نتنياهو و”كفاحي” وفريدمان: قميص كذب جديد

التصنيفات : |
فبراير 8, 2024 7:37 ص

*أحمد حسن

ثمة خيط واضح لا تخطئه عين بين محاولة بنيامين نتنياهو إضفاء صفة النازية على الفلسطينيين حين رفع في فيديو ظهر له خلال الحرب الأخيرة على غزة كتاب “كفاحي” الذي “وجده” جيشه، كما قال، في منزل غزّاوي، وبين محاولة صحيفة “وول ستريت جورنال”، في مقالها: “ديربورن عاصمة الجهاد الأمريكية”، اعتبار العرب، وبينهم القاطنين في أمريكا، إرهابيين، والأهم مشاركة “العراب”، توماس فريدمان، في حيونة العرب في مقاله الذي نشرته “النيويورك تايمز” بعنوان “فهم الشرق الأوسط من خلال مملكة الحيوان”.

وبالتحديد، فإنّ ذلك الخيط الجامع بين هذا الثلاثي المقيت هو السعي الحثيث إلى وصم وتجريم الفلسطينيين، وتبعاً العرب كلهم، بوصمة “النازية” المشينة والإرهاب وصولاً إلى نزع الصفة البشرية عنهم وحيونتهم -فريدمان يلاقي وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت الذي وصف سكان غزة بأنهم حيوانات بشرية- بما يسهّل على الوعي الجمعي الغربي اعتناق فكرة التخلّص منهم، بل يجعل من هذه العملية، وتحديداً ما تقوم به “إسرائيل”، أمراً مرغوباً وسعياً مقدّساً من أجل خير البشرية جمعاء.

قارئ التاريخ يعرف أنّ المسكوت عنه، وبتواطؤ دولي جامع، في تلك المرحلة، وما تلاها، هو العلاقة الوثيقة، عملياً وفكريا، بين الصهيونية والنازية

والحال، فإنّ تواجد كتاب “كفاحي” أو سواه مع شخص ما لا يعني شيئاً محدّداً هذه الأيام، لأنّ الكتاب أصبح جزءاً من تاريخ العالم وقراءته وتفحّصه أمر ضروري لمن يريد أن يفهم تلك المرحلة بظروفها التاريخية والاجتماعية وتتابع سياق أحداثها، لكنّ قارئ التاريخ يعرف أنّ المسكوت عنه، وبتواطؤ دولي جامع، في تلك المرحلة، وما تلاها، هو العلاقة الوثيقة، عملياً وفكريا، بين الصهيونية والنازية، والأمثلة لا تُحصى في هذا المجال، ويمكن هنا، ولضيق المجال، إيراد بعضها المستقى من كتاب “جدار شارون” لمؤلفه الفرنسي “آلان مينارغ” حيث يكشف الكاتب، من بين ما يكشفه، عن مذكرة دعم للحزب القومي الاشتراكي، النازي، وجّهها الاتحاد الصهيوني حين ارتقى أدولف هتلر سدة الحكم عام 1933 وجاء فيها: “منذ أن أُعلن عن قيام الدولة الجرمانية الجديدة على مبدأ العرق، ونحن نتمنى أن تتكيف جماعتنا مع هذه الأنظمة الجديدة”!، كما يورد واقعة سماح السلطات النازية لـ”البيتار”، وهي الحركة الرئيسية للشبيبة اليهودية التي أسسها جابوتنسكي، بالقيام باستعراض عسكري موحّد في شوارع برلين، والأهم في ما يقوله “مينارغ” أنّ عصابة “شتيرن” الشهيرة اقترحت على ألمانيا النازية عام 1941 عقد تحالف عسكري ضد بريطانيا، وقد جرى، بحسب الكتاب، تسليم وثيقة للسفارة الألمانية في أنقرة تحمل توقيع أبراهام شتير وإسحق شامير لطلب التعاون بين الطرفين، في ما يورد كاتب آخر حقيقة أنّ هذه السياسات الصهيونية استمرت على جميع الأصعدة، بقيادة زعيم المنظمة خلال فترة حكم هتلر، حاييم وايزمان، مضيفاً أنّ “كل من حاول الوقوف ضد النازية من أعضاء المنظمة خلال ثلاثينيات القرن الماضي كان يجد أنّ عدوّه الرئيسي يأتي من داخل المنظمة الصهيونية، وتحديداً القائد ناحوم جولدمان الذي أصبح رئيس المنظمة بعد المحرقة”.

