مفاوضات وقف إطلاق النار.. شروط متبادلة

التصنيفات : |
يناير 3, 2024 7:21 ص

*موسى جرادات

منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كانت الأنظار متجهة نحو مفاعيل الحرب ومجرياتها على الأرض، ولم يكن هناك حديث عن نهايتها، ولا عن أفقها السياسي، هذه الحرب تندرج في سياق واحد وهو تدمير غزة والقضاء على المقاومة واحتلالها من جديد.

والمستمع للخطاب السياسي لقادة الاحتلال، يدرك منذ اللحظة الأولى للحرب أنّ المسعى هو التخلص من غزة، شعباً ومقاومة، وذلك بإسناد سياسي وعسكري أمريكي غربي، وتواطؤ الأنظمة الرسمية العربية معها.

حساب الحقل وحساب البيدر

لم يكن الساعون لهذا المسار يدركون على الأرجح قوة وثقل ومكانة المقاومة في غزة، وقدرتها على أن تكون نداً في مواجهة الآلة العسكرية الجهنمية التي صبّت حممها على غزة، مستهدفة البشر والحجر والشجر، ومع مرور 12 أسبوعاً على بدء الحرب، حيث لم يتمكن كيان الاحتلال من تحقيق أي هدف معلن للحرب، بل بالعكس ازدادت خسائره في العسكر والآليات، لتُضاف إلى خسائر السابع من أكتوبر، وما بين التورط في رمال غزة التي ابتلعت جنودهم وآلياتهم، وما بين البحث عن مخارج آمنة لهذا الاحتلال، خرجت وسائل الإعلام المختلفة قبل أسبوع للحديث عن وجود ورقة مصرية ترسم معالم هذا الحل، وبالمناسبة وحتى هذا الوقت لم تفصح المصادر الرسمية المصرية عن وجود هذه الورقة، إلا أنّ عدم النفي يؤكد وجودها، وباختصار فإنّ الورقة المصرية تطالب بشكل علني وواضح القبول بالهزيمة السياسية، عبر الطلب من قوى المقاومة مغادرتها الحكم في غزة والقبول بحكومة تكنوقراط في الضفة وغزة، أي أنّ على قوى المقاومة التسليم مسبقاً مغادرتها المشهد السياسي مقابل وقف إطلاق نار على مراحل، لا يضمن خروج الآلة العسكرية الصهيونية من قطاع غزة، مع إطلاق سراح الأسرى الصهاينة دون الإشارة إلى مبدأ الكل بالكل الذي طالبت به المقاومة منذ اليوم الأول للعدوان على غزة.

هل هذه ورقة مصرية هدفها التوسط، أم أنّ هذه الورقة محاولة مصرية بطلب إسرائيلي- أمريكي، لجلب المقاومة إلى مربع الهزيمة الكلية؟

السؤال هنا: هل هذه ورقة مصرية هدفها التوسط، أم أنّ هذه الورقة محاولة مصرية بطلب إسرائيلي- أمريكي، لجلب المقاومة إلى مربع الهزيمة الكلية؟، ومشروعية هذا السؤال ما زالت قائمة حتى هذا الوقت، ومنذ اليوم الأول للحرب، كانت كل المؤشرات والدلائل تؤكد أنّ الدولة المصرية شريك أساسي في الحرب على غزة، عبر إبقاء معبر رفح مغلقاً في وجه المساعدات الدولية والعربية، وكذلك عبر التحكم بدخول الغزّيين الجرحى ومرافقيهم، وهم لا يتجاوزون المئات منذ اليوم الأول للحرب، بالإضافة إلى كل الأصوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والتي اصطفّت خلف الضابط الأمني الذي يتحكم بها، والتي وصفت المقاومة الفلسطينية بأبشع الألقاب، وحمّلتها مسؤولية ما جرى لغزة، لقد وقفت مصر الرسمية مع الاحتلال خطوة بخطوة، ولكن عندما بدأت بوادر الهزيمة العسكرية تلحق بكيان الاحتلال، تدخلت مصر لتلعب دور الوسيط في ما رفضت فصائل المقاومة الفلسطينية هذه الورقة، وأعلنت من جانبها شروطها الواضحة، المتمثّلة بوقف النار، والبحث عن مخارج سياسية بعدها، فمضمون الورقة المصرية ومخرجاتها حتى لو تمّ تعديل صياغتها لن تخرج عن كونها ورقة صهيو- أمريكية بلباس مصري، وبالمناسبة فإنّ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قد رفضت تلك الورقة هي الأخرى؛ واعتبرتها مجحفة، بحيث تتخطى الحديث عن الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتتخطى النظام السياسي الفلسطيني ومحدداته الوطنية، لقد كانت هذه الورقة كاشفة لوضعية النظام السياسي المصري والمنحدر الذي وصل إليه، وبدل أن تقوم مصر بمساندة الشقيق الفلسطيني بأن تكون سنداً له، قفزت بعيداً وفي حالة سيولة لا متناهية في خندق الأعداء، في مؤشر على أنّ هذا النظام قد فقد كل الشرعيات التي كان يتكئ عليها، سواء داخلية أو خارجية، بحيث أصبحت شرعية  بقائه اليوم تؤخذ من “تل أبيب” وواشنطن.

