الآثار المترتبة لـ”الطوفان” على إقتصاد الاحتلال

التصنيفات : |
فبراير 16, 2024 8:19 ص

*موسى جرادات

منذ السابع من أكتوبر، لحظة إنطلاق عملية طوفان الأقصى، والاحتلال ما زال يتكبد خسائر إقتصادية جسيمة، طالت مختلف قطاعاته الإنتاجية، التي وصل بعضها إلى حدود الشلل أو شبه التوقف.

لكن ما يلفت النظر في تتبع تلك الخسائر ومحاولة ربطها بأرقام مالية محددة، تذهب أدراج الرياح، بسبب حالة التعتيم الكبيرة التي تفرضها المؤسسات الصهيونية، حتى اللحظة، على كل ما يتصل بتلك الأرقام، والواقع أنّ الحرب كشفت عن بنية الاقتصاد الإسرائيلي، وعناصر قوته وضعفه في نفس الوقت، وكشفت أيضاً عن وجود دين على كيان الاحتلال يقارب 300 مليار دولار، ووجود احتياط نقدي بقيمة 200 مليار، تمّ سحب 30 مليار منه لتمويل الآلة الحربية، ولدعم العملة المحلية من مغبة الانهيار، وتقديم تعويضات خسائر “الطوفان” التي طالت عائلات المهجرين من الجنوب والشمال وكذلك القتلى والجرحى والأسرى، وجنود الاحتياط.

من الواضح أنّ التكتم الشديد جداً على عدم الخوض في تلك الخسائر مرتبط بأسباب تتجاوز التفسيرات الإقتصادية البحتة، بل إنّ الأمر يتعلق بأحد الأسباب الوجودية لهذا الكيان، وهو لا يقل أهمية عن القوة العسكرية الحامية له، حيث تشير التقارير الإقتصادية المتواترة عن إقتصاد العدو، أنّه يتشكّل من أكثر من مصدر ويتنوع بتنوع الكثير من الموارد المتاحة، لكن الأكيد أنّ هناك قطاعات إنتاجية توفر أكبر المصادر الإقتصادية والمداخيل المالية التي ترفد خزانة العدو وعلى رأسها القطاع التكنولوجي الذي يساهم بأكثر من 40 % من هذا الرفد، في حين يأتي قطاع التصنيع العسكري كثاني مصدر ويتلوه القطاع الزراعي والسياحي.

أعلن القطاع التكنولوجي عن تسريح أكثر من 35 ألف عامل وموظف بسبب تعطل الآلة الإنتاجية لديه، والإنخفاض الكبير في الإستثمار فيه

بعض المصادر الإقتصادية أشارت إلى أنّ القطاع التكنولوجي يعاني اليوم أشد أزمة تواجهه منذ نشوئه وحتى هذه اللحظة، فقد أعلن هذا القطاع عن تسريح أكثر من 35 ألف عامل وموظف بسبب تعطل الآلة الإنتاجية لديه، والإنخفاض الكبير في الإستثمار فيه، حيث أشارت تقارير إقتصادية أنّ معظم الإستثمار الأجنبي قد تمّ سحبه من هذا القطاع.

أما القطاع الزراعي فقد تعرّض لضربة كبيرة طالت مختلف مكوناته خاصة أنّ سلة الغذاء من الخضروات والفواكه وتربية الحيوانات تتركز في غلاف غزة وعلى الحدود مع لبنان، والذي هو بالفعل ساحة حرب، ما جعل من هذا القطاع يلامس حد التوقف والشلل التام خاصة بعد مغادرة أكثرمن 30 ألف عامل تايلندي إلى بلادهم  في ما القطاع السياحي هو الآخر يلامس حد الإفلاس التام بعد أن انخفض عدد السياح بنسبة 90 %، أما قطاع الطيران المدني فهو يعمل الآن بحدود 20 % من طاقته، بعد توقف شبه التام للرحلات الجوية ذهاباً وإيابا.

ما يهمنا في هذا العرض هو توضيح نقاط أساسية تتعلق بالمجال العام الذي يتحرك فيه الإقتصاد الصهيوني، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على مفهوم الاستقرار والثبات وقوة الكيان في المجال الإقليمي والدولي، وهذه الصورة التي تهشمت كلياً بعد أن تعرضت لهجوم المقاومة في السابع من أكتوبر، والكل شاهد سرعة التحرك الغربي لدعم الكيان منذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم، سواء على الصعيدين العسكري أو المادي، وزيادة على هذا الدعم استطاعت “إسرائيل” استدانة 30 مليار دولار كقروض طويلة الأجل من البنوك العالمية، بفعل المساندة الأمريكية والأوروبية.

بدون نصر واضح في جنوب فلسطين وشمالها، لا عودة إلى إقتصاد قوي، فلطالما كانت “إسرائيل” تقوم على ثلاث أعمدة أساسية: جيش قوي هجومي، إقتصاد قوي وعلاقات دولية متينة

ومع هذا فإنّ عجلات الإقتصاد وبعد ما يزيد عن أربعة أشهر من اليوم، ما تزال متعطلة ولا يوجد أفق واضح لتوقف هذا التعطل، والبدء من جديد، الأمر الذي دفع أكبر المؤسسات الدولية للتصنيف الائتماني “موديز” إلى إعلانها خفض التصنيف الائتماني لكيان الاحتلال ومن ثم خفض التصنيف لأكبر خمس بنوك عاملة لديها، الأمر الذي أدى إلى أكبر انكشاف فعلي وحقيقي لطبيعة الخسائر الفعلية التي أصابت إقتصاد الاحتلال على المدى المنظور، وهذا ما يفسر حجم الغضب الشديد الذي تمّ التعبير عنه من قِبل حكومة الاحتلال ووزرائها، بعد وصفهم بأنّ التقرير سياسي ولا يعكس حقيقة قوة الإقتصاد لدى الكيان الصهيوني في محاولة منهم على التعمية الكبيرة التي يجريها قادة الاحتلال على الوضع الحقيقي لمؤسساتهم، وحتى لو كان التقرير يعتمد على مؤشرات سياسية لا إقتصادية، فإنّ السياسة لا تنفصل عن الإقتصاد بالمطلق وهذا ما يعرفه قادة الاحتلال جيدا، فبدون نصر واضح في جنوب فلسطين وشمالها، لا عودة إلى إقتصاد قوي، فلطالما كانت “إسرائيل” تقوم على ثلاث أعمدة أساسية: جيش قوي هجومي، إقتصاد قوي وعلاقات دولية متينة، فإنّ هذه الحرب كشفت خواء الجيش القوي، وتعطل الإقتصاد القوي، وإهتزاز كبير في العلاقات الدولية بعد خضوعها لمحكمة العدل الدولية، فإنّ الركائز الثلاثة أصبحت في سهام الشك، وما تزال الحرب مستمرة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,