النظريات المتساقطة بفعل “الطوفان”

التصنيفات : |
ديسمبر 8, 2023 11:18 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

بدعوة من مؤسسة العودة الفلسطينية والمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، تحدث مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الدكتور محسن محمد صالح عن دلالات “طوفان الأقصى” ومآلاته، وذلك مساء الخميس 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في قاعة سينما إشبيلية في صيدا بحضور حشد من فلسطينيي منطقة صيدا.

بداية، رحب عضو الأمانة العامة لفلسطينيي الخارج ياسر علي بالمحاضر والجمهور الكريم، مشدداً على أهمية نقاش الموضوع المطروح والاتجاهات التي ينحو اليها.

الدلالات والمآلات

تلاه د. صالح الذي شكر المنظمين والحضور على الدعوة، وافتتح حديثه بالقول: “عندما تابعنا الحدث، فقد شهدنا لأول مرة منذ 75 عاماً عملية نوعية بهذا الحجم، لأنّ المقاومون استطاعوا اجتياح مساحة من الكيان الصهيوني تزيد مرتين عن مساحة قطاع غزة خلال ست ساعات، وهذا لم يحصل في كل الحروب التي جرت سابقا، وتمّ الاجتياح بمشاركة 1400 مقاتل بينهم 300 مقاتل ممن قاموا بالاقتحام. ووجهوا ضربة قاصمة إلى أقوى الفرق العسكرية، ودمروا 11 موقعاً عسكرياً بالإضافة إلى موقع الرئاسة العسكرية، كما تمّ اقتحام 20 مستعمرة خلال ساعات قليلة. لقد كانت المعركة في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، في حين أنّ الحروب الأخرى حصلت خارج أراضي فلسطين المحتلة. لقد أوقعت المقاومة أكبر عدد من القتلى والأسرى في يوم واحد مقارنة لما كان يحصل في الحروب الأخرى”.

“إنّ هذا الخطر الداهم على المشروع الصهيوني هو ما دفع بنتنياهو للحديث عن الاستقلال الثاني أي إعادة إنشاء الكيان من جديد”
(د. محسن صالح)

وعن دلالات عملية طوفان الأقصى أوضح د. صالح بالقول: “أولى الدلالات انهيار نظرية الأمن الإسرائيلي والازدهار الاقتصادي. كان الخطاب الصهيوني يقول إنّه أنشأ ملاذاً آمناً لليهود، يحظى بحالة مستمرة من الازدهار، أتت عملية طوفان الأقصى لتسقط هذين العنصرين، وإذا فُقد الأمن لم يعد من مبرر للوجود، وإذا فُقد الازدهار لم يعد هناك حرصاً على الحياة. كما سقطت نظرية الجيش الذي لا يُقهر، ولم يعد قادراً على تسويق نفسه كقوة يعتمد عليها، وهذا ما حاول تسويقه مع الدول المطبعة.

إنّ هذا الخطر الداهم على المشروع الصهيوني هو ما دفع بنتنياهو للحديث عن الاستقلال الثاني أي إعادة إنشاء الكيان من جديد”.

واعتبر د. صالح أنّ “الفشل في تحقيق الردع، وفي حصول إنذار مبكر، وأنّ المعارك حصلت على أرض الكيان، وفشلت نظرية الجيش وله “دولة” على حساب نظرية “دولة” ولها جيش. لذلك، نفهم شراكة وبربرية الانتقام، بما هي محاولة استعادة بناء صورة القوة التي لا تُهزم. لكنّ الصورة جاءت مشوهة لأنّه حاول بناءها بضرب المدنيين، الأطفال والمسنين، وتدمير المستشفيات وأماكن العبادة فضرب الصورة من جديد”.

“”إسرائيل” احتلت قطاع غزة عام 1956 بيوم واحد، وكذلك عام 1967، ولكن اليوم اختلف الوضع وصار أصحاب إرادة القتال والإيمان يصنعون الإنتصار، وعندما يختلط الإيمان مع أسباب اخرى نصنع المعجزات”
(د. محسن صالح)

وفي إشارته للدلالة الثانية، قال د. صالح: “إنّ عملية طوفان الأقصى كرّست مشروع المقاومة وعززت الاتفاق حوله بأنّه الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وأنّ صورة المقاومة تمكنت من صناعة الانسان المقاتل، وأنّ المقاومة هي الخطر الوحيد على الكيان الصهيوني، وأنّه عندما كان هناك مسار للتسوية، أوجد هذا المسار بيئة غير مقاومة ما أدى إلى مصادرة الأرض وإذلال الشعب، وأنّ نجاح المقاومة بصناعة الإنسان أعطى نتيجة بصناعة التغيير، وأنّ تحرير فلسطين مرتبط بتحرير الإنسان الذي يتحرر من خلال علاقته مع الله وتقربه من الله، ويمكن القول إنّ مئات من المقاتلين هم من حفظة القرآن”.

وأشار د. صالح إلى أنّ “”إسرائيل” احتلت قطاع غزة عام 1956 بيوم واحد، وكذلك عام 1967، ولكن اليوم اختلف الوضع وصار أصحاب إرادة القتال والإيمان يصنعون الإنتصار، وعندما يختلط الإيمان مع أسباب اخرى نصنع المعجزات”.

الرؤية الإسلامية للقدس والأقصى

وتحدث د. صالح عن دلالة أخرى وهي “ربط استراتيجية تعزيز خيار المقاومة  بالرؤية الإسلامية للتحرير. وهذا ما ترك أثراً على الشعوب الغربية التي أُصيبت بالذهول حين رأت احتضان الناس للمقاومة وللمقاتلين. وكيف تسود نسبة عالية من الاطمئنان والسكينة المُبنيَين على الرؤية الإسلامية وهذا ما رفع من نسبة الالتزام بالدين الإسلامي في فرنسا مؤخرا”.

