الردود المدروسة والسريعة على قرارات محكمة العدل الدولية

التصنيفات : |
فبراير 10, 2024 7:00 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

جاءت قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بالدعوى المقدّمة من جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” واتهام الأخيرة بالإبادة الجماعية لأهالي غزة، والتي وإن لم تفرض وقفاً فورياً لإطلاق النار في قطاع غزة، لكنّها طلبت من “إسرائيل” اتخاذ كل التدابير لمنع الإبادة الجماعية، وعدم قيام جيشها بارتكاب أعمال جرمية، ومنع ومعاقبة كل من يقوم بالتحريض العلني على ارتكاب إبادة جماعية، وأن تضمن توفير الخدمات والمساعدات، وتقديم تقرير بعد شهر الى المحكمة وإلى جنوب إفريقيا، ولتفتح الباب واسعاً أمام حروب من نوع آخر، حروب لجأ إليها الغرب الاستعماري و”إسرائيل” في محاولة لاستكمال حرب الإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين.

وقد علّقت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا بأنّه لا يمكن تنفيذ أوامر المحكمة الدولية بدون وقف إطلاق النار.

لكن ما حصل شكّل انتصاراً حقّقته الجهة المدعية لضبط حرب الإبادة وأزال الستار عن فولكلور حقوق الإنسان الذي تمارسه دول الغرب الإستعماري، التي ما زالت تغطي جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” بحقّ الشعب الفلسطيني.

وجاء الرد سريعاً على قرارات محكمة العدل الدولية، من خلال فتح ملف وكالة الأونروا والمطالبة بوقف أعمالها وذلك لأهداف أخرى غير التي أُعلن عنها.

“سيكون من المستحيل كسب الحرب إذا لم ندمر الأونروا، يجب أن يبدأ هذا التدمير على الفور”
(نرجا أربيل)

ففي الرابع من كانون الثاني/ ديسمبر 2024، دعت المسؤولة الإسرائيلية السابقة نرجا أربيل إلى تدمير “الأونروا” خلال مناقشة في البرلمان الإسرائيلي، إذ قالت: “سيكون من المستحيل كسب الحرب إذا لم ندمر الأونروا، يجب أن يبدأ هذا التدمير على الفور”.

واتخذ عدد من الدول، وبمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، قراراً بوقف الدعم بسبب  ادعاء “إسرائيل” أنّ 12 موظفاً تعاونوا مع حركة حماس، لم يتمّ التحقيق مع من بقي على قيد الحياة من هؤلاء الموظفين، وتناسوا أنّ “إسرائيل”، ولم يبادروا إلى محاكمتها، أقدمت على قتل 152 موظفاً من الأونروا، وانتهكت حرمة مؤسسات الوكالة وتدميرها وقتل النازحين إليها، واستخدامها كمواقع عسكرية لقواتها المحتلة.

لقد استخدموا معايير تخالف حقوق الإنسان، يساعدهم بذلك أنّ التمويل يأتي بشكل تطوعي  منذ عام 1949، وبصفتها وكالة مؤقتة لعام واحد وحتى يعود اللاجؤن الفلسطينيون إلى وطنهم.

تأتي خطوات وقف التمويل كجزء من خطة إسرائيلية لتصفية وكالة الأونروا وإنهاء عملها، وهذا يعني إغلاق  715 مدرسة تضم 550 ألف تلميذ وتلميذة، وأطفال 140 مركزاً صحياً في 58 مخيّماً يستقبل 7 مليون زيارة مريض سنويا. وتقدّم خدماتها إلى نحو 6 ملايين لاجىء فلسطيني في مناطق عملياتها الخمسة: لبنان، سوريا، الأردن، قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وتطبّق “إسرائيل” خطتها عبر شيطنة وكالة الأونروا من خلال اتهامها بالتنسيق المستمر مع حركة حماس، والعمل على إنهاء عملها تدريجياً في قطاع غزة، والدعوة إلى إسناد تقديمات العمل الإنساني إلى منظمات أممية بديلة أو أهلية.

إنّ نجاح جنوب إفريقيا في المحكمة لم يكشف عن الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” فحسب، بل كشف عن الإفلاس الأخلاقي للبلدان التي تسمح بحدوث إبادة جماعية في غزة

ولا يُقتصر الرد على وكالة الأونروا التي تقدّم خدماتها للاجئين الفلسطينيين فحسب،  ففي 30 كانون الثاني/ يناير 2024، حذّر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا من شن حملة ضد بلاده بعد إحالتها الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة.

جاء ذلك في خطاب ألقاه في مؤتمر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إذ قال: “ستكون هناك حملات ممنهجة قد تركز على سياستنا الداخلية ونتائج الانتخابات عندنا من أجل متابعة أجندة الخارج لتغيير نظامنا”.

إنّ نجاح جنوب إفريقيا في المحكمة لم يكشف عن الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” فحسب، بل “كشف عن الإفلاس الأخلاقي للبلدان التي تسمح بحدوث إبادة جماعية في غزة من خلال أعمالها وتحت إشرافها، وهذه البلدان ستسعى لمنعنا من إنهاء القضية”.

