الحديث عن اليوم التالي للحرب.. ماذا عن الحقوق الوطنية؟

التصنيفات : |
فبراير 15, 2024 7:00 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

من يلاحق الخطاب السياسي العالمي وخصوصاً خطاب الغرب الإستعماري، يراه مشبعاً بالحديث عن اليوم التالي لغزة، ويتناسى أو يتجاهل ما يحصل اليوم في فلسطين المحتلة من مجازر وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني.

إنّهم يغيبون الحديث عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المنتهكة منذ أكثر من 75 عاما، ويتجاهلون حقّ الفلسطينيين في العودة الى أراضيهم وممتلكاتهم وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة.

يفتحون الباب أمام نقاش من نوع آخر، على شاكلة: ما هي طبيعة النظام السياسي الذي سيكون، ما هي مواصفات القيادة الفلسطينية المطلوبة؟، ما هي حدود صلاحياتها؟، من تمثّل وكيف تمثّل؟، هل تستحقّ أن يُقدَّم لها دعم ما؟، ما مقدار الفساد الذي قد ينشأ، وهل يمكن مراقبتها ومحاسبتها؟.

يحصرون النقاش بالنقاط التقنية مقابل صرف النظر عن البحث بالأهداف المتعلقة بالحقوق الوطنية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي

يتحدثون ويناقشون ماذا سيحصل في غزة غداً وهل ستبقى حماس موجودة أم لا، ويديرون الظهر عن آلاف الشهداء الذين يسقطون في قطاع غزة من القصف، ومن الجوع والبرد.

إنّهم يتجادلون حول نوع المساعدات والأدوية التي يمكن إدخالها الى القطاع وشروط إدخالها ويمكن أن يصل النقاش حول أنواع الأمراض التي يمكن معالجتها والأخرى التي يجب تجاهلها، وأنّ وقف إطلاق النار هو لفترات قصيرة تسمح بإدخال المساعدات بعد التدقيق بنوعيتها وكميتها.

إنّهم يحصرون النقاش بهذه النقاط التقنية مقابل صرف النظر عن البحث بالأهداف المتعلقة بالحقوق الوطنية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

لنعود قليلاً إلى الوراء، فإنّ الشعب الفلسطيني من خلال مؤسساته ومنذ وعد بلفور كان يناضل من أجل أهداف وطنية فلسطينية مستخدماً جميع وسائل النضال الممكنة، وعندما سنحت الفرصة له لاستخدام سلاح وطني مستقل، لم يجد الكيان الصهيوني وسيلة إلا واستخدمها للقضاء على السلاح الوطني الفلسطيني من خلال الحروب المباشرة أو لدعم وتشجيع حروب أهلية تستند إلى تخلف البنى المجتمعية في الكيانات العربية وهذا ما برز بشكل واضح في الأردن ولبنان، والتي انتهت حروبها الأهلية بنزع السلاح الفلسطيني المستقل، أو استخدامه وفق رغبات أهل السلطات الرسمية الموجودة.

لقد عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي جهدها لإيجاد فجوة واسعة بين الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني وبين النظام السياسي وشروط التمثيل فيه.

بدأت تسود ثقافات متعددة حول الديمقراطية وإدارة النزاع والعدالة الإجتماعية ومكافحة الفساد وأهمية الشفافية في ما غابت ثقافة العدالة التاريخية التي ترتكز على ضرورة وأهمية هزيمة المشروع الصهيوني واستعادة الحقوق الوطنية

بعد بناء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت الفجوة بالاتساع بين خطاب القضية الوطنية الفلسطينية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي وبين طبيعة النظام السياسي والمحاصصة فيه، وامتيازات كل طرف من أطرافه والمساعدات الإنسانية التي يمكن الحصول عليها. أي بما معناه طغيان الإحتياج اليومي على الإحتياج الاستراتيجي، وبدأت تسود ثقافات متعددة حول الديمقراطية وإدارة النزاع والعدالة الإجتماعية ومكافحة الفساد وأهمية الشفافية في ما غابت ثقافة العدالة التاريخية التي ترتكز على ضرورة وأهمية هزيمة المشروع الصهيوني واستعادة الحقوق الوطنية.

ونشهد اليوم وبعد حدث 7 أكتوبر، تزايد الحديث عن اليوم التالي لغزة وعن شروط بناء السلطة القادمة وسط ضغوط مالية وإدارية واسعة، أي السعي إلى إنهاء كل ما يشير إلى القضية الوطنية الفلسطينية.

وإنّ مزيداً من الضغط لإنهاء الحقوق الوطنية هو العودة للحديث عن حل الدولتين الآن أي الإبعاد النهائي عن العدالة التاريخية وإعطاء قوة مخدرة للراغبين بالتطبيع كي تبدو أنّنا اقتربنا من حل ما ولكنّه حل على حساب الحقوق الوطنية للفلسطينيين، وأنّ كل حديث سياسي يسقط من حسابه هذه الحقوق هو حديث لا يمتّ إلى القضية بشيء.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,