تتلخص الورقة القطرية بقبول المقاومة مبدأ العودة للتفاوض، لكن دون أن تفصح وسائل الإعلام الصهيونية عن مضمونها

في المقابل، يعمل الوسيط القطري بصمت ودون إعلان مسبق ودون تسريبات لوسائل الإعلام، اللهم بعض التسريبات التي قامت بها وسائل إعلام العدو، وهي معظمها تسريبات اجتهادية، وتتلخص بقبول المقاومة مبدأ العودة للتفاوض، لكن دون أن تفصح وسائل الإعلام الصهيونية عن محتوى ورقة التفاوض القطرية.

مؤشرات التفاوض ومآلات الحرب

من الواضح أنّ الحديث الذي انصبّ على العودة للتفاوض من أجل تبادل الأسرى، سواء في الورقة المصرية أو القطرية، كان يرافقه حديث متزامن لوقف إطلاق النار الشامل، وإن كان الأمر بطرق التوائية، عبر مرحلة الهدن، لتصل إلى وقف إطلاق نار مع اكتمال تبادل الأسرى وخاصة العسكريين منهم في نهاية المطاف.

ربما تستجيب المقاومة مع تحسين شروطها، سيما أنّ ضغط الظروف المعيشية في كامل القطاع، التي بلغت من السوء، حد المجاعة الفعلية

هذا الأمر يؤشر إلى أنّ دوائر صنع القرار، في الولايات المتحدة و”إسرائيل ، قد وصلت إلى قناعة تامة بأنّ العمليات العسكرية والتوغل داخل قطاع غزة، لم يؤديا إلى النتيجة التي كان يتمناها صنّاع القرار، لهذا اتّجه الحراك اليوم نحو تفعيل الدبلوماسية، وعبر استخدام الوكلاء المصريين والقطريين، للضغط على المقاومة من أجل قبول مبدأ التفاوض والهدن، على الرغم من أنّ موقف المقاومة منذ اليوم الأول الذي انتهت فيه الهدنة الأولى، ما زال ثابتا، وهو يقوم على رفض الهدن المؤقتة، والتي لا تفضي إلى نهاية الحرب، وربما تستجيب المقاومة مع تحسين شروطها، سيما أنّ ضغط الظروف المعيشية في كامل القطاع، التي بلغت من السوء، حد المجاعة الفعلية، فكمية المساعدات الغذائية التي تصل القطاع اليوم لا تتجاوز حاجة الفرد، ولا تصل في أقصى تقدير إلى 20% من تلك الحاجة، فالمقاومة عينها على حاضنتها الشعبية، حيث تتعرض للقصف والتدمير والتجويع، ومع هذا فإنّ مشروعية مواصلة القتال ضد القوات الغازية، ما تزال قائمة، لأنّ مطالب الاحتلال وأعوانه منصبة على إعلان الاستسلام المطلق دون شروط.

إنّها الحرب، بالألم والدموع، ولكن بالمقابل، يشرب العدو من نفس الكأس، و”طوفان الأقصى” كان شعاره “بدء عملية التحرر الكامل”، ومقاومته الملهمة وضعت النقاط على الحروف، وأنجزت على المدى القريب، وإنجازاتها ستكون واضحة المعالم في قابل الأيام، ولطالما كان القتال مع هذا العدو سجالا، فستبقى المعركة مفتوحة حتى تتحقّق كل أهداف الشعب الفلسطيني.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,