سيناريو الخراب في لبنان بعد إيقاف تمويل “الأونروا”

التصنيفات : |
فبراير 12, 2024 7:00 ص
من اليمبن، ظافر الخطيب، هشام دبسي ومحمد دندشلي (صمود)

*وفيق هوّاري – صمود:

في 30 كانون الثاني/ يناير 2024، بدأ عدد من الدول باتخاذ قرارات بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بعد إعلان “إسرائيل” عن وجود شبهة بأنّ نحو 12 موظفاً في الوكالة تعاونوا مع حركة حماس في قطاع غزة ومن دون الاستناد إلى أي تحقيق أو تدقيق بالإعلان المذكور.

وهذا يعني توقُّف نحو 75% من التمويل العام لـ”الأونروا” والذي يبلغ 1.6 مليار دولار أمريكي سنويا.

ماذا عن الوضع في لبنان؟

تبلغ موازنة “الأونروا” في لبنان نحو 260 مليون دولار سنويا. يُصرف من هذه الموازنة نحو 16 مليون دولار على القطاع الصحي الذي يقدّم خدماته في 27 مركزاً صحياً إلى جانب المساهمة في تغطية نسبة كبيرة من بدلات الاستشفاء، ويعمل في هذا القطاع 421 موظفا. ويُصرف 40 مليون دولار على القطاع التعليمي من خلال تغطية مصاريف 64 مدرسة يعمل فيها 1656 معلما، وتضم هذه المدارس 38205 تلميذ بينهم 1707 تلميذ لبناني.

كما تقدّم “الأونروا” مساعدات إجتماعية لعدد من الأسر الفلسطينية، بالإضافة إلى تغطية تكاليف خدمات البنى التحتية للمخيّمات التي يبلغ عددها 12 مخيّماً في مناطق مختلفة من لبنان. كما تدفع الوكالة إيجار العقارات والأراضي التي تشغلها المخيّمات الفلسطينية.

فإذا توقفت “الأونروا” عن تقديم خدماتها، ماذا سيكون تأثير ذلك على الفلسطينيين وعلى المجتمع المضيف؟.

يقول مدير مركز تطوير، الناشط الفلسطيني هشام دبسي: “إذ الدول، التي أوقفت دعمها، لم تتراجع عن قرارها، فإنّ احتمال توقف أعمال الأونروا يصبح واقعا. وحسب إدارة الأونروا فإنّ خدماتها ستتقلص مع نهاية شباط/ فبراير الحالي”.

وعن آثار هذا الوضع في لبنان، يوضح دبسي: “إنّ هذا القرار سيصيب ثلاث قضايا تهم الفلسطينيين، القضية الأولى التي سيكون تأثيرها كبير على الفلسطينيين هي القطاع التعليمي، ما سيدفع آلاف التلاميذ إلى التسرب المدرسي من دون وجود أي بديل فعلي لهم.

“سيؤدي الوضع إلى اهتزاز إجتماعي في لبنان وسيكون له تأثير مجتمعي وأمني إذ يشرّع الأبواب لنشاط متنوع من أعمال إجرامية أو تهجير غير قانوني عبر مراكب الموت”
(هشام دبسي)

أما القضية الثانية، فتتمثّل بفقدان الرعاية الصحية التي تؤمن خدماتها لأكثر من 200 ألف شخص في لبنان.

والقضية الثالثة، هي توقف الخدمات العامة في المخيّمات ما يزيد من تهميشها.

ونلاحظ هنا عدم وجود أية مؤسسة لبنانية أو مجموعة مؤسسات يمكن أن تغطي هذا العجز. كما أن المجتمع الفلسطيني سيشهد مضاعفات أخرى لأنّ المؤسسات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو للفصائل الفلسطينية عاجزة عن تقديم خدمات من هذا النوع”.

وعن الأثر الإجتماعي في لبنان، يرى دبسي أنّ “الوضع سيؤدي إلى اهتزاز إجتماعي في لبنان وسيكون له تأثير مجتمعي وأمني إذ يشرّع الأبواب لنشاط متنوع من أعمال إجرامية أو تهجير غير قانوني عبر مراكب الموت، والحل بقطع هذا الطريق وتقديم مساعدات من جهات مختلفة لاستمرارية هذه الخدمات وسد العجز الحاصل”.

الآثار المترتبة على إيقاف التمويل

ويرى الكاتب الفلسطيني والناشط المجتمعي د. ظافر الخطيب أنّ توقف تمويل “الأونروا” سيطرح للمرة الأولى سؤال: ما العمل؟، ويجيب الخطيب عن ذلك بالقول: “إنّ ما يحصل يمكن أن يحفّز مبادرات جماعية أو شخصية وأطراً سياسية وإجتماعية تنطلق باتجاه حوار فلسطيني حقيقي للبحث عن كيفية مواجهة المشكلة، هذا سؤال وجودي بالمعنى الخدماتي، كما أنّ هناك نخباً من موظفي الأونروا ستبحث عن مستقبل لها، والآن عليها العودة إلى المجتمع لتساهم في إيجاد الحلول وتشكيل حركة ضاغطة تُعنى بشؤون الفلسطينيين جميعا”.