وأكثر من ذلك فقد كما كشف كتاب “هتلر مؤسِّس إسرائيل” (العلاقات السِّرية بين هتلر والحركة الصهيونية لتأسيس الكيان الصهيوني) للكاتب “هينيكي كاردل” أنّ هتلر وبعد استلامه الحكم عام 1933 عيّن “مسؤولين يهوداً في معسكرات اعتقال اليهود في أوروبا، ومنهم مناحيم بيغن (رئيس الوزراء السادس للكيان الصهيوني) مسؤولاً عن معتقلات يهود بولونيا”.

“ينبغي للصهيونية أن تلقى دعماً قوياً بحيث يُصار إلى نقل فيلق من اليهود الألمان سنوياً إلى فلسطين”
(ألفريد روزنبرغ)

وإذا كان ما سبق يتعلق بالمستوى العملي من العلاقة، وبالطبع يمكن إيراد الكثير فيه، فإنّ التشابه على المستوى النظري والفكري لا يُخفى هو الآخر، وهذا يواخيم برينتس، وهو حاخام شاب من برلين، يقول: “إنّ الثورة القومية الاشتراكية الألمانية إنّما تعني اليهودية بالنسبة لليهود”، في ما أكد ألفريد روزنبرغ المنظّر الرئيس للرايخ الثالث على أنّه “ينبغي للصهيونية أن تلقى دعماً قوياً بحيث يُصار إلى نقل فيلق من اليهود الألمان سنوياً إلى فلسطين”.

النازية والصهيونية توأمان سياميان في الاختيارات الأيديولوجية والأسس النظرية يؤمنان معاً بالتفوق العرقي وبالإبادة الجماعية للآخر، وبالتالي نفهم كيف يصبح الفلسطينيون عند الصهاينة مثل اليهود الشرقيين في حالة النازية “فائضاً بشرياً يجب التخلُص منه”

والأمر، فإنّ النازية والصهيونية ينحدران معاً من نبع واحد فهما نتاج للحضارة الغربية التي قامت على النفي الكامل، مادياً ومعنويا، للآخر المختلف، وهذا بما نبّه إليه عبد الوهاب المسيري حين كتب “إنّ النازية لم تكن انحرافاً عن الحضارة الغربية، بل هي تيار أساسي فيها، مثل الصهيونية تماما”، فهما توأمان سياميان في الاختيارات الأيديولوجية والأسس النظرية يؤمنان معاً بالتفوق العرقي وبالإبادة الجماعية للآخر، وبالتالي نفهم كيف يصبح الفلسطينيون عند الصهاينة مثل اليهود الشرقيين في حالة النازية “فائضاً بشرياً يجب التخلُص منه”.

خلاصة القول، نوريت بيلد- الهانان وهي إسرائيلية حمّلت “نتنياهو” مسؤولية مقتل ابنتها الصغيرة، قالت عام 1997: “كتب ديلان توماس قصيدة عنوانها ليس للموت حكومة، أما في إسرائيل فللموت حكومة، إنّ الموت هنا، هو الذي يحكم، وهذه حكومة الموت”، وتلك هي، في الحقيقة، الحكومة التي يناصرها فريدمان و”الواشنطن بوست” وسواهما في ما كل خلاف يظهر بين هذه الأطراف هو على كيفية إنقاذها، حتى من نفسها، لا إنقاذ ضحاياها من العرب والغرب على حد سواء.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,