“الأونروا” واليوم التالي للحرب على غزة.. الأهداف تتقلص

التصنيفات : |
فبراير 2, 2024 7:58 ص

*سنان حسن

منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والمواقف المعادية للمنظمة الأممية تتوالى حتى وصلت بوزير خارجية كيان الاحتلال يسرائيل كتساف أن يطالب المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني بالاستقالة من منصبه، دون أن يكشف عن الأكاذيب والاتهامات التي ساقها كيان الاحتلال بتورط 12 من أعضائها بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى، علماً أنّ المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أعلن أنّ “إسرائيل” لم تسلم أي من الأدلة التي اتهمت فيها موظفي الوكالة، فلماذا كل هذا الهجوم الشرس على الوكالة الأممية وما علاقة ذلك بالفعل باليوم التالي للحرب على غزة؟، وهل إلغاء الوكالة هو الحل الأمثل لنسف قضية فلسطين برمتها؟.

ساعدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، منذ تأسيسها عام 1949 وحتى اليوم، في الحفاظ على قضية اللاجئين حية وباقية، حيث جاء في قرار تشكيلها أنّها “وكالة متخصصة باللاجئين الفلسطينيين حتى إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية”، وعلى الرغم من كل المحاولات التي قادتها “إسرائيل” لإلغاء الوكالة من وقف التمويل والتضييق على موظفي الوكالة وعدم منحهم أذونات العمل داخل الكيان، واشتراطها خلال محادثات أوسلو وملاحقها “عباس- بيلن” أن يتم إلغائها واستبدالها بمنظمة أخرى أو إلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن جاء قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أطلق صفقة القرن، بوقف تمويلها، قبل أن يعيد الرئيس الحالي جون بايدن عام 2021 تمويلها من جديد. إلا أنّها لم تنجح وبقيت الوكالة تمارس دورها ولو منقوصاً بعد أزمة التمويل التي عصفت بها.

جاء اتهام “الأونروا” أولاً لحرف الانتباه عما يجري في أرض الميدان، وثانياً للوصول إلى حلم لم يتحقق منذ إنشاء الوكالة إلى الآن

ولكن مع بداية معركة طوفان الأقصى رفعت “إسرائيل” من سقف أهدافها في قطاع غزة، بداية من القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس والجهاد وإحلال حكم مدني تحت سلطتها الأمنية وليس انتهاء بتهجير الفلسطينين إلى سيناء والأردن، إلا أنّ حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات  البيدر، فالميدان الفلسطيني في غزة باح  بأسرار المقاومة وأبطالها وما زال، حيث سجل المجاهدون بطولات غير مسبوقة في مواجهة آليات العدو وجنوده موقعين فيه أفدح الخسائر بالعتاد والأرواح والموثقة بالصور والفيديوهات، الأمر الذي وضع قادة العدو أمام مواجهة صعبة جداً مع جمهورهم وداعمهم الأول الولايات المتحدة الأمريكية، فالأهداف لم تتحقّق وهي بعيدة المنال، واليوم التالي للحرب في غزة هناك خلاف كبير عليه بين القوى والأحزاب الإسرائيلية التي هدد جزء منها بنسف الحكومة الائتلافية التي يقودها نتنياهو، فجاء اتهام “الأونروا” أولاً لحرف الانتباه عما يجري في أرض الميدان، وثانياً للوصول إلى حلم لم يتحقق منذ إنشاء الوكالة إلى الآن.

هذا كافٍ لنقرأ مدى مأزق المحور الغربي برمته حول ما يجري من معركة في فلسطين وحولها، وسعيهم إلى تحقيق أي إنجاز في المعركة، ولو كانت أسس الاتهام فيه غير معروفة ومبنية على افتراءات إسرائيلية

تقول صحيفة نيويورك تايمز “إنّ الدول الغربية وأمريكا علّقوا دعم الأونروا قبل التأكّد من اتهامات إسرائيل لموظفيها”، وهذا كافٍ لنقرأ مدى مأزق المحور الغربي برمته حول ما يجري من معركة في فلسطين وحولها، وسعيهم إلى تحقيق أي إنجاز في المعركة، ولو كانت أسس الاتهام فيه غير معروفة ومبنية على افتراءات إسرائيلية، لم تتوقف منذ بداية “طوفان الأقصى” ولغاية اليوم.. من قتل الأطفال واغتصاب النساء وكذبة مجمّع الشفاء الطبي، وقصف مستشفى المعمداني، كلها أمثلة فاضحة على النفاق الإسرائيلي والداعم الأمريكي له.

والحال، فإنّ استهداف “الأونروا” بكل ما تمثّله من وجود في القضية الفلسطينية هو استراتيجية صهيونية مستمرة لإلغاء الشاهد الحي على المظلمة التي لحقت بملايين اللاجئين الفلسطينيين الذي ينتشرون في المخيّمات والشتات، وصولاً إلى إلغاء حقّ العودة ودفنه إلى الأبد. كما أنّ إسقاط الأونروا ونسف وجودها هو سقوط جديد للمجتمع الدولي وادعاءاته الكاذبة وتباكيه في دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو بالتأكيد شكل من أشكال المشاركة في الإبادة الجماعية التي تقوم بها “إسرائيل” بحقّ الفلسطينيين كما وصفته المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز، فهل تستفيق الضمائر الحية في العالم كما حدث مع جنوب إفريقيا ومرافعاتها التاريخية أمام محكمة العدل الدولية، أم أنّنا أمام جريمة غير موصوفة عبر التاريخ؟.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,