وفي اليوم نفسه، في 30 يناير 2024، ناقشت مجموعة من النواب الديمقراطيين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية البدائل المحتملة لوكالة الأونروا في اجتماع مع رئيس القسم المدني في وحدة تنسيق أعمال “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية العقيد إيلاد غورين، وفق ما ذكره موقع إكسيوس الأمريكي في 31 يناير الماضي.

عرض غورين 6 بدائل لـ”الأونروا”، منها “اليونيسيف” وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقال: “إنّنا نريد أن تكون هناك مساعدات إنسانية لكنّ الأونروا تمثّل مشكلة بالنسبة لنا”

إذ عرض غورين 6 بدائل لـ”الأونروا”، منها “اليونيسيف” وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقال: “إنّنا نريد أن تكون هناك مساعدات إنسانية لكنّ الأونروا تمثّل مشكلة بالنسبة لنا”. كما نفى غورين حدوث مجاعة جماعية وأعاد التأخير بإدخال المساعدات إلى  موضوع التدقيق.

من جهة أخرى، وخلال اجتماعه مع مندوبين عن الأمم المتحدة، يوم الأربعاء 31 يناير 2024، قال نتنياهو: “إذا أردنا حل مشكلة غزة، يتعين إنهاء مهمة الأونروا لأنّها تسعى إلى الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين”.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان صحفي أصدره الأحد في الرابع من شباط/ فبراير 2024، إنّ “تعليق التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في ظل مجاعة وشيكة في غزة، يصل إلى حد التآمر والإشتراك في جريمة الإبادة الجماعية”.

وحذّر المرصد، في بيان صحافي من “التبعات الخطيرة لقيام كثير من الدول المانحة بتعليق تمويلها للأونروا، في ظل الأوضاع الراهنة الكارثية”، واصفاً القرار بـ”الانتهاك الخطير للالتزامات الدولية لهذه الدول، خصوصاً في ما يتعلق بحماية الشعب الفلسطيني من جريمة الإبادة الجماعية”.

وأضاف: “إنّ ذلك يأتي تنفيذاً للسياسات والمشاريع الإسرائيلية الأزلية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وتجريد الشعب الفلسطيني، وعلى رأسه اللاجئون، من حقوقهم المكفولة بموجب القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة”.

“الجيش الإسرائيلي واصل بالوتيرة نفسها قتل المدنيين على نحو جماعي وفردي وتجويعهم في غزة منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين”
المرصد الأورومتوسطي

وأشار المرصد إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي واصل بالوتيرة نفسها قتل المدنيين على نحو جماعي وفردي وتجويعهم في غزة منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة أي أنّه لم يلتزم قرارات محكمة العدل الدولية”.

وقد صدر القرار رقم 302 الذي نص على إنشاء وكالة الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وذلك بتاريخ 8 ديسمبر 1949، وأُنيط بها الاهتمام بأوضاع اللاجئين إلى حين العودة. ويومها، اعتقد الكثيرون عودة سريعة للاجئين مع انتهاء الصراع، وقد حددت مهلة قصيرة لإنهاء أعمال “الأونروا” وهو ما لم يحصل بسبب رفض “إسرائيل” الالتزام بالقرارات الدولية والقبول بحقّ العودة وفق القرار 194 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 1948.

إنّ طرح موضوع مصير “الأونروا” ليس حديثاً فقد طُرح منذ سنوات وخصوصاً عام 2017، إذ تماهى موقف واشنطن مع موقف “تل أبيب” بضرورة التصويب على الوكالة لمحيها وإزالتها من الوجود، أو إعادة النظر بالمهام التي تتولاها، إذ أنّ إفراغها من الدور الأصلي المرسوم لها يمهد الطريق للتخلص من هذه الوكالة عبر تصفيتها وتصفية تعريفها اللجوء الفلسطيني الذي تعتمده وتورّثه من جيل إلى آخر أي من الأجداد إلى الأحفاد مروراً بالآباء.

في شهر أيلول/ سبتمبر 2017، شهدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة نزاعاً بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، ودول وبلدان من جهة أخرى لدى بحث تمديد ولاية وكالة الأونروا. في ذلك العام، وفي خطوة أولى جُمّد القسم الأكبر من المساهمة الأمريكية في موازنة الوكالة، تلى ذلك وفي خطوة ثانية إيقاف المساعدة التي كانت تقدّمها للوكالة والتي كانت تبلغ يومها 360 مليون دولاراً أمريكيا. وكان واضحاً يومها أنّ وقف التمويل كان يسعى لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقاماتهم، وتقديم الإغراءات للكيانات الموجودة من أجل إسكانهم في أماكن الإقامة.

لم تنجح الخطة آنذاك، لكنّها فتحت الباب أمام صفقة القرن والتطبيع التدريجي، واليوم تسعى واشنطن للاستفادة من التطورات التطبيعية والتغييرات التي حصلت في المنطقة للوصول إلى الهدف المنشود وهو إنهاء دور وكالة الأونروا وتدميرها ليكون ذلك مدخلاً لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,