“ذلك يعني أنّ الالتزام الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين قد ضُرب، وقُطعت الصلة بين المجتمع الدولي وقضايا اللاجئين ورُفع الغطاء السياسي والقانوني عنهم”
(د. ظافر الخطيب)

وعن الآثار المباشرة لوقف التمويل، يجيب الخطيب: “ستكون له آثار سلبية تطال مجمل ميادين خدمات الأونروا إلى جانب وقف فرص العمل لأكثر من 3 آلاف موظف في الوكالة وهذا يعني أكثر من 3 آلاف عائلة ستصبح بلا مورد رزق. أما في الجانب السياسي، فذلك يعني أنّ الالتزام الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين قد ضُرب، وقُطعت الصلة بين المجتمع الدولي وقضايا اللاجئين ورُفع الغطاء السياسي والقانوني عنهم. وهذا الوضع سيؤدي إلى مشكلة بين اللاجئين والدولة المضيفة، والتي هي مسؤولة عنهم، لكنّها ترفض تحمل هذه المسؤولية، ويمكن أن تتولد حركة مجتمعية تواجه أو تشتبك مع الدولة المضيفة، كما يمكن أن تزداد حدة الحساسية بين اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين وتصبح سمة ثابتة”.

وتعلّق مواطنة لبنانية، وتفضل مصطلح مواطنة عربية (طلبت عدم الإعلان عن اسمها)، بالقول: “ماذا تنتظرون من أشخاص حُرموا من التعلّم، ومن الحصول على الرعاية الصحية، ولا حظوظ بالحصول على فرص عمل، أليس ذلك يعني التوجّه إلى أعمال غير قانونية وخصوصاً في الأماكن التي تتواجد فيها مخيّمات كبيرة؟.

ومن جهة أخرى، لا يوجد اهتمام لبناني رسمي من خلال سياسة لا تعترف بهم كلاجئين وهذا يؤسس لمشكلات إجتماعية وأمنية واهتزاز في الوضع العام في لبنان”.

وتستطرد المواطنة العربية وتقول: “في لبنان سنشهد تسرباً مدرسياً واسعا، وانتشار أمراض عديدة خصوصاً في ظل غياب خطط طوارىء لوزارتي الصحة والتربية وهذا يجلب ضرراً كبيراً على لبنان”.

حقّ العودة والحقوق المتصلة

أما الناشط المجتمعي اللبناني، المهندس محمد دندشلي، ينظر إلى المشكلة من زاوية أخرى ويقول: “إنّ  للأونروا رمزيتان: الرمزية الأولى، تخلي المجتمع الدولي عن حماية حقوق الإنسان والذي سمح عامي 1947 و1948، بتهجير شعب كامل من أرضه.

الرمزية الثانية، تتمثّل بعنوان التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قِبل العدو الإسرائيلي، وبأنّها أُنشئت عام  1949 بشكل مؤقت، إلى حين عودتهم إلى وطنهم. أي أنّها مرادفة لحقّ العودة”.

ويضيف دندشلي: “الآن، يريدون إيقاف التمويل، ويعني ذلك وقف كل الخدمات التي تقدّمها في لبنان للاجئين الذين يعيشون في 12 مخيّماً ويشكّلون نحو 45% من إجمالي عدد اللاجئين، ويسكن الباقي خارج المخيّمات، ويبلغ عددهم وفق سجلات الأونروا نحو 490 ألفاً في ما عددهم الفعلي يصل إلى 240 ألفا، في حين أنّ إحصاءات الدولة اللبنانية عام 2017، تقول إنّ العدد يبلغ 174 ألفا.

“تشكّل الأونروا الوثيقة الأممية التي تُثبت أنّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض وأنّ إسقاطها يعني إسقاط القضية من وعي وذاكرة الناس”
(محمد دندشلي)

يعيش اللاجئون ظروفاً غير آدمية في ظل قوانين تمييزية ضدهم تحرمهم من أبسط الحقوق الإنسانية ومن التملك، وسط سياسة السلطة وتجاذبات أطرافها واستخدامها المخيّمات كورقة في نزاعاتها الداخلية وأكبر مثال على ذلك هو مخيّم عين الحلوة”.

وعن الهدف الأساس لوقف تمويل الأونروا، يشير دندشلي إلى أنّ الهدف: “هو سياسي بامتياز يهدف إلى إسقاط حقّ العودة وخصوصاً بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتضييق على مخيّمات الشتات يعني قتل حقّ العودة، ومن يستمر بحرب الإبادة في غزة يسعى لإنهاء القضية الفلسطينية، لأنّ الأونروا تشكّل الوثيقة الأممية التي تُثبت أنّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض وأنّ إسقاطها يعني إسقاط القضية من وعي وذاكرة الناس”.

وعن الأثر على لاجئي لبنان، يوضح دندشلي: “ستزيد من تهميش اللاجئين ومن مأساتهم وتدفع إلى مشكلات أمنية بين المجتمع الفلسطيني والمجتمع اللبناني، وهذه ستكون أخطر ما يحصل نتيجة التمييز والحرمان والإخضاع، وسيكون هناك تمييز عنصري بسبب هشاشة الوضع اللبناني ومحاصصة السلطة التي تحاول استخدام الفلسطيني في النزاعات الداخلية، يعني باختصار سنشهد تداعيات مأساوية”.

هذا ما يراه لبنانيون وفلسطينيون لما سيحدث في حال توقّف تمويل وكالة الأونروا في لبنان، فهل من يبادر إلى اقتراح خطط لمواجهة الأزمة؟.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,