعائلاتهم أسفرت عن شهداء وجرحى ونذكر هنا عائلة مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح الذي استُشهد العديد من أفرادها من بينهم زوجته وابنه وابنته، تمارس “إسرائيل” ومنظمات مؤيدة لها تحريضاً غير مسبوق في حدته وخطورته اعتبرته نقابة الصحافيين الفلسطينيين “دعوة لاستهدافهم وقتلهم”، إذ يشعر الصحافيون الفلسطينيون بخطر حقيقي من ترجمة هذا التحريض إلى جرائم ترتكبها قوات الاحتلال سواء بحقّهم أو ضد عائلاتهم، مثلما حدث مع الصحافي مثنى النجار، وهو من أوائل الصحافيين الذين تعرضوا لتحريض يرقى إلى محاولة التصفية الجسدية الصريحة من أوساط إسرائيلية مع بدء معركة طوفان الأقصى، فقد استهدف جيش الاحتلال نحو 62 مؤسسة إعلامية بالقصف والتدمير الكلي أو الجزئي، ودمّر أكثر من 70 منزلاً لصحافيين وعائلاتهم في عمليات استهداف مقصودة راح ضحيتها نحو 200 شهيد من عائلات الصحافيين.

وبين عامي 2021 و2022 سُجّلت 86 ضحية من الصحافيين وفق المؤسسات الدولية، أي أنّ الصحافيين الفلسطينيين في تشرين الأول/ أكتوبر فقدوا أكثر من نصف الصحافيين من ضحايا جرائم الحرب والانتهاكات خلال عامين مما يؤكد، أنّ هذا الشهر هو الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الجرائم العالمية بحقّ الصحافيين.

وقال رئيس المرصد “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” الدكتور رامي عبدو -للجزيرة نت- إنّ كيان الاحتلال يعمل على “تغطية” جرائمه بحقّ الصحافيين في غزة، بالقتل واستهداف عائلاتهم داخل المنازل، عبر حملة مضادة تقودها ما سماها “ماكينة تعمل على مدار الساعة وتنتهج سياسة اكذب ثم اكذب”. (4)

*المصادر المتعلقة:

  1. https://www.aljazeera.net/news/2023/10/16/%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A-2
  2. https://www.alaraby.com/news/%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1
  3. https://rsf.org/ar/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A
  4. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2023/11/11/%D9%84

وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,