حركة المقاطعة: كشف وهم العلامات التجارية ودعم الصناعة الوطنية

التصنيفات : |
يناير 5, 2024 6:58 ص

*وسام عبد الله

لا يبدو أنّ عملية طوفان الأقصى ستكون نتائجها على الصعيد العسكري والسياسي فقط، ولن تنحصر تداعياتها فوق أرض فلسطين المحتلة، إنّما ما بدأ يظهر بشكل متتابع أنّ الأثر الذي حقّقته المقاومة له البعد المتعلق بطريقة تعاطينا مع ثقافتنا وإقتصادنا ودورنا في تفعيل حركة المقاطعة للشركات والجهات الداعمة للاحتلال على مستوى العالم.

الوهم

في الأيام الاولى للعداون على قطاع غزة، انطلقت دعوات لمقاطعة المنتجات، التي تؤيد الشركات المصنّعة لها “إسرائيل” وتقدّم لها الدعم المالي كجزء من أرباحها.

رُبط الإنفتاح والتنوع الثقافي والتلاقي مع الآخر، في عدم مقاطعة هذه المنتجات، وبأنّ المقاطعة ترسم صورة عن الإنغلاق والتخلف، حتى ذهب البعض إلى ربطها بالمحاور الإقليمية

وكان من المتوقع أن تظهر أصوات مقابلة لها تستخف بقيمة الحركة التي يمكن للفرد الواحد القيام بها، ولكن ما ظهر هو الشك بقدرة الصناعات الوطنية على المنافسة والوهم أنّنا لا يمكن أن نعيش بدون علامات تجارية محددة، في الثياب والطعام والشراب. ورُبط الإنفتاح والتنوع الثقافي والتلاقي مع الآخر، في عدم مقاطعة هذه المنتجات، وبأنّ المقاطعة ترسم صورة عن الإنغلاق والتخلف، حتى ذهب البعض إلى ربطها بالمحاور الإقليمية.

حركة المقاطعة لها وجهان: الأول، مرتبط مباشرة مع الشركات الداعمة للاحتلال، والثاني، يعكس أهمية منتجاتنا المحلية فكأنّ الحركة فرضت انقطاع من طرف واتصال وربط من جهة ثانية. فأثبت الداعمون أنّنا نملك الصناعة الوطنية التي تقدّم البدائل عن كل ما نحتاجه في عالمنا الاستهلاكي.

دور الفرد والجماعة

قبل العدوان، كان هناك الكثير من الناس يقاطعون من تلقاء نفسهم، وبعد 7 تشرين لأول/ أكتوبر ازداد العدد بشكل أوسع ومتعدد النطاق في المجتمعات العربية والأجنبية، نظراً لتفتّح البصر والبصيرة أكثر على جرائم الاحتلال وأهمية مقاطعة كل من يبرر له مذابحه المتواصلة.

ما دور الفرد في القضية الفلسطينية وكيف سيكون له تأثير بالتوازي مع حكومات ومنظمات بميزانيات وقدرات ضخمة تعمل على التنسيق والترويج للاحتلال؟

كان السؤال الدائم الذي يُطرح: ما دور الفرد في القضية الفلسطينية وكيف سيكون له تأثير بالتوازي مع حكومات ومنظمات بميزانيات وقدرات ضخمة تعمل على التنسيق والترويج للاحتلال؟، فجاء “طوفان الأقصى” ليعيد تأكيد ما كانت المقاومة الفلسطينية تردده دائماً وتثبته خلال العقود الماضية، بأنّ لكل إنسان دوراً في دعم القضية.

المقياس لا يكون بالأثر الفوري والمباشر، مع أهميته، إنّما المعيار ينطلق من معطيات الفرد وواقعه الاجتماعي، فتربية الأولاد على التعريف بفلسطين، وتوعية الشباب عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ودعم صمود اللاجئين في المخيّمات، كلها خطوات جوهرها المبادرة الفردية، لتأتي مقاطعة المنتجات ضمن هذا السياق بسلوك فردي يتلاقى ضمن عمل جماعي.

الهوية الفلسطينية

ارتفاع نسبة تأييد القضية الفلسطينية صار واضحاً من خلال التحركات الشعبية، حتى تحولت الكوفية إلى رمز للحرية ومواجهة الاستعمار ورفضا للإعلام المنحاز إلى الباطل، ومن هذا المسار يمكن البناء على حركة فلسطينية عالمية، هي موجودة من قِبل الناشطين والجمعيات الدولية الداعمة لفلسطين، وإنّما بإعادة قراءة وتجديد انطلاقاً من المعطيات الحالية، وعلى سبيل المثال، يتوسع عمل وهدف حركة المقاطعة، فتكون رفضاً لمنتجات ودعماً لأخرى، وتتحول إلى حالة رفض ومساندة في الوقت ذاته.

هناك حدث جذوره أبعد من السياسة، مع تاكيد أهميتها، وله نتائج تنطلق من مقاطعة كوب القهوة وصولاً إلى العولمة الثقافية

المقاومة هي رد فعل على الاحتلال، لكن مع صمود الفلسطينيين، في الداخل والمخيّمات، ونموذجه في “طوفان الأقصى” في غزة و”عرين الأسود” في الضفة والعمليات الفردية في قلب حيفا، نستطيع أن نأخذ خطوة لنكون أمام مرحلة من “الفعل”، وهو ما نحتاجه في حركة المقاطعة، واستمراريتها بعد انتهاء العدوان، مهما كان شكل النهاية، فهناك حدث جذوره أبعد من السياسة، مع تاكيد أهميتها، وله نتائج تنطلق من مقاطعة كوب القهوة وصولاً إلى العولمة الثقافية.

التأثير على الشركات

تحقّق الشركات المتعددة الجنسيات أرباحاً تُقدر بمليارات الدولارات سنويا، فهل سيكون للمقاطعة تأثير على استمراريتها في الإنتاج؟، لمعرفة النتائج نحن بحاجة لتغيير نمط السؤال السائد، فليس الهدف هو إغلاق الشركة.

العلامة التجارية هي هوية الشركة، والتي تعمل على تعزيزها وبنائها على مدار السنوات، لخلق الثقة مع الزبون، وحين تهتز تلك العلاقة الوثيقة بين الطرفين، سينعكس ذلك حكماً على مقدار بيع المنتجات، ويلزمها وقتاً طويلاً لإعادة ترميمها.

معظم المجتمعات تتبع هذا السلوك في تعاطيها مع القضايا الإجتماعية داخل بلدانها، وأحد الأمثلة ما حدث سنة 2018 مع شركة بيع الثياب H&M

وأسلوب المقاطعة ليس مرتبطاً بالقضية الفلسطينية فحسب، فمعظم المجتمعات تتبع هذا السلوك في تعاطيها مع القضايا الإجتماعية داخل بلدانها، وأحد الأمثلة ما حدث سنة 2018 مع شركة بيع الثياب H&M حين أطلقت إعلاناً لطفل ذي بشرة سمراء يرتدي ثياباً عليها شعار وصفه المحتجّون بـ”العنصري”، لتنطلق حملة مقاطعة اضطرت من بعدها الشركة إلى إصدار بيان اعتذار عن الحملة.

أما بالنسبة لقياس المقاطعة للشركات الداعمة للاحتلال، فأظهر نتائج أولوية لمختلف البلدان، عن ارتفاع نسبة الشراء للمنتجات المحلية، وهو ما أشارت إليه أرقام شركات غذائية في مصر عن زيادة مبيعاتها بمعدل 300% خلال الأشهر الثلاثة.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,