ورأى د. صالح دلالة أخرى مهمة، وأشار اليها بالقول: “إنّها مركزية القدس والأقصى، وماذا تعني القدس لأهل غزة، فإنّ الرسالة حول القدس والأقصى تجمع كل الناس وليس الفلسطينيين فحسب، وإنّ كل الانتفاضات منذ عام 1920 وحتى 2021 كان موضوعا القدس والأقصى هو الأساس فيها، كما هناك دلالة أخرى مرتبطة بموقعي القدس والأقصى المجمع عليهما في الرؤية الإسلامية “.

وفي حديثه، أشار د. صالح أيضاً إلى دلالة أخرى تتمثّل بـ”فشل العدو الإسرائيلي في تطويع الإنسان الفلسطيني خلال 106 أعوام، من الاستعمار البريطاني إلى اللحظة الحالية مروراً بالاحتلال الإسرائيلي، وأنّ الثورات لم تتوقف خلال هذه المدة، وكل محاولات القمع والتطويع والتهجير فشلت، وأنّ الشعب الفلسطيني نجح في أداء دوره بالمقاومة، وفشل العدو الإسرائيلي. وهذا ما دفع العديد من الإسرائيليين ليقولوا: إنّنا نواجه أصعب شعب في العالم”.

“اليوم، وبعد طوفان الأقصى، فإنّ المقاومة قلبت الطاولة وصار هو محاصراً وعزله شعبه وأصبح مستقبله محصوراً ما بين الاعتقال بسبب الفساد أو إلغاء دوره السياسي بسبب ما حصل”
(د. محسن صالح)

وعن التسوية ومسارها قال: “إنّ مسار التسوية قد فشل، والشعب الفلسطيني التفّ حول المقاومة، وهذا المسار أدى إلى انقسام فلسطيني داخلي، واليوم يمكن القول إنّ مسيرة التسوية سقطت.

وقبل شهرين ونصف قال نتنياهو في الأمم المتحدة إنّه نجح في التعاطي مع المسألة الفلسطينية من خلال الالتفاف عليها وإجراء التطبيع مع العالم العربي، لكن اليوم، وبعد طوفان الأقصى، فإنّ المقاومة قلبت الطاولة وصار هو محاصراً وعزله شعبه وأصبح مستقبله محصوراً ما بين الاعتقال بسبب الفساد أو إلغاء دوره السياسي بسبب ما حصل.

كما يمكن ملاحظة، أنّه لا يمكن الالتفاف على نضال الشعب الفلسطيني ولا أحد يستطيع فرض إرادته عليه، كما هناك دلالة مرتبطة بقيمة الجهاد والوعد الرباني بتحرير القدس وفلسطين”.

وماذا عن المستقبل، والى أين سيؤول الوضع؟

أجاب د. صالح بالقول: “في هذه التجربة التي نمر فيها، لا أحد يملك تقديراً أو توقعاً بما سيحصل ولكن لنا الثقة بالله والمقاتلين. فشل الإسرائيلي استراتيجياً ويحاول الرد بالسحق وباستعادة نظرية الأمن من جديد ليطمئن على مستقبل شعبه الذي يسعى إلى هجرة معاكسة، هو يحاول أن يعيد نفسه شرطياً في المنطقة وقلعة متقدمة للغرب، فإذا لم ينجح، ولم يهزم حماس وينهي وجودها، فإنّه يبدأ بالعد العكسي للمشروع الصهيوني”.

“حماس مستعدة لمعركة طويلة الأمد وعندها 60 ألف مقاتل مستعدون للاستشهاد، ولديها حاضنة شعبية تحيط بها وتدفعها إلى الانتصار عن طريق المقاومة المسلحة لأنّ التسوية تؤدي إلى اجتثاث المقاومة”
(د. محسن صالح)

وأضاف د. صالح: “إن السلطة الإسرائيلية وسط بيئة شعبية تريد الانتقام، تريد الحسم والأمن لغلاف غزة، المجتمع الصهيوني لا يرى أهمية للمدنيين ولا يسأل عن المدى الزمني، إنّه مغطى بدعم غربي وغطاء لكل الجرائم التي يرتكبها، ولكن في الغرب بدأ الضغط الشعبي لإنهاء المعركة ووقف القتال، من جهة أخرى هناك سؤال: هل يستطيع العدو الاستمرار طويلاً وسط خسائره البشرية الكبيرة واقتصاده الذي يتجه إلى الانهيار، وبالتالي الاضطرار لتقليل المدى الزمني”.

وعن وضع حركة حماس قال: “حقّقت حماس إنجازاً كبيراً في 7 أكتوبر، وهي مستعدة لمعركة طويلة الأمد وعندها 60 ألف مقاتل مستعدون للاستشهاد، ولديها حاضنة شعبية تحيط بها وتدفعها إلى الانتصار عن طريق المقاومة المسلحة لأنّ التسوية تؤدي إلى اجتثاث المقاومة. العدو يحاول تحقيق أهدافه لكنّه يصطدم بجدار مسدود، لأنّه حتى لو سيطر على غزة، ماذا سيفعل؟. السلطة لا تريد المجيء على دبابة إسرائيلية والأنظمة العربية لا تريد أن تحكم غزة كما يجري الحديث، لأنّ ذلك يضعها في مأزق، فماذا تفعل إسرائيل والمقاومة مصرة على الانتصار؟”.

وبعد الانتهاء من حديثه، تقدم بعض الحضور بأسئلة تتعلق بوضع المقاومة وفتح الجبهات والعلاقة مع السلطة الفلسطينية.


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,